هل تعود الفتنة الطائفية ؟
٢٢ سبتمبر ٢٠١١يرى نزار السامرائي أن الفتنة الطائفية توشك أن تعود إلى العراق، ويعزو ذلك الى تفاقم الصراع في أوساط الساسة المشاركين في العملية السياسية دون أن يشير إلى الخارجين عن هذه العملية. ويدرك المراقب أن المشاركين في العملية السياسية في العراق يمثلون طيف المجتمع العراقي، وبالتالي فلابد إن يتساءل: من يريد عودة الفتنة، ولماذا؟
من يراقب سلوك الحكومة هذه الأيام، لا يحتاج إلى جهد كبير ليكتشف أن الصراعات السياسية التي تعيشها أطراف العملية السياسية تشعبت بحيث لا يعرف أحد منها، من هو الحليف ومن هو الخصم ومن هو العدو، فالمشهد في غاية التقلب من التحالف المتين إلى العداء الشديد من دون سبب أو سابق إنذار، مما عقّد كثيرا من مهمات مراقبي المشهد السياسي العراقي في قدرتهم على التكهن بالخطوة التالية، والصراعات بدأت تتسلل إلى صوف المقربين جدا من مركز صنع القرار، إن كان هناك قرار يصنع في العراق أصلا.
فدوامة العنف باشرت دورانها بقوة استثنائية وكان الموت يتقافز بسرعة هائلة كأنه إعصار يأتي على كل ما يمر عليه، وكأن هناك أياد خفية تريد عودة حالة الاحتراب الطائفي التي شهدها العراق عامي 2006 و2007، إلى المجتمع ولكن بقوة تصميم منهجي، تستفيد من إخفاقات الماضي وتتدارس الأسباب التي أدت إلى إفلات البعض من ويلاتها السابقة، فالمطلوب الآن هو تصفية حسابات نهائية إن أتيحت الفرصة لمثل هذا الحمام الجديد من الدم.
من يخطط للجولة الجديدة من القتل، هم أولئك الذين يكثرون من الحديث عن نزع فتيل الفتن الطائفية والعرقية و المناطقية و المدائنية، ويمسكون بكلتا يديهم ملفات كثيرة ومتنوعة ومتشعبة ويريدون إضافة المزيد إليها، والذين يحاولون التمدد على حساب الآخرين من الذين ركبوا معهم في السفينة ويريدون تحويلهم إلى شهود زور في محكمة التاريخ الذي تلفق القضايا فيه بلا وجع قلب، ويبدو أنهم في سباق مع الزمن بل ومع أنفسهم، في الاستئثار بموجودات كنز عثروا عليه بمحض الصدفة في صحراء نائية خشية من وصول شركاء جدد. هم أنفسهم الذين يمسكون بالملف الأمني وأخواته والملفات الاقتصادية وما جاورها، وبالتالي فإنهم يظنون أن خاصية التوسع الأفقي هذه، يمكن أن تعطيهم فرصة التحكم بمقادير البلاد والعباد وإفلات من العقاب، وتنفيذ صفحات الفتنة المبيتة باسم القانون وحماية للسلم الأهلي، من دون إثارة ردود فعل داخلية أو ضجة خارجية، وخاصة أن هناك مصطلحات عفى عليها الزمن، مثل مواجهة الإرهاب والمظلومية المزعومة، ولكنها ما تزال ملفات صالحة للاستخدام في العراق على الرغم من انتهاء زمن فعاليتها في كل مكان.
"جريمة النخيب قد تصير بداية الفتنة"
جريمة النخيب التي وقعت أخيرا، مدانة بكل المقاييس الأخلاقية والدينية والسياسية والقانونية، ولكنها تبقى من فعل عصابات جريمة منظمة ليست بعيدة عن المنطقة الخضراء والسفارات القريبة منها، وتريد إضعاف العراق وإشغاله بفتنة داخلية لا نهاية لها، فمن يفقد رصيده يسعى بما يتيسر له من جهد وطاقة، أن يحيط نفسه بالأنصار والمؤازرين، حتى إذا كان ذلك يتطلب عبور ترعة من الدم أو تلة من الجماجم، لاسيما وأن التحالفات بدأت تفقد ما تبقى لها من إغراء المال والوجاهة، ومن أجل تقمص دور منقذ المنطقة أو الطائفة أو العرق، فلا بد من وجود خطر خارجي يهدد المكتسبات التي تحققت لها، ولما كان الخطر لا وجود له إلا في العقول التي أتعبها الخوف من الغد، فلا بد من اختلاقه وبطريقة دراماتيكية فيها الكثير من عوامل الإثارة والتشويق حتى وإن اصطبغ ذلك بلون الدم.
تم تنفيذ جريمة النخيب ولم يباشر بالتحقيق بها بعد، ولكن بعد سويعات بدأ تجار الفضائيات الجديدة التي تتاجر بمصير العراقيين، والتي لم تجد ضيرا في توظيفها في عملية شحن طائفي مقيت، وهنا تبرز حقيقة أن من بدأ بهذا التحريض كان جاهزا تماما للصفحة التالية، وكأنه ملم بتفاصيل الصفحة السابقة، فوقع أولئك في مطب التناقض مع النفس مرة أخرى، فلطالما طالب مدعّو التعقل منهم، للتريث في إصدار أحكام متعجلة في القضايا التي يمكن أن تجر إلى الفتنة، حينما لا يكون الضحايا من أنصار هذا الحزب أو ذاك من أحزاب الحكومة، فماذا حصل حتى ركبوا هذه المطية الجموح؟ وأخذوا يقرعون طبول الحرب ويحشدون لها كل من استطاع إليها سبيلا؟ ألا يدل ذلك على أنها خطة مبيتة لإعادة خلط أوراق اللعبة؟ وقضم مناطق مؤشر عليها باللون البرتقالي من زمن ليس قصير ضمن خطط تفتيت العراق ابتداء بمشروع الفدرالية؟ ويراد لها أن تكون سببا بفتنة تطل برأسها داخليا كلما اطمأن الناس إلى جار يختلف في الدين والعرق والمذهب.
"سرعة الكشف عن الفاعلين تثير تساؤلات"
وحشّدت قبيلة الحكومة رجالها بعجلاتهم وملابسهم الرسمية مع أحدث الأسلحة، وأغارت على مضارب الأعداء ممن لم تتأكد مسؤوليتهم عما حدث في النخيب، وعلى طريقة الجاهلية الجهلاء والضلالة العمياء، جاء المغيرون بمن يراد إلباسهم ثوب التهمة دون تحقيق، وطاف بهم المغيرون وسط ذهول معظم أهالي كربلاء واستنكارهم لهذا النمط الجاهلي، في محاولة إهانة المعتقلين والتشهير بهم، على طريقة الأمريكان حينما كانوا يحرقون بيوت الهنود الحمر، وسط شماتة واحتفالات نفر من أناس آخرين لا يعرفون السيناريو المعد، ويراد وضعهم في خندق مضاد وكأنهم ينتمون إلى بلد آخر، بالقوة والإكراه بعد أن أخفق الإغراء في تحقيق هذا الفرز الكريه.
فإذا كانت الحكومة قادرة على التوصل إلى خيوط الجرائم التي ترتكب، بهذه السرعة التي لا يستطيع حتى مكتب التحقيق الفدرالي الأمريكي الوصول إليها، فلماذا ظلت ملفات عشرات الآلاف من الجرائم والقضايا الغامضة والمكشوفة حبيسة أدراج مراكز الشرطة أو في مقار المليشيات أو مكتب (القائد العام للقوات المسلحة)، وقد علاها الغبار وربما التهمتها الأرضة الجديدة؟
أن تتابع الحكومة (أية حكومة) ما يقع من جرائم، فتلك أبسط واجباتها والتي بدون النهوض بها عليها أن تحزم أوراقها وتغادر مكاتبها، ولكن أن تتصرف بطريقة العصابات وفي محاولة لإذلال فريق أو مدينة أو منطقة أو محافظة أو مذهب، فذلك يعني سقوط شرعيتها الأخلاقية والقانونية بعد سقوط شرعيتها السياسية.
أن تنفذ العصابات جرائمها بأية طريقة ومهما كان طابعها وحشيا، فذلك لا يجيز للحكومة أن تقتبس من العصابات أساليب عملها وتطبقها على الشارع، بهدف تركيعه وإجباره على الخضوع لإرادة المسؤولين.
"إسقاط الطغاة في الدول الديمقراطية الحقيقية أصعب"
إن الحكومة حتى إذا كانت ممثلة حقا لإرادة الشعب، إذا ما استعارت وسائل عصابات القتل وقطاع الطرق ومافيات المخدرات، فإنها تكون عصابة جديدة تضاف إلى رقم العصابات، غير المصرح لها بممارسة نشاطاتها لأنها خارجة على القانون، ولكن الحكومة حين تحولها إلى أساليب العصابات فإنها توظف امكانات الدولة وأجزتها الأمنية من جيش وشرطة ومليشيات ترتدي زيا رسميا وسيلاح ومال حكوميين، ومواردها ومدخراتها ومعداتها في تنفيذ جرائم باسم القانون.
الصراعات داخل الطبقة الحاكمة تعددت وتوزعت على محاور كثيرة، وربما يظن البعض أنه ولد للكرسي الذي يجلس عليه، وربما كان إسقاط الطغاة في الدول الاستبدادية أكثر يسرا مما هو في الدول الديمقراطية الحقيقية، التي يكون الوصول إلى الحكم فيها أو الخروج منه قائما على أسس محددة المعالم، على الرغم من أن حجم التضحيات في الحالة الأولى كبير، ولكن في كلا الحالتين فإن من يسقط الحكام، هي أخطاؤهم وليس أعداؤهم، وأسوأ هذه الأخطاء هي أحساس الحاكم أنه آخر من جاء به سير الزمن .
نزار السامرائي
مراجعة وتحرير ملهم الملائكة