هل تكفي شبكة الأمان المالي لحماية اليورو؟
١٢ مايو ٢٠١٠إذا ألقينا نظرة على مجريات مساء الأحد الماضي لابد أن يتولد لدينا الانطباع بأن النيران اشتعلت حول اليورو. في ذلك اليوم الذي جرت فيه انتخابات هامة في ولاية شمال الراين وستفاليا لم تحضر المستشارة أنغيلا ميركل إنما أدارت جلسة وطنية طارئة، أما اجتماع وزراء مالية الاتحاد الأوروبي في بروكسل فقد استمر حتى ساعة متأخرة من الليل، وطلعوا بنتيجة تخصيص 500 مليار يورو لإنقاذ العملة الموحدة، كما أن صندوق النقد الدولي أعلن دعمه لشبكة الأمان المالي الأوروبي ب 250 مليار. ويهدف الوزراء من هذه الخطوة الى مجابهة المضاربين على العملات الذين يريدون أن يربحوا من التراجع المحتمل لقيمة اليورو مقابل الدولار. لكن أودو شنيفن، رئيس مدرسة فرانكفورت للعلوم المالية، يوجه الأنظار الى أن المضاربين إذا كانوا قد فعلوا ذلك فعلا، فإنهم قاموا بما يمليه عملهم عليهم ويقول في حديث للدويتشه فيلله " لو قام المضاربون فعلا بدراسة توقيت الصفقات المالية وحللوا وضع السوق وعرفوا أن اليورو سيخسر من قيمته إزاء الدولار، فإن هذا الأمر سيكون بالتأكيد في صالح ألمانيا من مفهوم الاقتصاد القومي، لأنه يؤدي إلى ارتفاع مقدرة البلاد على التصدير."
"المضاربون ليسوا المذنب الوحيد في الأزمة"
وباللهجة نفسها يتحدث كليمنس فويست رئيس مجلس العلوم التابع لوزارة المالية، فهو يجد أن الأزمة لم يسببها المضاربون، لأن ما فعلوه لا يتعدى الكشف عن مواطن الضعف ويضيف:"الذين سببوا الأزمة كانوا بالتأكيد حكومات وسياسات رسمية بالغت في تكديس الديون ولم يعد بمقدورها أن تهتدي إلى طريق التحرر منها."
سياسة الميزانية التي لا تقوم على أسس متينة في بعض دول اليورو تشكل أحد أسباب المضاربات ضد اليورو، وصناديق التحوط ليست وحدها المذنبة في كون المراهنات قد ثبتت صحتها ، فهذه الصناديق لو راهنت بمفردها ضد البنك المركزي ستخسر، لكن بإمكانها أن تلعب دور العصابة التي تثير الذعر في الأسواق، وبحيث يعلو النداء للخروج من منطقة اليورو، وعندما تنتشر هذه الإشاعات على نطاق واسع ،لأن كل المشاركين في السوق مقتنعون بأن اليورو سيفقد من قيمته، عندئذ تصبح كل البنوك المركزية عديمة الحول والقوة، فالقناعات الاجتماعية تولد وقائع اجتماعية. وهنا يطرح السؤال عن مدى خطورة تراجع قيمة اليورو .
عندما يجيب الخبير المصرفي فولفغانغ جيركه، مدير مركز التمويل البافاري، على هذا السؤال يعبر عن رأيه القائل بأن اليورو ليس مشرفاً على خطر كبير، وأن سعر اليورو الحالي هو سعر جيد ويساعد العديد من دول اليورو. ثم يشير جيركه إلى أن الأمريكان يواجهون بالدولار الآن ما يكفي من الصعوبات، ولهذا يبدو من المحتمل أن يستمر تراجع اليورو دون أن يسبب مشاكل، لا بل على العكس لو حدث ذلك لساعد عدة دول لتظهر بشكل أكثر جاذبية في الأسواق العالمية وخاصة اسبانيا واليونان "
وبالفعل أتت أوقات كان فيها اليورو لا يساوي دولاراً وثلاثين سنتاً، إنما 88 سنتا من الدولار فقط ، ونجم عن ذلك غلاء تكاليف الإجازات في الولايات المتحدة وارتفاع حسابات المواد الخام والطاقة. لكن هذا يبقى وضعاً مقبولاً نوعاً ما، لأنه من جهة أخرى يواكب عملية التصدير. وكما يقول أودو ستيفنز لايهتم المواطن العادي بتعاملات اليورو الخارجية، لأنه يستنير بالقيمة الداخلية لليورو. ويؤكد ستيفنز على أهمية استمرار مقدرة الدولة على التصرف ويضيف موضحاً " من المهم أن لا ينتهي مصير تلك الأموال الضخمة التي تصب في الدورة المالية، دون أن يكون لها قيمة فعلية، إلى دوامة التضخم "
وحسب رأي ستيفنز، تلوح مخاطر الإفلاس بشكل أقوى من خطر ضعف اليورو، فإذا تم صرف ال 750 مليار يورو التي توجد حتى الآن في صورة ضمانات، تدخل عندئذ إلى الدورة المالية وتسبب التضخم.
خبراء يقترحون الحل الناجع
ويرى أودو ستيفنز أن من المهم الآن معرفة الطريق السليم لإعادة الأمور إلى نصابها، وبحيث تتوقف المراهنات. وفي نظره يكمن الحل الناجع في اتباع سياسة تضمن عدم حدوث عدم توازن قوي في منطقة اليورو، ثم يشير ستيفنز الى أمر هام متسائلاً :" من هو الذي يتعين عليه أن يتلاءم مع من؟" ويضيف:" ألمانيا انتهجت بالتأكيد سياسة تقشفية، بينما أسرفت دول أخرى في الإنفاق، ولابد أن نجد حلا وسطاً من أجل الحيلولة دون حدوث عدم توازن قوي في منطقة اليورو كما فعلنا حتى الآن"
بعبارة أخرى يتعين على ألمانيا أن تفكر ملياً فيما إذا كانت المبالغة في عدم رفع الأجور والمبالغة في الاستنارة بالتصدير ستؤدي إلى ظهور فوارق قوية في موازين التجارة والإنجاز في دول اليورو.
الكاتب:رولف فينكيل/منى صالح
مراجعة: عبدالرحمن عثمان