هل تلعب باكستان دورا مزدوجا في الحرب على الإرهاب؟
٨ أغسطس ٢٠١١العلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية وباكستان علاقة متقلبة: في ثمانينيات القرن الماضي ارتبط البلدان بعلاقة شراكة قوية. وظلت العلاقة قوية حتى انسحاب القوات السوفيتية من أفغانستان في عامي 1988/1989. وبعد اعتداءات الحادي عشر من أيلول سبتمبر 2001 عاد اهتمام الولايات المتحدة بباكستان وخاصة لإيصال الإمدادات لمحاربة طالبان والقاعدة. وضمن التعاون الاستراتيجي الجديد، وافقت باكستان على استخدام القوات الأمريكية لأراضيها، لكنها فعلت ذلك على مضض لأنها كانت تربط بعلاقات جيدة مع حكومة طالبان، ولأنه مازال لها حتى اليوم مصالح اقتصادية في أفغانستان.
"هناك مصلحة أخرى لباكستان تتمثل في أنها تعتبر أفغانستان عمقا استراتيجيا لها. هدف باكستان هو تشكيل حكومة أفغانية، تتوافق مع المصالح الباكستانية"، هذا ما يقوله كونراد شيتر، الخبير في شؤون جنوب آسيا. وبالتالي لا مصلحة لباكستان في استخدام أقصى قوة ممكنة ضد حركة طالبان، حليفها السابق. باكستان تريد أن تكون أفغانستان ملاذا لجيشها في حال نشوب حرب مع الهند، وهذا هو المقصود بكون أفغانستان تشكل عمقا استراتيجيا لباكستان. فقد خاضت الهند وباكستان ثلاث حروب حتى الآن ولم تتمكنا من حل مشاكلهما الحدودية بعد.
حلفاء ضد الهند
ويقول خبير شؤون الإرهاب الباكستاني، رحيم الله يوسف زاي، إن إستراتيجية إسلام آباد الحالية هي التعاون الوثيق مع القوى الأصولية. إذ تعتقد باكستان أن الأصوليين يعادون الهند بطبيعتهم، لأن الهند ليست دولة ذات أغلبية إسلامية. وباكستان تريد، في حال نشوب حرب جديدة مع الهند، أن تجد حليفا لها في أفغانستان. لذا فإن حركة طالبان، الساعية إلى إقامة دولة دينية في أفغانستان، تتلاءم مع خطط باكستان في المنطقة.
ويعتقد الخبير الباكستاني يوسف زاي، أن الغرب إما أنه لا يستطيع فهم هذه السياسة أو لا يريد فهمها، ويضيف : "يكمن الخلاف في الرأي بين باكستان والولايات المتحدة وباقي الدول الغربية في سياستها اتجاه طالبان. باكستان تسعى إلى حل سياسي وتريد التفاوض مع طالبان. إضافة إلى ذلك، تريد باكستان لعب دور رئيسي في هذه المفاوضات. أما الولايات المتحدة فما زالت تسعى إلى هزيمة طالبان".
مطالب واضحة للولايات المتحدة
في الأثناء باتت الولايات المتحدة تراهن على المفاوضات، لكنها تشترط تنصل حركة طالبان من تنظيم القاعدة الإرهابي. وتستخدم الولايات المتحدة حوالي 10000 جندي أمريكي لإجبار طالبان على خوض محادثات سلام معها. والهجمات الجوية العنيفة التي تشنها الطائرات بدون طيار على مأوى مقاتلي طالبان في المنطقة الحدودية مع باكستان، ما هي سوى جزء من هذه الإستراتيجية الأمريكية. ورسالة واشنطن من هذه الهجمات واضحة: لا سكوت على تعاون بين باكستان والإرهابيين. وهذه الرسالة، حسب أستاذ العلوم السياسية يوخن هيبلر وصلت إلى المسؤولين في إسلام آباد: "كثير من ضحايا العنف الذين سقطوا في السنوات الماضية في باكستان، كانوا بسبب انتقال حرب أفغانستان جزئيا إلى الأراضي الباكستانية. وسلبيات بقاء أفغانستان غير مستقرة على المدى الطويل أكثر من إيجابياته بالنسبة لباكستان".
ورغم ذلك يشك المراقبون السياسيون بقدرة حكومة باكستان على تغيير سياستها بـ 180 درجة. فالجيش الباكستاني ذو سلطة كبيرة، وأجهزة المخابرات لها نفوذ واسع، وهي التي ترسم السياسات أحيانا. لكن من جهة ثانية، لا تريد باكستان التخلي عن مليارات المساعدات الأمريكية. لذا، يعتقد الخبراء، أن الحكومة الباكستانية تلعب لعبة مزدوجة خطرة لكي يحظى برضا حلفائه الأصوليين وحلفائه الأمريكيين في الوقت نفسه. وهي لعبة، لا يبدو أن واشنطن مستعدة للتسامح معها.
شراكة صعبة
ورغم ذلك، على واشنطن التحلي بالصبر كي تنجح في حمل باكستان على إعادة التفكير بسياستها، كما يقول هينينغ ريكه، خبير الشؤون الأمريكية في الجمعية الألمانية للسياسات الخارجية. إذ ليس هناك خيارات كثيرة أمام الولايات المتحدة: "يحاول الأمريكيون زيادة الضغط على باكستان، وفي الوقت نفسه فهم يعلمون أن هذا الضغط إذا زاد عن حده وسُحب البساط من تحت أقدام الحكومة الباكستانية الضعيفة، فإن الضرر سيكون أكبر بكثير. عندها هناك احتمال بأن يصل الإسلاميون إلى السلطة". وهذا، حسب ريكه، أمر لا تريده أمريكا طبعا.
واشنطن وإسلام آباد لهما مصالح مختلفة في حربهما ضد طالبان والقاعدة. ومع ذلك، لا يمكن لأحد منهما الاستغناء عن الآخر في هذه الشراكة الصعبة.
راتبيل شاميل/ عبد الرحمن عثمان
مراجعة: عبده جميل المخلافي