هل ينجو التعليم من براثن كورونا بفضل الانترنت؟
٧ أبريل ٢٠٢٠المغرب ومصر والأردن والجزائر وتونس وسوريا ودول الخليج وأخرى ، كلها بلدان استنجدت بالتعليم عن بعد لمحاولة إنقاذ الموسم الدراسي، معلنة عن مواقع خاصة تتيح للتلاميذ والطلبة متابعة دروسهم، أو عن الاستنجاد بوسائل الإعلام الجماهيري كالقنوات والإذاعات الحكومية.
غير أن شكوكاً كبيرة تراود المتابعين لهذه العملية، ليست الشكاوى على المنصات الاجتماعية إلا تجلياَ لها، وأكبر العراقيل ضعف الأوضاع المعيشية لجزء كبير من السكان وعدم وصول تغطية الانترنت إلى كل المناطق في البلاد، وعدم قدرة وسائل الإعلام الجماهيري على خلق تفاعل شبيه بما يجري في الفصول التقليدية، فضلاً عن مشاكل هيكلية تعاني منها الأنظمة التعليمية العربية التي يقبع غالبها في أسفل السلم بمؤشرات التعليم الدولية..
هل ينجح الحل المؤقت؟
رغم انتشار استخدام الانترنت في المنطقة، إلّا أن العديد من الدول لم تختبر سابقاً التقنيات التي يتيحها التعليم الإلكتروني، ولا تزال التجارب العربية متواضعة جدا، ولا تتركز الناجحة منها جزئياً إلّا في بعض الدول النفطية الغنية، بل لم تستطع دول عربية كثيرة حتى إدخال التعليم عن بعد في النظام الجامعي، رغم أن جامعات عريقة عبر العالم اعتمدت المحاضرات الرقمية منذ أكثر من عقد.
وجاءت جائحة كورونا لتجبر البلدان العربية على انتقال مفاجئ نحو التعليم عن بعد. وحاولت الوزارات المعنية تسهيل العملية بخلق منصات للتعليم الإلكتروني، في هذا الإطار يأتي الاتفاق الذي أبرمته وزارة التعليم المغربية وشركات ظالانترنت لأجل تمكين التلاميذ من الدخول المجاني إلى المنصات التعليمية، وقد أعلنت الوزارة أن عدد مستخدمي البوابة الوطنية الخاصة بالتعليم عن بعد وصل إلى 600 ألف يومياً، وأن عدد المواد الرقمية المصوّرة فيها بلغ 3 آلاف بداية أبريل/نيسان الجاري.
لكن العمل في هذه المنصات يعتريه الكثير من المشاكل، وأهمها أن شرط التفاعلية في التعليم الأساسي غائب تقريباً، كما توجد العديد من المشاكل التقنية في مشاهدة هذه الدروس، خاصة مع ضعف سرعة الانترنت في بعض المناطق، وأحياناً حتى ثغرات في الأدوات الرقمية المستخدمة كما جرى مع تطبيق زووم الذي تعرّض لانتقادات كبيرة لمزاعم تخصّ عدم احترام الخصوصية.
ورغم أن دولاً عديدة استنجدت بالقنوات الحكومية التعليمية لتعميم الدروس، إلا أنه لا توجد أرقام حول حقيقة الإقبال على هذه القنوات التي لم تكن تحقق أرقام متابعة كبيرة في الأيام العادية، ولا يزال التعامل مع التلفزيون يتم على أساس أنه جهاز ترفيه.
واهتمت وزارة التعليم المصرية بمشكلة التفاعلية، وأطلقت لأجل ذلك موقع ادمودوEdmodo الذي يتيح التواصل بين التلاميذ والمدرسين حول الدروس، وتخطط الوزارة لاستفادة حوالي 22 مليون تلميذ وطالب من الموقع، لكن يبقى الحكم على نجاعة الموقع سابق لأوانه، إذ بدأ العمل به اليوم الثلاثاء 7 أبريل/نيسان 2020.
وتسود مخاوف من أن يساهم التعليم عن بعد في تقوية التفاوت الطبقي بين السكان، فأبناء الطبقة الغنية يتوفرون على التجهيزات المطلوبة، وباستطاعتهم حتى الاستفادة من دروس خصوصية داخل منازلهم في أوقات الحجر الصحي (رغم محاولة عدة بلدان منع هذه الدروس خلال هذه الفترة)، وهو ما يُحرم منه أبناء الطبقة الفقيرة الذين لا يجدون سوى المدارس العمومية لأجل التعلّم، كما توجد إشكالية أخرى تتعلّق بالأطفال الذين يعانون مشاكل في النظر أو السمع، إذ لم يتم بعد توفير حل تقني يتيح لهم كذلك الاستفادة من التعليم عن بعد.
وإن كانت مشكلة التجهيزات وولوج الانترنت مطروحاً في المدن، فهو يزداد حدة في الأرياف، خاصة أنها لا تتوفر على شبكة اتصال قوية بالإنترنت. إبراهيم، مدرس لغة إنجليزية نواحي إقليم زاكورة بجنوب المغرب، يتحدث لـDW عربية: "أدرّس 104 تلميذاً في المجموع، ووضعت برنامجاً للتواصل معهم عبر واتساب، حيث أطلب منهم إنجاز التمارين وأوافيهم بالتصحيح لاحقاً، لكن 54 تلميذاً فقط استطاعوا التواصل معي. البقية لا يتوفرون على هواتف ذكية أو يتوفرون على هواتف سيئة دون مساحة تخزين"، مبرزاً أن ضعف المستوى التعليمي للكثير من الأسر يصعب التعليم المنزلي ومراقبة الأطفال خاصة مع ارتفاع نسب الأمية.
"الصيف ضيعت اللبن!"
ومن التحديات الطارئة، عدم إعداد المدرّسين للتعليم عن بعد، إذ ينحصر جلّ التدريب على التعامل داخل الفصل الدراسي التقليدي، وجلّ المبادرات الرقمية التي كانت تتم بين المدرسين والتلاميذ كانت تطوّعية. وهناك تحدٍ آخر يخصّ الثقافة الرقمية للتلاميذ، فغالباً ما تركز المناهج التقليدية على برامج بسيطة مثل اوفس/ Office، مقارنة مع مناهج دول متقدمة تتيح للتلاميذ دروساً جد متقدمة في المجال الرقمي.
في هذا السياق، يقول مصطفى تاج، فاعل تربوي في المغرب، لـDW عربية إن التعليم عن بعد كان لينجح أكثر على الصعيد المغربي "لو توفرت الشروط لإنجاحه، ومنها توفر تكوين مسبق لدى هيئة التدريس في مجال التعليم عن بعد، وكذا استعداد التلاميذ وتهيئتهم لمثل هذا النوع من التعلم".
وجاءت تحديات التعليم عن بعد لتنضاف إلى تحديات أخرى تعيشها النظم التعليمية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، فتقرير للبنك الدولي يؤكد أن نظم التعليم في هذه الدول "جامدة بشكل كبير"، وتعاني عدة مشاكل منها التركيز على الشهادات أكثر من المهارات، والحرص الزائد على الانضباط بما يؤدي إلى "التحفيظ والتعلم السلبي".
ويضيف مصطفى تاج مشكلة أخرى يخصّ التخبط الذي تعرفه السياسة التعليمية في أكثر من بلد وأثر ذلك على إنجاح أيّ مشروع للتعليم. ويعطي المثال على ذلك من المغرب الذي شهد "قرارات مرتجلة ومتغيرة، خاصة في طريق انتقاء الأساتذة وتشغيلهم، فهناك منهم من حصلوا على تكوين لسنتين، وآخرين لم يتجاوز تكوينهم السنة، وهناك من بدأ العمل بتكوين سريع لم يتعدّ بضعة أسابيع".
التحدي ليس عربياً فقط
أحصت اليونيسكو 138 دولة اتخذت قراراً بإغلاق تام أو جزئي للمدارس والمجموعات، ما يعني أن 1.37 مليار تلميذ وطالب عبر العالم تأثروا سلباً، أي أنه بين كل أربعة أطفال، ثلاثة تأثروا بهذه الإجراءات. كما توجد دول أعلنت مسبقاً إلغاء بعض الاختبارات النهائية لاقتناعها أن التعليم عن بعد من الصعب أن يوّفر بديلا لها كما فعلت فرنسا.
وحتى بعض الدول الأوروبية فإنها متخلفة في مجال التعليم عن بعد، ومنها ألمانيا حسب تأكيد خبيرة التعليم الرقمي بمعهد م م بي/ mmb في مدينة إيسن، يوليا هنزه لـ DW، وحسب وجهة نظرها فإن ألمانيا من أسوأ الدول الأوروبية في مجال التعليم الرقمي، وإن شبكة الإنترنت في البلد ضعيفة أو بطيئة في العديد من المناطق، كما أن أغلب المعلمين غير مدربين على تقنيات التعليم الرقمي.
لكن رغم الحاجة الماسة إلى التعليم عن بعد في زمن كورونا، إلّا أن هناك انتقادات مطوّلة من خبراء في التربية لهذه التقنيات، بل إن دراسة لمركز السياسات الوطنية التعليمية في الولايات المتحدة أوصت عام 2019 بوقف أو تقليل المدارس الرقمية في البلد حتى غاية التأكد من أسباب ضعف مردودها الذي ظهر جلياً في خلاصات الدراسة، مقارنة بالمدارس التقليدية.
وفي تصريحات جمعها موقع التعليم العالي/ timeshighereducation، تقول لينو غوزيلا، رئيسة جامعة إي تي اتش/ ETH في زيوريخ، إن التفاعل بين الطلبة والمشرفين عليهم في فضاء جامعي حقيقي صغير، هو مفتاح التعلّم العميق، فيما تقول يانغ هاي وين، من جامعة الطب في غوانزو الصينية، إن التعليم الرقمي يؤدي إلى تخريج طلبة أقل كفاءة ويخلق الإحباط في التواصل بين الأشخاص.
ومن شأن أزمة كورونا أن تؤدي إلى تغيير في الطريقة التي ينظر بها العالم إلى التعليم، فرغم مساوئه التي يرى مراقبون أنها مؤقتة فقط وسيتم التغلب عليها مستقبلاً، يبقى التعليم عن بعد بديلاً للتعليم التقليدي في الحالات الحرجة، كما أن التعليم التقليدي بدوره يحتضن الكثير من المساوئ التي قد يدفع وباء كورونا إلى التفكير فيها بعمق، ومنها ما تشير إليه أستاذة الرعاية الاجتماعية البريطانية نيام سويني في مقال على "الغارديان"، إذ تقول إن النظام المدرسي يتعامل مع ثلث التلاميذ على أنهم فاشلين، ومن ذلك تركيزه على نظرية الامتحانات المسؤولة عن "ارتفاع درامي في الأمراض العقلية بين الأطفال والمراهقين"، وعدم اعترافه بإنجازات الأطفال، خاصة "تصنيفه من يسلكون مسار التكوين المهني على أنهم أقل جدارة من الآخرين".
إسماعيل عزام