هل للتجارة بالبشر علاقة بالإرهاب؟
١٥ يونيو ٢٠١٠نبه رئيس الإنتربول الدولي كوبون هوي من الأخطار المتزايدة للتجارة بالبشر وتهريب الأشخاص، وقال خلال المؤتمر العالمي الأول لمكافحة التجارة بالبشر الذي عُقد مؤخرا في العاصمة السورية دمشق "إن التجارة بالبشر أصبحت وباء عالمياً يؤثر على جميع بلدان العالم دون استثناء" مبينا أن الأرباح العالية التي تدرها هذه التجارة وقلة المخاطر التي يتعرض لها مرتكبوها تشجع المجرمين على ممارستها. وتقدر الأرباح التي تجنى من التجارة بالبشر ب 32 مليار دولار سنويا، أما عدد الضحايا فيقارب حسب تقديرات المسؤول الدولي المليونين ونصف المليون شخص بينهم نحو 1,2 مليون من القاصرين يتم الاتجار بهم في مختلف دول العالم.
ويشكل تشعب النشاطات التي يمارسها تجار البشر تحديا كبيرا للجهات المعنية بتطبيق القانون، فهناك الوسطاء من حراس الحدود المتورطين في هذا النشاط غير القانوني خاصة، وأنهم يعملون بحذر وفي الخفاء. ومن المشاكل الأساسية في مواجهتهم عملهم غالبا في إطار شبكات غير منظمة، ينفذ أعضاؤها أدوارا مختلفة ذات درجات متنوعة في سلسلة الاتجار. وهذا كما يقول كوبون " يشكل تحديا كبيرا لسلطات الأمن والمخابرات الساعية إلى جمع معلومات دقيقة عن هذه الشبكات، بغية ملاحقتها ومنع أنشطتها."
"تعاون بين تجارة البشر والإرهاب"
ولا تتوفر في الدول العربية إحصائيات عن حجم هذه الجريمة، علما بأن العديد من هذه الدول يعاني من هذه الظاهرة بشكل متزايد في ظل الحروب والأزمات الاجتماعية والاقتصادية. ويشير الدكتور صقر المقيد مدير إدارة التعاون الدولي في جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية ومقرها الرياض، إلى الاختلاف في مفهوم الاتجار بالبشر بين العالم العربي والأمم المتحدة؛ ففي حين ترى الأخيرة أن استخدام الأطفال في سباق الهجن على سبيل المثال هو نوع من أنواع الاتجار بالبشر، فإن معظم الدول العربيةذات رأي آخر. وأضاف المقيد في حديث خاص مع دويتشه فيله بأنه "لا يوجد عصابات احترافية من الداخل في العالم العربي، بل هناك عصابات إجرامية من الخارج تستطيع التسلل في ظل عولمة الجريمة." لهذا كما يقول المقيد، يجب على كافة الأطراف الدولية أن تتوخى الحذر مما وصفه "بخطورة حدوث تزاوج بين شبكات إجرامية والقائمين على الإرهاب من أجل العمل في تجارة البشر" أي من خطر قيام تعاون بينها على نسق التعاون القائم بين عصابات المخدرات والتنظيمات الإرهابية بحيث تستغل الأموال في دعم الأخيرة، كما يقول صقر المقيد.
ويشير العميد هشام تيناوي، رئيس انتربول دمشق، إلى أن جريمة الاتجار بالبشر بغض النظر عن أشكالها موجودة في كل مكان، وقال في حديث خاص مع "دويتشه فيلله " توجد في سوريا حالات متفرقة، والسلطات الأمنية تعمل على ملاحقتها." وطالب تيناوي بضرورة التعاون مع المنظمات الدولية في محاربة ظاهرة الاتجار بالبشر، لأن محاربتها على الصعيد الوطني لن تكون حسب رأيه "مجدية بالشكل المطلوب." وتعتبر مناطق النزاعات أكثر المناطق التي تعاني من الاتجار بالبشر، وكما قال المستشار بوزارة العدل السورية أحمد فرواتي في حديث خاص مع دويتشه فيله:"يوجد في ظل الحروب تشرد وتدمير للبنى التحتية وانعدام للتعليم، ويتولد عن هذه الأوضاع ممارسة الجريمة وسرقة الأعضاء البشرية، كما يحدث في الكونغو والعراق وغيرها."
تطوير آليات لمكافحة الاتجار بالبشر
على الرغم من ازدياد تعقيد حالات الاتجار بالبشر فإن دولا عديدة نجحت في تحجيمها والحد منها من خلال إجراءات وقائية وفي هذا السياق تُعد دولة قطر من أوائل الدول التي سنت قانونا لمنع ظاهرة الاتجار بالبشر ومنع جلب وتشغيل وإشراك الأطفال في سباقات الهجن، وهو أمر يعد "من أسوأ صور عمالة الأطفال واستغلالهم" على حد قول مريم إبراهيم المالكي، مدير عام المؤسسة القطرية لمكافحة الاتجار بالبشر، في حديث خاص مع "دويتشه فيله"، وتضيف مريم: "لدينا أيضا آليات عمل متعددة واستراتيجيات صحية واجتماعية واقتصادية نعمل بها لمكافحة هذه الظاهرة، كما أن دولة قطر أعلنت عن مبادرة لبناء القدرات الوطنية لمكافحتها وأطلقتها في منتدى الدوحة التأسيسي بهذا الخصوص قبل ثلاثة أشهر.
وتواجه مكافحة ظاهرة الاتجار بالبشر هذه الأيام صعوبات عديدة أبرزها أن ضحاياها نادرا ما يتعاونون مع الجهات القانونية خوفا من الانتقام الشخصي او إلحاق الأذى بعائلاتهم في الوطن الأم ويجعل هذا الأمر التحقيق والملاحقة القانونية أمرا صعبا للغاية، كما يقول المسؤول الدولي كوبون هوي الذي يشير إلى عقبة أخرى وهي "أن التشريع الوطني الخاص بمكافحة الاتجار بالبشر غير واضح في عدد من الدول.".وبرأي هوي فإن قاعدة بيانات الانتربول الخاصة بوثائق السفر الضائعة أو المسروقة يمكن أن تساعد بشكل فاعل في الحد من جرائم شبكات الاتجار بالبشر، وتحتوي هذه البيانات على أكثر من 21 مليون وثيقة سفر مسروقة ومسجلة، والمجرمون يستخدمون هذه الوثائق خلال تنقلهم عبر الحدود.
محاور المؤتمر
ويشكل مؤتمر الأنتربول الدولي الأول الذي انعقد في دمشق من السابع وحتى التاسع من حزيران يونيو 2010 خطوة أولى لمواجهة ظاهرة الاتجار بالبشر، وشارك في المؤتمر 53 دولة عربية وأجنبية بينها ألمانيا، إضافة إلى 11 منظمة دولية. وركز المؤتمر الذي نظمته وزارة الداخلية السورية بالتعاون مع المنظمة الدولية للشرطة الجنائية/ الأنتربول على عدة محاور أبرزها:الاستغلال الجنسي للنساء والأطفال، واستغلال العمالة المحلية الوافدة، والتجارة بالأعضاء البشرية.ورأى المشاركون في انعقاده خطوة احترازية لمنع استغلال ظاهرة الاتجار بالبشر لدعم الإرهاب.
الكاتبة: عفراء محمد – دمشق
مراجعة: منى صالح