هل يمكن لألمانيا أن تزيل اسباب الاحتجاجات في تونس؟
١١ يناير ٢٠١٨بعد ثلاثة أيام على بدء الاحتجاجات في تونس وقبل ثلاثة أيام من حلول الذكرى السابعة لثورة الياسمين في تونس التي أشعلت شرارة "الربيع العربي"، وصل عدد المعتقلين التونسيين إلى 330 محتجاً، وقالت الداخلية التونسية إنهم من المتورطين في أعمال شغب وتخريب. لكن الاحتجاجات التي توصف بـ"أعمال شغب" اليوم بدأت ضد إجراءاتٍ اقتصادية، احتجاجاً على ضرائب جديدة سيدفعها المواطن التونسي المثقل بالفقر والمحاط بالفساد، وخيبة الأمل بعد وعودٍ كثيرة للإصلاح بدأت مع احتجاجات عام 2014 على الأوضاع الاقتصادية في وقتها أيضاً، ولم ينفذ منها شيء.
الحكومة لم تكن صريحة
15 بالمئة من التونسيين يعيشون اليوم تحت خط الفقر، وفقاً لتقرير البنك الدولي، فيما تحتل تونس المرتبة 75 في العالم بنسبة الفساد وهو مستوىً متدنٍ بحسب تقرير منظمة الشفافية الدولية، ولتحسين الأوضاع عمدت الحكومة التونسية عام 2016 إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي بما قيمته 2,4 مليار يورو مقابل برنامج يهدف إلى خفض العجز في الموازنة، لكن العجز بقي وبلغت نسبته حوالي 5 % ما اضطر الحكومة للقيام بإجراءتٍ جديدة تجنباً لإعلان الإفلاس كما جرى في اليونان، بحسب ما يرى بعض الاقتصاديين.
في الداخل التونسي هناك من اتهم الحكومة التونسية بأنها أخطأت عندما لم توضح للشارع الأعباء التي عليهم تحملها لمساعدتها، كما أنها لم تكن شفافة، وأنه كان أولى محاسبة الشركات الكبرى ورجال الأعمال الذين يتهربون ضريبياً بدلاً من إرهاق المواطنين بضرائب على انفاقهم اليومي، فيما رأى عماد جبريل عضو مجلس النواب عن حركة نداء تونس في حديثٍ لـ"مسائية DW" أن الحكومة لم تقم بدورها في التواصل مع الناس، وكانت بعيدة عنهم، لم تقدم أعذارها، ولم تستشرهم.
الحكومة ردت بدعواتٍ للتهدئة، ودعوةٍ حملت اسم "ما تخربش بلادك تونس محاجتلك"، لحث الناس على التعقل، مع وقوع قتيلٍ ليل الثلاثاء/ الأربعاء في طبربة قرب العاصمة تونس.
لكن الصحفي الألماني ورئيس تحرير مجلة "تزينت" الألمانية دانيال غيرلاخ يرى في حديث لـ DW أن "الحكومة التونسية كانت شفافة جداً، وواضحة بما تقوله بأنه هناك مشكلة اقتصادية وعلى الشعب المساهمة في حلها، الدول تقول للمواطن إنها عاجزة عن توفير فرص، وهذا مهمة القطاع الخاص، لكن الناس في العالم العربي لا زالوا يعتقدون أنه على الدولة أن تقدم كل شيء، لكن هذا يكلف الدولة حوالي نصف ميزانيتها من رواتب وتامين فرص عمل، ما يجعل الرواتب قليلة ويفسح مجالاً للرشوة والفساد".
ألمانيا والاتحاد الأوربي يستطيعان المساعدة
رفعت ألمانيا مساعدتها المالية لتونس من 37.5 مليون يورو عام 2010 إلى 290.5 مليون يورو سنة 2016، وتعهدت ألمانيا خلال مؤتمر الاستثمار الدولي المنعقد في تونس، نهاية تشرين الثاني/نوفمبر 2016، بمواصلة دعم تونس بمنحها 300 مليون يورو سنوياً.
ومنذ زيارة المستشارة الألمانية ميركل إلى تونس في مارس/ آذار عام 2017 تم الاتفاق على توسيع التعاون الاقتصادي وزيادة التنسيق بين البلدين، حيث وصل حجم التبادلات الاقتصادية إلى 7،3 مليار يورو سنوياً وتضاعف ثمانين مرة عما كان عليه في السابق بوجود 760 مؤسسة ألمانية تعمل في تونس، فضلاً عن قرابة 300 مؤسسة مختلطة تنشط في عديد المجالات خاصة في مجال الصناعات المعملية بعدد عمالة يصل إلى 70 ألف شخص وبواقع قيمة استثمارات تصل الى 1،9 مليار يورو.
وهذا كله يجري بدافع وقف الهجرة التونسية إلى ألمانيا التي كانت بمعظمها لأسبابٍ اقتصادية، ومن هنا يرى غيرلاخ أن الاتحاد الأوروبي والمانيا يمكن أن يلعبا دوراً كبيراً في خفض حدة الاحتجاجات عبر تحسين الاقتصاد ويقول "يشارك الاتحاد الأوروبي في مشاريع وخطط صندوق النقد الدولي، وهناك الكثير من البرامج المخصصة لتونس، منها مشاريع خلق فرص عمل لها للمحافظة على المواطنين في بلدانهم وعدم دفعهم للهجرة الى أوروبا، لكن الاستثمار في تونس وغيرها من الدول التي تصدر مهاجرين لا تزال ضعيفة، إذ يجب دعم القطاع الخاص في هذه الدول للقيام بتشغيل الناس وحل مشكلاتهم الاقتصادية داخل أوطانهم".
ممثل المهاجرين في ألمانيا بالبرلمان التونسي ياسين العياري يذهب أبعد من هذا ويقول لDW "ألمانيا يمكن أن تساعد بشكل كبير في خفض حدة الاحتجاجات لدورها في الاتحاد الأوروبي ولعلاقاتها مع تونس بالوقت نفسها، وأنا أرى المساعدة يمكن أن تكون على ثلاث مستويات: المساعدات المالية لحل الأزمة العالقة بشكل عاجل، ومساعدة على المدى المتوسط من خلال الاستعانة بالخبرات الألمانية لمكافحةالفساد، إذ أن ألمانيا تملك تجربة كبيرة بعد الاتحاد في معالجة مشكلة الفساد التي كانت منتشرة في ألمانيا الشرقية بوقتها، والمساعدة على المستوى البعيد من خلال نقل التجربة الألمانية في التعليم وتوفير التدريب الذي يؤهل الشباب التونسي للقيام بدور فاعل في العجلة الاقتصادية".
تونس مسأل ملحة على طاولة الحوار الألماني
في فبراير/ شباط 2017 اتفقت المستشارة الألمانية ميركل مع الرئيس التونسي الباجي قايد السبسيعلى إعادة 1500 مهاجر تونسي في ألمانيا، لكن الاحتجاجات والتضييق الاقتصادي الجاري اليوم قد يدفع بالمزيد للهجرة، وعدا عن الشق الاقتصادي فان طرق الهجرة غير الشرعية تكلف الناس أرواحهم في كثيرٍ من الأحيان.
العياري يشدد على هذه النقطة إذ يقول "ربما قد لا تشعر ألمانيا بالخطر اليوم مما يحدث في تونس، لكن الموضوع لا بد وأن يكون على طاولة الحوار في ألمانيا لما له من تبعات على الاقتصاد والسياسة الألمانية، وكما تم التعهد بحل مشكلات الهجرة في دول مصدرها، لذا لا بد من أن تقوم ألمانيا بتحمل مسؤولياتها اليوم، فمثلاً تم الحديث عن الاستيراد، لكن ضمن منظومة الاتحاد الأوروبي لا تزال الافضلية للاستيراد من الدول الأوروبية، وتباع المنتجات التونسية تحت اسم دول أخرى بأسعار أرخص، لذا لا بد من حل هذه المشكلة".
هذه النقطة يتفق معها الصحفي الألماني ورئيس تحرير مجلة "تزينت" الألمانية دانيال غيرلاخ إذ يقول "الكذبة الكبيرة في الاتحاد الاوروبي هي الإدعاء أنه بإمكان التونسيين تصدير منتجاتهم الزراعية تحديداً، لكن هذا لا يحدث، وهناك تخوفات من أن تتحول هذه الاحتجاجات لما حدث في اليونان واسبانيا والبرتغال، وينتهي المطاف بإعلان إفلاس تونس، وتضرر المواطن".
وفي الختام يرى العياري أن "الحكومة التونسية تتحمل المسؤولية الأولى والأخيرة، إذ أنها لم تعلن حالة التقشف كما اليونان، بل حملت المواطن أعباء جديدة بينما يستمر البذخ في الكثير من النواحي الحكومية، ويتم ترك المتهربين ضريبياً، وهنا يمكن لكل من يملك رؤية اقتصادية أن يساعد، خاصة ألمانيا".
راما جرمقاني