هل ينتهك العراق حقوق الإنسان؟
١٥ مارس ٢٠١٣هذا الأسبوع صدر تقرير عن منظمة العفو الدولية بشأن العراق.التقرير أشار إلى إن العراق لا يزال "عالقا في حلقة رهيبة من انتهاكات حقوق الإنسان، ومنها الهجمات ضد المدنيين وتعذيب المعتقلين والمحاكمات الجائرة".
وأوضح التقرير " عجز السلطات العراقية المستمر عن مراعاة التزاماتها باحترام حقوق الإنسان وحكم القانون في مواجهة الهجمات المميتة المستمرة من قبل الجماعات المسلحة، التي تظهر ازدراء شديدا لحياة المدنيين".
وذكر التقرير أنه تم تعليق عقوبة الإعدام بعد سقوط نظام صدام حسين في عام 2003، ولكن أول حكومة عراقية وصلت إلى سدة الحكم أعادة العمل بها ، واستُؤنفت عمليات الإعدام في عام 2005. و منذ ذلك الحين أُعدم ما لا يقل عن 447 سجينا، بينهم صدام حسين وبعض مساعديه الرئيسيين.
الأمين العام للمنظمة العربية لحقوق الإنسان علاء شلبي تحدث من القاهرة إلى مايكروفون برنامج العراق اليوم من DW عربية مشيرا الى أن" القضاء في العراق اليوم وخلال السنوات الماضية، كان مستقلا من ناحية الشكل ولكن من ناحية الجوهر (فيه) كوارث كبيرة ، فالعراق يملك أعلى معدل في إصدار أحكام الإعدام".
وبيّن شلبي أن العراق كان يصدر هذه الإحكام في أوقات شهدت صراعات أثنية وطائفية ، " وفي ظل سيطرة مجموعة سكانية محددة على مقدرات البلد وفي ظل حرب أهلية".
" تقرير منظمة العفو الدولية فيه نوع من المغالاة"
ويمكن أن يُسجل على من كتبوا التقرير أنهم ليسوا معنيين بالمشهد السياسي العراقي وليسوا جزءا منه، إنما هم يتعاملون مع حقائق موجودة على الأرض منتزعة في الغالب بعيدا عن سياق ظروفها، وبالتالي فإن النقاش يبقى مفتوحا حول مدى قدرة العراقيين شعبا ونخبا سياسية على الالتزام بمبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
هذا غير أن العراق مجتمع تشيع فيه ثقافة العنف منذ زمن طويل، وهذه الحقيقة تجعل الوصول إلى مستوى مقبول من الالتزام الرسمي والشعبي بمبادئ حقوق الإنسان أمرا صعبا.
المحامي حسن شعبان رئيس منظمة حقوق الإنسان والديمقراطية في العراق شارك في حوار مجلة العراق اليوم من DW عربية من مكتبه في بغداد مشيدا برصانة منظمة العفو الدولية ، وبامتلاكها لعناصر الحيادية والمصداقية في أحيان كثيرة، لكنه مضى إلى القول" هذا لا يمنعني من القول إن هذا التقرير فيه نوع من المغالاة " .
ولفت الناشط حسن شعبان الأنظار إلى وجود اعتقالات تعسفية، وضرب مثلا عليها في قرار الحكومة تشكل لجنة لإعادة النظر في قضايا المعتقلين استجابة لطلبات محتجي الانبار، فوجدت اللجنة أن كثيرا من المحاكمات تمت بشكل غير قانوني وان عدد كبير من المعتقلين أبرياء وقررت إطلاق سراحهم" لكنه عاد ليؤكد أن ما ذهب إليه الأمين العام للمنظمة العربية لحقوق الإنسان علاء شلبي فيه كثير من المبالغة، إذا " لا توجد في العراق عمليات تعذيب منظمة " ( كما كان عليه الحال أيام حكومة صدام) .
" الم يكن اعتقال المتظاهرين في ساحة التحرير ممنهجا؟ "
وشهدت بغداد في 20 شباط/ فبراير 2011 تظاهرات جاءت بوحي الربيع العربي وبتأثيره، لكنها لم تتسع ولم تنجح في حشد دعم جماهيري يكفي لإحداث تغيير، وعزا خبراء الشأن العراقي فشل تلك التظاهرات إلى أن الحشد السياسي في العراق أمسى يتم على أساس الانتماء إلى الطائفة أو إلى العرق( كما هو حال بالنسبة للأكراد) وبالتالي لم يعد يجمع العراقيين قاسم مشترك واحد يمكن أن يوحد أصواتهم تجاه قضية ما. ويصدق هذا أيضا على التظاهرات التي تجري ومنذ نحو 3 أشهر في مناطق غرب العراق حيث فشلت في حشد دعم بقية محافظات العراق لنفس الأسباب التي اشرنا إليها.
وفيما تمنع معايير حقوق الإنسان الاعتقال الجائر فإن تقرير منظمة العفو الدولية أشار إلى أن الاعتقال الجائر ممارسة جارية بشكل منظم في العراق. والى ذلك ذهب الناشط في منظمات المجتمع المدني ماجد فيادي وقد شارك في حوار مجلة العراق اليوم من DW عربية من مدينة كولونيا ، ومضى إلى القول" هناك نموذج أصبح مشهورا في هذا المجال، وهو الشباب العراقيين الأربعة الذين جرى اعتقالهم في تظاهرات عام 2011 في ساحة التحرير ببغداد بطريقة لا تمت بصلة إلى حكومة تعمل وفق قرارات محكمة أو قاض تحقيق". وأوضح فيادي أن الشبان الأربعة قد جرى اعتقالهم بطريقة الخطف" في سيارة إسعاف دون مذكرة توقيف، واستمر اعتقالهم لمدة فاقت الأسبوع". وتساءل" الم يكن اعتقال هؤلاء الشبان المتظاهرين ممنهجا؟"
وفي هذا السياق اقر الأمين العام للمنظمة العربية لحقوق الإنسان علاء شلبي في حديثه إلى مايكروفون البرنامج بأن العراق قد حقق " طفرة مهمة جدا في مجال الحريات وقعت بعد الاحتلال، وهي طفرة ايجابية على مستوى الإعلام والصحافة وحق إقامة الجمعيات والمنظمات غير الحكومية وحق تشكيل تكوينات سياسية، لكن السياق العام الحاكم كان مشكلة ".
لكن شلبي عاد ليشير إلى أن المتظاهرين في ساحة التحرير ببغداد عام 2011 قد واجهوا " اشد أنواع العنف والقسوة في التعامل وصولا إلى القتل العمد، أو الإعدام الميداني للمتظاهرين بواسطة إطلاق الرصاص عليهم في المناطق العليا من الجسد".
ثقافة القسوة والعنف
وفي إشارة إلى أجهزة امن واستخبارات الدولة العراقية بعد عام 2003 ، أشار ماجد فيادي إلى أن أغلب العاملين في هذه الأجهزة هم من عناصر مخابرات وامن النظام القديم وقد تربوا على ثقافة القسوة والعنف" وهم بعقيلة وبأعمار لا تمكنّهم أن ينسوا في يوم وليلة ما تربوا عليه ليتعلموا ثقافة حقوق الإنسان ويؤمنوا بها".
الناشط حسن شعبان أيّد هذا الرأي لكنه برر أسبابه بأن من الصعب على الدولة العراقية التخلص من تركة النظام القديم، ومن الصعب تأهيل ألوف المختصين في التحقيق والتعقيب في وقت قصير . في سياق آخر، أعتبر شعبان ان الدولة العراقية ما زالت غير منظمة، ومن الصعب أن نقول إنها تمارس القتل المنظّم ، " لأن هذا الوصف يتطلب تصميما وتخطيطا على مستوى عال لم تصل الدولة العراقية الوليدة بعد 2003 ".
وأقرّ الناشط حسن شعبان بوجود عمليات تعذيب الغاية منها انتزاع اعترافات من المعتقلين، لكنه بيّن أن القانون العراقي يمنع هذه الممارسة، وان بوسع من مورس بحقه التعذيب أن يقاضي الجهة التي عذبته وقد ينجح في إدانتها والحصول على تعويض عما أصابه.
ورد ماجد فيادي على هذا القول مشيرا إلى أن من يتعرض إلى تعذيب لا يملك وهو سجين أن يجمع أدلة ضد من قاموا بهذه الممارسات، وهي تتم في الغالب وعينه معصوبة، كما إن "آثار التعذيب تختفي عن جسده بعد سنوات أو أشهر من مكثه في السجن، فكيف يمكنه أن يُثبت صحة ما يقوله؟ ".
اتصال من داخل السجن: " رأيت أنواعا مرعبة من التعذيب"
مازن في اتصال من بغداد أشار إلى غياب حقوق الإنسان في العراق وتساءل عمن يطبق هذه الحقوق. وبين مازن انه يعمل سائق شاحنة، وقد تعرض في مرات كثيرة إلى مضايقات من الشرطة وممن اسماهم " الحرس الوطني".
ابو محمد في اتصال من بغداد تساءل عن العدالة حين يعترف مجرم بقتل 500 عراقي بريء ثم يسهّل له الهروب من السجن.
وفي اتصال من داخل احد السجون قال (عماد الأسدي )، " أنا سجين وقد حُكمت بالسجن 10 سنة، وفق دعوى سرقة زوج حمام، وقد شهدت في التحقيق أنواعا من التعذيب لا يحلم بها أحد ، فهل هذه هي حقوق الإنسان ، واحلف هنا بان نيتي كانت أن اشتري الحمام، ولم تكن النية سرقة الحمام، فهل من العدل أن يحكمني 10 سنة؟ ليش؟ فيما شرد الذي سرق وطاحت التهمة بي، ما ذنبي في هذا وأنا متزوج وصاحب أطفال؟".
يشار إلى أن نظام السجون العراقية يتيح للسجناء استئجار هاتف محمول بمبلغ 300 $ شهريا.