هل ينجح بايدن في إعادة إيران إلى طاولة المفاوضات؟
٩ فبراير ٢٠٢١لم يكن من المستبعد أن تعود الولايات المتحدة الأمريكية، مع إدارتها الجديدة، إلى طاولة المفاوضات مع إيران، ولكن قد تكون المهمة أصعب مما كانت عليه عام 2015، وذلك نتيجة للعقوبات التي فرضها الرئيس السابق دونالد ترامب، ودفعت إيران إلى فقدان الثقة في واشنطن.
وكانت وكالة رويترز قد ذكرت في تسريبات جديدة، أن الولايات المتحدة الأمريكية تبحث عن مجموعة من الأفكار حول كيفية إحياء الاتفاق النووي الإيراني، وأضافت الوكالة نقلاً عن "ثلاثة مصادر مطلعة" أن هذا البحث يتضمن خيار اتخاذ خطوات صغيرة بين الجانبين دون الالتزام الكامل لكسب الوقت.
هذه الخطوة قد تساعد على تخفيف تدهور العلاقات بين البلدين بعد إعلان ترامب الانسحاب من الاتفاق عام 2018.
بيد أن هذا لا يعني أنها (الخطوة) ستكون خالية من المطبات، كما يذكر الكاتب السياسي ديفيد غاردنر في مقاله لصحيفة "فايننشال تايمز"، إذ أن فريق السياسة الخارجية لبايدن، والمليء بالمحاربين القدامى من إدارة باراك أوباما، يدرك مدى صعوبة إعادة الاتفاق النووي مع إيران، لأنه يعرف من التجربة المباشرة حجم "دهاء" المفاوضين الإيرانيين، وإلى أين وصلت العلاقات العدائية مع طهران خلال فترة إدارة ترامب.
اقرأ أيضا: بين أوباما وترامب.. هل يمكن أن ينتهج بايدن نهجا مختلفا بشأن إيران؟
"الأقل مقابل الأقل"
التعامل الحذر مع القضية، واستخدام استراتيجية "الأقل مقابل الأقل"، هو شعار واشنطن في هذه المحادثات، ولكن لايزال من غير الواضح كيف سيتم تطبيقها، إذ أن بايدن لم يكشف عن استراتيجيته في هذا الخصوص بعد، وموقفه المعلن الوحيد هو استئناف إيران التزامها الكامل بالاتفاق قبل أن تفعل الولايات المتحدة ذلك.
ومن جهة أخرى فإن الموقف الإيراني كان واضحاً من خلال اشتراط الرئيس حسن روحاني رفع العقوبات قبل كل شيء. كذلك ما يقوله وزير خارجيته جواد ظريف، من أن الاتفاق قد يتعرض للخطر إن لم تخفف واشنطن العقوبات المفروضة على طهران قبيل الانتخابات الإيرانية في يونيو/ حزيران القادم، والتي قد تسفر عن إدارة جديدة متشددة وأقل تسامحاً مع الأمريكيين.
ولهذا فإن الحل الأوليّ أمام واشنطن يكمن بإتاحة امتيازات اقتصادية لطهران قيمتها أقل من تخفيف العقوبات الذي نص عليه اتفاق 2015، كما تذكر الوكالة عن مصادرها.
ومع ذلك؛ فإن الجانب الإيراني لن يستسلم، كما يقول المحلل الأمريكي ستيفن إرلانغر، في صحيفة "نيويورك تايمز" مشيرا إلى أن قرار ترامب بالانسحاب، وفرضه عقوبات على إيران لن ينسى بسهولة، فالأخيرة تريد من واشنطن دفع مليارات الدولارات من الخسائر الاقتصادية التي تكبدتها بسبب الانسحاب الأمريكي عام 2018.
هذه المشاحنات قد تستغرق وقتاً طويلا لا تملكه إدارة بايدن، لاسيما أن الطرفين لا يرغبان بتحمل مسؤولية "بدء الخطوة الأولى"، ما قد يدفع واشنطن إلى تبني نهج أكثر اعتدالاً، كما يذكر أحد المصادر لرويترز.
اقرأ أيضا: الثابت والمتغير في سياسة أمريكا في الشرق الأوسط في عهد بايدن
معارضة أمريكية داخلية
موقف الجمهوريين الرافض لإعادة الاتفاق مع طهران، سوف يكون عقبة داخلية يجب على إدارة بايدن الطموحة تخطيها.
ولعل هذا كان واضحاً في رسالة بعثتها مجموعة مؤلفة من 119 عضواً جمهورياً في مجلس النواب إلى بايدن، أمس الاثنين/ 8 فبراير 2021، تحثه على عدم الدخول في الاتفاقية النووية لعام 2015؛ دون معالجة بعض نقاط الضعف في الاتفاق الأصلي.
وتذكر الرسالة، التي نشرت صحيفة جيروزاليم بوست ملخصاً عنها، "إن هذا النهج الأمريكي يغض الطرف عن أنشطة إيران غير النووية، مثل "دعمها للإرهاب الدولي"، وتطويرها المستمر لترسانتها من الصواريخ البالستية".
ويتوقع الخبراء، بناء على وكالة رويترز، أن الجمهوريين سينتقدون أي تخفيف للعقوبات على إيران، دون عودتها الكاملة للاتفاق، باعتبار أن هكذا خطوة "ستهدر النفوذ" الذي اكتسبه ترامب بفرض عشرات العقوبات منذ عام 2018.
وتكمن خطورة هذا الجدال الأمريكي- الأمريكي، في أن واشنطن لا تملك الوقت الكافي للنظر في المخاوف الجمهورية، فهي أمام موعد نهائي في 21 فبراير/شباط، عندما يلزم قانون إيراني طهران بإنهاء صلاحيات التفتيش الشاملة الممنوحة للوكالة الدولية للطاقة الذرية بموجب اتفاق 2015، وتقييد عمليات التفتيش لتشمل المواقع النووية المعلنة فقط.
وعليه فإن على إدارة بايدن دخول سباق مع الزمن، وموازنة الاحتياجات السياسية للجمهوريين مع الشروط الإيرانية، ما يضعها تحت مزيد من الضغط.
وقد يستطيع بايدن حل هذه الأزمة مع الجمهوريين، من خلال تمهيد الطريق أمام صندوق النقد الدولي لإقراض طهران أو تسهيل وصول البضائع الإنسانية أو تبني فكرة أوروبية لتسهيل ائتماني، كما نشرت وكالة رويترز نقلاً عن خبراء.
اقرأ أيضا: ثلاث دول أوربية تطالب إيران بوقف تخصيب اليورانيوم بنسبة 20%
الوساطة الأوروبية
توجهت إيران إلى طلب المساعدة والدعم من الاتحاد الأوروبي في التفاوض على عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي، وكان وزير الخارجية الإيراني قال إن الاتحاد الأوروبي يمكن أن يلعب دوراً في حل النزاع مع الولايات المتحدة.
هذا الطموح الإيراني قد لا يكون مستبعداً، إذ ترى الولايات المتحدة الأمريكية في هذه الوساطة سبيلاً آخر للتقارب مع الاتحاد الأوروبي، فالطرفين كانا شريكين في الاتفاق النووي الإيراني حتى قرر ترامب الانسحاب، ولهذا فإن إشراك الاتحاد الأوروبي في المفاوضات، تعني بداية جديدة ونهج جديد لرئيس أمريكي جديد، كما يذكر موقع البرلمان الأوروبي.
وبالفعل كان المبعوث الأمريكي الجديد لإيران قد تحدث مع مسؤولين بريطانيين وفرنسيين وألمان، في بادرة توقع الخبراء أن يكون الخطوة الأولى في المشاورات التي من شأنها أن تجلب الصين وروسيا إلى الاتفاق لاحقاً.
السعودية وإسرائيل قد لا تملكان صوتاً حاسماً
أثار احتمال عودة الولايات المتحدة للولايات المتحدة للاتفاق تحذيرات وانزعاج رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وحلفائه. وذكرت صحف إسرائيلية أن نتنياهو جمع الشهر الفائت فريقاً لوضع استراتيجية لإجراء أول محادثات مع إدارة بايدن حول البرنامج النووي الإيراني.
وكان الكاتب الأمريكي إيلي ليك قد ذكر، في مقال له، أن إسرائيل تملك صوتاً حاسماً في أي اتفاق نووي مع إيران، ومع ذلك فإن بعض الأصوات الإسرائيلية تطالب حكومتها بلجم أي تهديدات ضد إيران.
إذ يشرح المحلل الإسرائيلي يحزقيل دورو لصحيفة هآرتس، أن تدخل إسرائيل في سياسة الولايات المتحدة الأمريكية الداخلية قبل الانتخابات الرئاسية في 2016، سوف يقلل من استعداد بايدن للإصغاء إلى الطلبات الإسرائيلية، ولهذا يتوقع المحلل أن تعود واشنطن إلى الاتفاق النووي دون الاستجابة لتحفظات نتنياهو.
اقرأ أيضا: هزيمة أمريكية في محكمة العدل الدولية في قضية عقوبات إيران
أما بالنسبة للسعودية، فقد رفضت إيران إشراكها في المحادثات الجديدة، رغم مطالبة الرئيس الفرنسي بذلك. ويرى الكاتب الأمريكي جيف لامير، في مقال رأي بعنوان "لا ينبغي على السعودية أن تدفع السياسة الأمريكية تجاه إيران"، أن السماح للجهات الفاعلة الإقليمية بإملاء شروط الاتفاق الجديد قد يؤدي إلى شروط متطرفة ترفضها إيران ببساطة.
ويشرح الكاتب قائلاً إن على واشنطن تشجيع السعودية والإمارات على تقديم مبادرات دبلوماسية خاصة بهم إلى إيران، كما دعا مسبقاً مستشار الأمن القومي جيك سوليفان.
م.ش/ أ.ح