هل يُنهي الكتاب الالكتروني عزوف المغاربة عن القراءة؟
١٧ فبراير ٢٠١٢أمام شاشة حاسوب محمول تتجمع نِسوة مغربيات من فئات عمرية مختلفة، كل تركيزهن على ما تنقله الشاشة الصغيرة، وبعضهن يسجلن باهتمام معطيات الصفحة المعروضة. الأمر يتعلق بأول كتاب إلكتروني يعرض في المغرب ضمن المعرض الدولي للنشر والكتاب، وهو بعنوان "العزلة في الدار مملكة الأفكار" للداعية الإسلامي السعودي عائض القرني.
ويبدي منظمو المعرض الدولي للنشر والكتاب الذي ينظم سنويا بالدار البيضاء، حرصا ملحوظا على تشجيع التواصل مع القراء والمهتمين بالمعرض، من خلال وسائل إلكترونية حديثة، وبالاعتماد على مواقع التواصل الإجتماعي فيسبوك ويوتوب. وتختتم دورة المعرض الحالية يوم 19 فيبراير شباط، وهو الأول ينظم في ظل الربيع العربي، ويلاحظ زائره مظاهر الاحتفاء بالدول العربية التي شهدت ثورات مثل تونس ومصر وليبيا، التي تشهد أجنحتها في المعرض كثافة ملحوظة للزوار وعرض كتب كانت حتى الماضي القريب ممنوعة.
فيسبوك والإقبال على المعرض
وقد عمدت وزارة الثقافة المغربية المشرفة على المعرض، إلى إنشاء موقع إلكتروني خاص بالمعرض وذلك لأول مرة، بالإضافة إلى إطلاق صفحة خاصة به على موقع التواصل الإجتماعي فيسبوك. ويقول حسن الوزاني مدير الكتاب بالوزارة لـ DW إن المعرض يسعى هذا الموسم إلى أن يكون متميزا و يحظى بإقبال أكبر من خلال تقريبه إلى القراء وزواره عبر الانترنت، حيث تم فتح صفحة خاصة بالمعرض قبل شهر من افتتاح المعرض، تعرض برنامج المعرض والمسابقات التي ينظمها، ويقول الوزاني "كان الهدف من خلق الصفحة أيضا الاستماع لملاحظات الزوار و محاولة الإستفادة منها". وتلقى الصفحة إقبالا حسب منظمي المعرض وخصوصا في صفوف الشباب.
وتقول دنيا إحدى زائرات المعرض إنها استعانت بصفحته على الفيسبوك لتطلع على برنامجه، وعلى مواضيع الندوات التي يقدمها. وتعتقد الشابة المغربية خلال حديثها لـ DW ان فكرة إنشاء صفحة خاصة بالمعرض على الفيسبوك "فكرة صائبة" وستساهم في تقريب خدمات المعرض بالخصوص من الشباب بما أنهم يعتمدون بشكل كبير على هذا الموقع في حياتهم اليومية واتصالاتهم.
وبالإضافة إلى فيسبوك، خصص المعرض من خلال موقعه الإلكتروني ركنا للأسئلة والأجوبة، ويقول الوزاني إن الهدف من هذا الركن هو التواصل مع الجمهور الافتراضي والواقعي، والإجابة عن استفسارات الزوار بخصوص المعرض. كما أطلق المعرض لأول مرة من خلاله موقعه على الأنترنت قاعدة معطيات تضم لائحة تتضمن حوالي 70 ألف عنوان من الكتب المعروضة. ويضيف الوزاني أن الموقع ينشر نسخة إلكترونية لجريدة المعرض تضم الأنشطة و الندوات التي شهدها المعرض.
الشباب يُقبِلون أكثر على الكتب الإلكترونية
وبدت الكتب الإلكترونية شبه غائبة عن المعرض، ويعزو عبد القادر الشناوي الذي يشارك في المعرض، وهو مدير شركة لتوزيع الكتب، ذلك إلى عدة أسباب منها أن نشر الكتاب الإلكتروني في المغرب مازالت تواجهه صعوبات بسبب العقليات التي لم تتأقلم بعد مع فكرة القراءة عبر شاشة حاسوب لمدة زمنية محدودة وبمقابل مالي، عوض كتاب ورقي يمكن الاحتفاظ به و الرجوع إليه في أي وقت. و يعتقد عبد القادر خلال حديثه لـ DW ان هذه الفكرة لن تتقبلها سوى فئة معينة من الناس الذين يهتمون بالإطلاع على معلومات معينة و توظيفها، مشيرا إلى أن فئة الشباب بحكم اعتمادها الكبير على الإنترنت، أكثر قابلية لتقبل هذه الفكرة مقارنة مع كبار السن.
ويثير الناشر المغربي مسألة أخرى وهي ضرورة تأهيل الإدارات و المصالح المغربية المعنية بهذا المجال، وهي الجمارك والبنوك ومكتب الصرف(ادارة تحويل العملات)، فالأخيرة تعودت على كتب "ملموسة" يمكن مراقبتها والإطلاع على محتواها بينما هناك تخوف من الكتب الإلكترونية "لأنها قد تحمل مسا بقضايا سياسية حساسة بالنسبة للمغرب أو الدين أو الأخلاق أو المقدسات...". كما يعزو ناشرون ضعف اقتناء الكتب الالكترونية في المغرب لقلة استخدام بطاقات الائتمان البنكية (كريديت كارد) في المعاملات التجارية بشكل عام، رغم وجود مؤشرات على تحسن في هذا الصدد.
ويبدي سعيد وهو شاب مغربي يزور المعرض، اهتمامه بالكتب الإلكترونية قائلا لـ DW : "أسمع عن مميزات هذه الكتب في دول أخرى تنتشر فيها، وسبق لي أن اشتريت كتبا في الخارج عبر الأنترنت" ويضيف "أتمنى أن يصبح ذلك منتشرا في المغرب أيضا لأنه سيوفر علينا الوقت الذي نخصصه للبحث عن نوعية من الكتب، بالإضافة إلى أن ذلك سيرفع معدل القراءة خاصة في صفوف الشباب".
ولا يقتصر تدني معدل القراءة على مجال الكتب الالكترونية، بل الورقية أيضا، فحسب برنامج الأمم المتحدة (تقرير سنة 2011) يحتل المغرب الرتبة 162 في لائحة القراءة العالمية. وعلى غرار باقي الدول العربية، لا يزيد معدل القراءة لدى الفرد في المغرب 6 دقائق سنويا، مقابل معدل 200 ساعة سنويا لدى الفرد في الدول الأوروبية.
"الكتاب الورقي لا يُعلى عليه"
بيد أن مريم وهي الأخرى شابة تزور المعرض الدولي لا تهتم بالكتب الإلكترونية لأن "الكتاب الورقي لا يعلى عليه"، فهو باعتقادها يبقى" شيئا ملموسا نقرؤه في أي مكان وأي وقت، كما يمكننا ان نحتفظ به سواء للذكرى أو لنستفيد منه نحن أو غيرنا".
ومن جهته، يشير الشناوي إلى عوامل تساهم في تغليب اهتمام القراء بالكتب الورقية على حساب الإلكترونية، وهو أسعار الكتب الالكترونية "الكتب الإلكترونية باهضة الثمن و الحصول على توزيعها بشكل حصري يكلف الكثير، بينما يفترض ان تسهل شبكة الأنترنت نشر الكتب و القراءة"، خاصة في العالم العربي حيث ينبغي تشجيع ثقافة الكتب الإلكترونية، لأن استعمال الأنترنت ارتفع فيه بشكل كبير، برأي الشناوي الذي يضيف أنه من الصعب الإقبال على مشروع مكلف جدا ويحتاج لدراسات وتسويق في بلد مازالت تعتبر فيه الكتب الإلكترونية شيئا جديدا.
لكن بعض زوار المعرض وخاصة النساء، أبدين اهتماما بالكتاب الإلكتروني الجديد الذي يعتزم الشيخ السعودي عائض القرني نشره بمشاركة القراء، حيث يساهمون بتعليقات وآراء و خواطر عبر فيسبوك و ينتقي منها الكاتب ما يريد لإدماجه في الكتاب. التجربة عرضت في الجناح السعودي بالمعرض. ويعزو منظمون هذا الاختيار لكون السعودية هي ضيف الشرف لدورة المعرض هذا العام، وكذلك للإقبال الملحوظ على الكتب الدينية في دورات المعرض المتعاقبة في السنوات الأخيرة.
وإن بدت الكتب الإلكترونية شبه غائبة فإن النقاش حولها كان حاضرا حيث شهد المعرض ندوات و نقاشات حول هذا الموضوع، استضافت باحثين و متخصصين في المجال. ويقول الوزاني إن معرض الدار البيضاء مخصص أساسا للكتاب الورقي، لكنه سيسعى خلال الدورات المقبلة إلى تشجيع الكتب الإلكترونية في المغرب واستضافة الناشرين في هذا المجال.
سهام أشطو- الرباط
مراجعة: منصف السليمي