هيمنة الأفلام الإيطالية في فينيسيا وسط حضور عربي متواضع
في قصر السينما في جزيرة الليدو التي تقع في مدينة البندقية، المدينة العريقة ذات الطابع الرومانسي، انطلقت فعاليات مهرجان البندقية السينمائي الدولي (الموسترا)، في دورته الثانية والستين في الأسبوع الماضي. ووسط إجراءات أمنية مشددة امتلأت المدينة بالفنانين والمشاهدين والصحفيين، الذين جاءوا لمتابعة أفلام من كل أنحاء العالم. وعرض في افتتاح المهرجان فيلم السيوف السبعة وهو من أفلام الأسلحة البيضاء. أما فيلم الختام فسيكون بعنوان "ربما هو الحب"،وهو أول فيلم موسيقي تنتجه الصين منذ 40 عاما. ويتنافس 19 فيلماً من بلاد مختلفة للحصول على جائزة المهرجان: الأسد الذهبي.
أقدم مهرجان سينمائي
في 19 أبريل عام 1893 قرر عمدة مدينة البندقية ريكاردو سيلفاتيكو Riccardo Selvatico إنشاء مهرجان فني، يتوج فيه الفن الإيطالي، فأنشأ بينالي مدينة البندقية. واستمر هذا البينالي الفني يقدم الأعمال الإبداعية الوطنية. للاحتفال بعيد الزواج الفضي للملك أومبرتو Umberto دي سافوي De Savoy وزوجته ومرجريتا Margherita. وإن كان افتتاح المهرجان بدأ بعدها بعامين في 30 أبريل 1895. وفي دورته الثامنة عشر عام 1932 ، قرر مدير البينالي آنذاك جيسيب فولبي Guiseppe Volpi إدخال الأفلام السينمائية كجزء من الأعمال المعروضة في مهرجان البندقية الفني، باعتباره فناً جديداً ظهر على الساحة. وأصبح بذلك أول مهرجاناً سينمائياً في العالم، وإن كانت دورته الأولى مرت دون جوائز، وعرضت بها أفلام أصبحت اليوم من كلاسيكيات السينما العالمي مثل "فرانكشتاين"، و"حدث في ليلة ما"، وغيرها من الأفلام العريقة. وجذب هذا الحدث الفريد من نوعه في هذا العصر نحو 25.000 مشاهد، ومع انطلاق دورته الثانية في عام 1934 بدأت المنافسات على الأفلام: منافسة شاركت بها 19 دولة.
وجود أوروبي قوي
وتشارك هذا العام 18 دولة بـ55 فيلماً، يتنافس 19 منهم في المسابقة الرسمية، بينما تشارك الأفلام الأخرى في بقية أنشطة المهرجان الموازية، التي تهدف إلى عرض أحدث الأفلام وتشجيع الاتجاهات السينمائية الجديدة، والأفلام القصيرة. ومن بينها "آفاق" و"أيام المخرجين"، كما اختار مدير المهرجان هذا العام ماركو مولر وضع السينما الآسيوية في بؤرة الضوء عبر فعالية "أسرار تاريخ السينما الآسيوية".
ومن أهم الأفلام المشاركة في المسابقة ثاني أفلام جورج كلوني كمخرج وهولا فيلم "عمت مساءاً وحظ سعيد"، و فيلم "الإخوة جريم" الذي يخرجه المخرج الإنجليزي تيري جيرمان وتشارك فيه مونيكا بيلوتشي. ومن الأفلام المتنافسة كذلك فيلم موسيقي للنجمة البريطانية "كيت وينسلت" يحمل اسم "الرومانسية والسجائر". ويشارك المخرج الإيطالي بوبي آفاتي بفيلمه الأخير "ليلة الزفاف الثانية" وإن كان لم يحظى بحماسة النقاد كما يشارك فيلمان من البرتغال وفيلم من النمسا وآخر من بولندا. وفي الوقت الذي ظهر فيه الحضور الأوروبي بشكل قوي خاص في الأفلام المتنافسة حيث يبلغ عدد الأفلام الأوروبية المشاركة في المسابقة 12 فيلماً، اختفت السينما الأفريقية وسينما أمريكا اللاتينية تماماً، وهو ما انتقده المهتمون بصناعة السينما في هذه البلدان.
كما انتقدت الصحافة الإيطالية مدير المهرجان ماركو موللر، واتهمته بإنه استسلم للضغوط في اختياره للأفلام، فقد اختار عدد من الأفلام الإيطالية بالرغم من سوء جودتها وفق رأي النقاد، كما اتهم بتجاهل المخرجين المجددين، وبعدم سعيه إلى اكتشاف أي فيلم لمخرج غير معروف. وبالفعل تعرض مدير المهرجان لضغوط، فقد طالب وزير الثقافة الإيطالي بمشاركة سبعة أفلام على الأقل في المهرجان، كما تعرض أيضاً لضغوط المنتجين والموزعين. وكان عليه إيجاد حل وسط. فقدم بعض التنازلات في اختياراته وتعامل بدملوماسية مع الأمر، ولكنه لم يستسلم للضغوط مثلاً في اختياره لفيلم الافتتاح، فقد اختار فيلماً آسيوياً وسط محاولات المنتجين والموزعين بإجباره على اختيار فيلم من أفلام هوليوود الشهيرة، كما اختار أيضاً فتح الباب لاكتشاف السينما الآسيوية.
المخيمات الفلسطينية في مدينة البندقية
ومن جو مدينة البندقية، وتراثها الجميل، تمكن المخرج السينمائي الفلسطيني رشيد مشهراوي عبر فيلمه "الانتظار" من نقل الجمهور إلى مخيمات اللاجئين الفلسطينيين، بفيلمه الذي يرسم صورة قاتمة وساخرة ومليئة بالشجن في آن واحد عن واقع مواطنيه. ويروي الفيلم قصة المخرج السينمائي أحمد (محمود مسعد) الذي يوافق على القيام بمهمة أخيرة قبل مغادرة الأراضي الفلسطينية للإقامة في الخارج. وتكمن هذه المهمة في إخضاع الممثلين لتجربة أداء للمسرح الوطني الفلسطيني الجديد قيد الإنشاء بتمويل أوروبي. وخلال جلسات اختبار الممثلين، يطلب أحمد من أحد المرشحين تأدية دور، هو خلاصة وجودهم في المخيمات وهو الانتظار. ويقول مشهراوي:"يراودنا نحن الفلسطينيون شعور بأننا لا نقرر مصيرنا. وأحيانا يبرز أمل التوصل إلى حل ثم يندثر ويبدأ مجددا انتظارنا. فالانتظار جزء لا يتجزأ من حياتنا". ويتكلم المخرج عن خبرة شخصية يواجهها كل فلسطيني، حيث اضطر إلى لانتظار شهرين قبل التمكن من الخروج من غزة، وهو ما جعله يفكر في هذا الفيلم: "لا يمكن أن نقضي كل أوقات الانتظار في حزن، فنحن نمرح ونضحك ونحاول قضاءها بأفضل شكل ممكن." وإجمالاً تتميز السينما الفلسطينية بواقعيتها وبأنها نابعة من مشاكل يعاني منها الفلسطينيون يومياً. ويتابع قائلاً "المخرج السينمائي الفلسطيني يعكس الواقع السياسي لما نصوره فأفلامنا (الاحتلال والحواجز على الطرقات) لكننا في الواقع لا نحاول تحقيق أهداف سياسية نحاول بكل بساطة أن نروي قصتنا ونكشف نمط حياتنا" .
أين السينما العربية؟
ولكن وسط خضم أحداث هذا المهرجان، لم يتساءل الكثيرون سواء من القائمين عن المهرجان أو من العرب عن قلة المشاركة العربية في هذا المهرجان والتي كادت تنعدم لولا مشاركة فيلمين من فلسطين، حيث يشارك فيلم شتات في مسابقة الأفلام القصيرة بينما عرض المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي فيلمه الأخير "الانتظار" ضمن برنامج "أيام المخرجين". والسؤال الذي يطرح نفسه هو أين الأفلام العربية؟ وما هو السبب في عدم مشاركتها؟ هل هو قلة جودتها كما جاء رد مدير المهرجان، أم هو تأخرها في الوصول إلى إدارة المهرجان في الموعد المحدد كما جاء رد بعض القائمين على المهرجان؟ ألم يحن الوقت للمهتمين بالسينما العربية للخروج من النطاق الضيق من الاكتفاء بمهرجانات السينما العربية أو حتى مهرجان كان فقط؟ ربما يحتاج المهرجان السينمائي الأقدم في العالم مزيد من الاهتمام من قبل العاملين بالسينما في العالم العربي.
سمر كرم ـ دويتشه فيله