وجهة نظر: الاعتداء على سوق عيد الميلاد برلين سيغير ألمانيا
٢٠ ديسمبر ٢٠١٦
الاعتداء الذي شهدته برلين هز ألمانيا وصدمها: 12 شخصا لقوا حتفهم، وأصيب حوالي 50 آخرون، عدد منهم بجروح بليغة. هذا الهجوم والعمل الإرهابي كان موجها ضد البلاد بكاملها. فهو استهدف المجتمع الحر الذي يعيش فيه مواطنون ألمان، كما استهدف رمزا سلميا، ألا وهو أحد أسواق عيد الميلاد الذي يتردد عليه ملايين الناس قبيل فترات أعياد الميلاد المسيحية ـ ولم يستهدف الألمان فقط، بل أناسا من جميع أنحاء العالم، كانوا يتجولون لبضع ساعات في فصل الشتاء قبيل فرحة عيد الميلاد المسيحي بهدف نسيان المشاغل ومشاعر القلق في الحياة اليومية للإنسان.
إرهاب موجه ضد الجميع
هذا الاعتداء الذي يشكل عملا إرهابيا قاتلا هو بالتالي موجه ضدنا جميعا- نحن الذين نريد العيش في حرية وبلا هموم. إنه عمل همجي ضد إرادتنا في العيش في الحرية. وعلى هذا الأساس سيعمل إرهاب برلين على حدوث تغيير في ألمانيا. نحن لم نعد، كما يُقال بصفة مبهمة، في مرمى نار الإرهاب الدولي ـ نحن أصبحنا ضحايا. مثل الانجليز والفرنسيين والإسبان والإسرائيليين والأمريكيين وآخرين.
ليس من المهم هنا أن يكون هذا العمل صادرا عن شخص مختل نفسيا يقتل عشوائيا أم من طرف شخص منفرد له نوايا إجرامية أو من مجموعة لها خلفية متطرفة: إنه عمل يستهدف عمق المجتمع الحر. ويستهدف المجتمع المنفتح. وباستهدافه لسوق عيد الميلاد المسيحي فإنه يضرب رمزا مسيحيا يعكس تقاليد وهوية ألمانية وأوروبية.
المستشارة كانت على صواب عندما قالت إنه يوم صعب بالنسبة للألمان. في السنوات الماضية حدثت أيضا أعمال إرهابية صغيرة أو متوسطة الحجم في ألمانيا ـ وتم إبطال حدوث العديد منها أيضا - لحسن الحظ. لكن هذا الاعتداء هو تحذير منذر بالأسوء.
عقلية المجتمع الألماني ستتغير. ستتراجع مواقف لا مبالاة ومواقف عدم الاهتمام. إن حياة الحرية التي لا نريد أن ينتزعها منا الإرهاب، هذه الحرية المعلنة، ستترك المجال لشعور عميق بعدم الأمان. وستشعر ألمانيا بوجود نقص في الأمان. وسيصبح الوضع أقل أمنا.
انتظار زلزال سياسي؟
قد ينطلق زلزال سياسي محتمل على خلفية هذا النوع من الاعتداءات، إذا اتضح أن الجاني هو شخص لاجئ، كان قد بحث عن حماية في هذا البلد، وأنه شخص قدم طلب لجوء وحصل عليه، ولم يتم طرده. وفي حال إن تأكد أن الجاني كان حقا لاجئا، دخل ألمانيا السنة الماضية، عندما فُتحت الحدود بشكل سخي وبدون مراقبة - في حال إن تأكد ذلك- فستعصف رياح قوية بسياسة اللجوء المتبعة من قبل المستشارة الألمانية. كما ستتأثر المواقف الانسانية التي يطبقها المواطنون لمساعدة اللاجئين الذين يوجدون في أوضاع حرجة، لتصبح عرضة لضغوطات مجتمعية. وعلى إثرها سيتم الترحيب في ألمانيا بتسجيل انتصارات للفكر اليميني القومي الأناني، وسينغلق المجتمع على نفسه بعدما كان منفتحا، كما ستتحجر المواقف السياسية الداخلية، وستصبح الحرية مهددة من الداخل.
في مثل هذه الأوضاع الحالية تحديدا يجب طبعا الحفاظ على الهدوء والتعقل، حتى وإن كان من الصعب جدا الحفاظ على الهدوء. فما حدث مساء الـ 19 من ديسمبر في برلين سيغير من ألمانيا. والسؤال القائم هو فقط : إلى أي مدى سيتم ذلك التغيير؟ وهذا ما سيتضح في المستقبل.