سياسة روسية أحادية الجانب
١٥ أبريل ٢٠١٥سرعان ما جف الحبر الذي وقّع به الاتفاق النووي التاريخي مع إيران، حتى أعلنت روسيا عن وجوب رفع جميع العقوبات المفروضة على طهران. وعلى الأقل بالنسبة لموسكو فقد انتهى عهد العقوبات، في الوقت الذي تفضل فيه الدول الأخرى الموقعة على الاتفاق النووي - الولايات المتحدة الأمريكية والصين وبريطانيا وفرنسا وألمانيا- التريث بعض الشيء، إذ من المقرر حتى نهاية حزيران/يونيو أن يتم ترتيب اتفاق ملزم مع الحكومة في طهران، يأخذ بعين الاعتبار كيف يمكن منع إيران من صنع قنبلة نووية وضمان استخدام الصناعة النووية لأغراض سلمية فقط.
روسيا تراعي مصالحها الخاصة فقط
ولكن سياسة روسيا الأحادية الجانب تعمل على إفشال خريطة الطريق التي تم التوصل إليها بعد مفاوضات عسيرة في لوزان السويسرية. إذ تسارع روسيا لتبادل النفط الفارسي بسلع مصنعة. وهي تجارة مربحة قد تذر المليارات على روسيا. كما تضم هذه الصفقة المتوقعة إعادة إحياء اتفاقية تم توقيعها منذ ثماني سنوات، ولكنها لم تتم على أرض الواقع بسبب عقوبات تفرضها الأمم المتحدة على إيران. ويتعلق الأمر بتزويد إيران بصواريخ إس-300 .وهي عبارة عن صواريخ مضادة للطائرات، قد تغير موازين القوى في منطقة تعيش العديد من الأزمات السياسية والأمنية.
ورغم دراية روسيا بذلك إلا أنها تحافظ في نفس الوقت على اتصالات وثيقة مع إسرائيل. علما أن حوالي ثمن الإسرائيليين يتحدث اللغة الروسية، إذ أن غالبيتهم هاجر من دول الاتحاد السوفياتي السابق. لكن الحكومة الإسرائيلية تشعر بالقلق وترى نفسها على صواب فيما يخص انتقادها الأساسي للاتفاق النووي الذي تم التوصل إليه في لوزان. فبالنسبة لسلاح الجو الإسرائيلي، فإن تزويد إيران بصواريخ إس-300 هو أكثر من مجرد مصدر إزعاج تكتيكي. ولهذا فربما ستضطر إسرائيل قريبا للتخلي عن خيارها الاستراتيجي وتوجيه ضربات جوية للمفاعلات النووية الإيرانية كوسيلة أخيرة.
ولكن حتى الآن لم تتضح معالم النظام الصاروخي الذي تريد روسيا أن تزود به إيران. فصواريخ إس 300 توجد في أنواع مختلفة- فمنها الأسلحة الصلبة والحديثة وأخرى أكثر حداثة. غير أن خبراء الأسلحة في موسكو يعتقدون أن الأمر سيستغرق نحو عامين حتى يتم التوقيع على اتفاق جديد لتصدير الأسلحة لإيران. وتسعى روسيا عبر صفقة الصواريخ إلى ضمان الصدارة في السباق على السوق الإيراني. فقريبا، عندما ترفع العقوبات على إيران بشكل رسمي، تطمح روسيا أن تكون أهم شريك تجاري.
موسكو تسعى لتعزيز نفوذها في كل مكان
كل هذا يتناسب أيضا مع حضور روسيا في الشرق الأوسط: فالاتصال الوثيق مع إسرائيل لا يمنع الدبلوماسيين الروس من العمل مع الفلسطينيين والمصريين وغيرها من الشعوب العربية ذات الغالبية السنية في المنطقة. هذا بالإضافة إلى تمسك موسكو بدعم نظام الأسد العلوي في سوريا. والآن الاتفاق مع نظام الملالي الشيعي في طهران. وبهذا فإن روسيا تسعى للحفاظ على نفوذها في جميع أنحاء الشرق الأوسط. فبعد نهاية الحروب الأهلية في المنطقة، والقتال بين الطوائف الإسلامية المختلفة وحسم التفوق في المنطقة، ستكون روسيا قد شاركت في هذه اللعبة السياسية الكبيرة من خلال قرارها، الذي يهدف إلى تزويد إيران بنظام صاروخي حديث.
كما تسعى روسيا من خلال قرار تصدير الصواريخ لإيران إرسال رسالة سياسية أخرى تفيد بأن سياسية العقوبات غبية ويجب إلغاؤها في أقرب وقت. وهو موقف دولة تعاني نفسها من عقوبات تفرضها عليها دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية. كما تخشى روسيا فرض المزيد من العقوبات عليها.