"وحدة المجلس الانتقالي تعد عاملا أساسيا لاستقرار ليبيا"
٢٣ أغسطس ٢٠١١دويتشه فيله: مع سيطرة الثوار على العاصمة طرابلس، يدور الحديث الآن حول مستقبل ليبيا ما بعد القذافي. هل تعتقدون بأن لدى المجلس الوطني الانتقالي الليبي خطط ثابتة ورؤية واضحة للتنسيق الأمني والإداري في البلاد؟
الدكتور زياد عقل: هناك رؤية إلى حد ما، وهي رؤية موضوعية جداً للأحداث. مرحلة ما بعد القذافي تعتمد بشكل كبير على سيناريو انتهاء المعركة في طرابلس. هذه المعركة قد تؤثر كثيراً على سريان هذه الرؤية. بشكل عام ما تم إعلانه من قبل المجلس الوطني الانتقالي يمثل في الحقيقة رؤية متكاملة لإدارة ليبيا، وهناك أنباء عن تذويب هذا المجلس إلى سلطة انتقالية ومؤتمر وطني يقوم بإدارة شؤون البلاد في خلال العام المقبل حتى إجراء انتخابات نزيهة وعادلة. وهناك أساس قوي من الشرعية استطاع هذا المجلس أن يحصل عليها من خلال إدارته للشرق الليبي منذ فبراير/ شباط الماضي. فالمجلس الانتقالي بدأ في إعادة إنتاج نخب سياسية بدأت بالظهور على الساحة في ليبيا، وهو ما لم يكن موجوداً طوال الاثنين والأربعين عاماً الماضية. هناك كل ما هو لازم لوضع وتفعيل استراتيجية لإدارة ليبيا خلال العام المقبل، سواء أمنياً أو سياسياً أو اقتصادياً.
ما هو الدور الذي ترون أنه يمكن لأوروبا بشكل عام، وألمانيا بشكل خاص، أن تلعبه لدعم جهود المجلس الانتقالي؟
لطالما تبنت ألمانيا نوعاً من الدبلوماسية الناعمة تجاه ما يحدث في ليبيا، ووعدت بجملة من المساعدات الاقتصادية ليبيا في أشد الحاجة إليها. هناك العديد من المساعدات التي تحتاجها ليبيا لإعادة ضبط البنية الأساسية، سواء من ناحية الطرق أو البنية النفطية لمساعدة اقتصادها على النهوض. وهناك أيضاً قطاع كامل، وهو قطاع الاتصالات، قد يكون لألمانيا دور في إعادة بنائه. كما أن هناك العديد من المساعدات التي تحتاجها منظمات المجتمع المدني داخل ليبيا، فليبيا في النهاية بلد لا يعرف التنظيمات السياسية، لكن فيه مجتمع مدني قوي يحتاج إلى مساعدات أوروبية. وفي هذا الشأن هناك تجارب إيجابية جداً لأوروبا في مساعدة منظمات المجتمع المدني في العالم العربي بشكل عام. كل هذه الأدوار ليست أدواراً عسكرية، لكنها لا تقل أهمية عن الدور الأمني والعسكري في المرحلة المقبلة.
هناك تخوفات من تحول بعض عناصر القوات الموالية للقذافي إلى خلايا مسلحة قد تحاول بتخريب وتدمير البنى التحتية في البلاد لتقويض دور وجهود المجلس الانتقالي. هل تعتقدون بأن هذه التخوفات مبررة؟
بالطبع قد يحدث هذا. لا أعتقد أن الفترة القادمة ستخلو من العنف، بل سيكون هناك نوع من أنواع التنظيمات العنيفة، سواء كانت من بقايا نظام القذافي أو حتى تنظيمات مسلحة ستظهر لمناهضة سريان العملية السياسية الشرعية داخل ليبيا بعد القضاء على نظام معمر القذافي. لكن فيما يتعلق ببقايا نظام القذافي، فيجب أن نعلم أن هذا النظام ليس بمؤسساتي. وبعد رحيل القذافي لن يكون هناك ما يمكن الدفاع عنه، ولن يكون هناك ما يمكن المحاربة لإعادة إحيائه مرة أخرى. وهذا شيء مطمئن إلى حد ما، فهو لا يقارن بالحزب الوطني الحاكم سابقاً في مصر، والذي قد يحاول أن يظهر مرة أخرى على الساحة. فبمجرد انتهاء معمر القذافي لن يكون هناك نظام يمكن إعادة تجميع قواعده مرة أخرى.
أشرتم سابقاً إلى رؤية المجلس الانتقالي للتحول إلى مجلس منتخب يدير شؤون البلاد إلى حين إجراء انتخابات ديمقراطية العام المقبل. هل ترون بأن هذه الفترة كافية لتحقيق استقرار سياسي في ليبيا؟
هذا يعتمد إلى حد كبير على معنى الاستقرار السياسي. لكن هذه الفترة كفيلة ببدء عملية سياسية شرعية قد تفرز مرحلة الاستقرار بعد عام أو عامين. لكن العجلة السياسية في ليبيا يمكن لها أن تبدأ الدوران في الشهور الثمانية القادمة.
هناك قلق من حدوث انشقاقات في صفوف المجلس الانتقالي، خاصة وأنه يتكون من تيارات مختلفة اجتمعت لتحقيق هدف مشترك، ألا وهو الإطاحة بالقذافي، وأنها ستعود لملاحقة مصالحها الفردية بعد ذلك. وهناك اعتقاد بأن بوادر هذا الانشقاق قد ظهرت في أعقاب اغتيال القائد العسكري للثوار عبد الفتاح يونس. هل ترون بأن هذا الاحتمال وارد؟
بالطبع هذا سيناريو مطروح ولا يخلو من صحة، وقد يحدث. لكن كما قلت من قبل، فإن لهذا المجلس أساس من الشرعية ككيان وليس كأفراد. إذا ظل هذا الكيان على وحدته، بغض النظر عن الأفراد الذين يدخلون إليه أو يخرجون منه، فسيكون هذا عاملاً مؤثراً في استقرار ليبيا في المرحلة المقبلة. أما عن الانشقاقات، فهي قد تحدث، لكن يجب أن ندرك أن الشعب الليبي بشكل عام شعب غير مسيّس، ولهذا فإن الانشقاقات لن تكون مبنية على خلافات أيدلوجية عميقة. لكنها في أغلب الظن ستكون مبنية على رؤى سياسية وتنظيمية مختلفة يسهل التنسيق بينها إذا ما تم جمعها في كيان واحد يحظى بشرعية، وهو المجلس الوطني الانتقالي.
أجرى الحوار: ياسر أبو معيلق
مراجعة: عماد غانم
الدكتور زياد عقل باحث في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية بالقاهرة