ورزازات، جوهرة سياحية تصارع من أجل البقاء
٧ فبراير ٢٠١٤قصبة آيت بن حدو الأثرية في ورزازات تبدو على غير عادتها خالية إلا من بعض السياح. في الماضي القريب كان هذا المكان المصنف ضمن التراث العالمي، يعج بآلاف السياح من مختلف الجنسيات وخصوصا السياح الأوروبيين الذين كانوا يجدون أنفسهم بعد ساعات على متن الطائرة، في مدينة صغيرة جنوب المغرب. يجوبون شوارعها بمعمارها المميز وأسواقها التقليدية ويقتنون الزرابي والحلي الأمازيغية، وآخرون يستمتعون بأشعة الشمس التي لا تغادر المدينة. أما السياح العرب فيبدو أنهم لم يكتشفوا بعدُ ورزازات، التي تلقب بـ"باب الصحراء"، بحكم موقعها في سفح جبال الأطلس الكبير واطلالتها على الصحراء.
منذ بداية الأزمة الاقتصادية العالمية تغير كل شيء، و لم تعد السياحة مصدرا كافيا للرزق بعدما كانت تعيش منها العديد من العائلات هنا، فأعداد السياح الأوروبيين تراجعت بشكل كبير وحتى من واظبوا على زيارة ورزازات منهم، لم يعودوا ينفقوا مثل ذي قبل.
مجد سياحي في خبر كان
التقينا موريسيو بياسيني، سائح إيطالي يبلغ من العمر 46 عاما، بينما كان هو و أسرته يتجولون في المدينة رفقة مرشد سياحي، هي زيارته الأولى للمدينة لكنها جاءت بعد تخطيط طويل "كنت أرغب منذ وقت طويل في زيارة هذه المدينة التي لطالما حدثني عنها أصدقائي الذين زاروها لكن الأزمة التي تأثرت بها على الخصوص بلدان أوروبية منها إيطاليا جعلت الأمر صعبا، لقد أصبح السفر من الكماليات الصعبة التحقيق بالنسبة للكثير من الإيطاليين والإسبان والإغريق" موريسيو سعيد لأنه تمكن من توفير قدر من المال ليأتي هو زوجته وأطفاله و يتمتعوا بجمال ورزازات.
أما المرشد السياحي الذي يرافق موريسيو و أسرته فلا يعيش وضعا أفضل، شجعه "المجد السياحي" الذي كانت تعيشه ورزازات على الالتحاق بمدرسة تكوين المرشدين السياحيين، وبعد سنوات "الرفاهية" التي عاشها عبد الله رافعي مع مهنة السياحة، تحول توفير القوت اليومي إلى رحلة كفاح شاقة. يقول المرشد الشاب " تراجع السياح هو مشكلة ضمن مشاكل أخرى جعلت المجال الذي أشتغل فيه أكثر صعوبة، وأهمها استغلال وكالات السياحة الضخمة، فهي لا تقوم سوى بالتنظيم، نحن نقوم بكل شيء، نتكلف بالسائح منذ لحظة وصوله إلى أن يغادر، و مع أن كل العبء يقع علينا إلا أنهم يجنون الملايين على حسابنا، بينما يتراوح ثمن مجهود يوم كامل من العمل ما بين 250 و 300 درهم (حوالي 25 إلى 30 يورو)"
خسائر كبيرة
إلى هنا يبدو أن المرشدين السياحيين هم أكبر الخاسرين فيما يتعلق بأزمة السياحة في ورزازات، بيد أن الأمر غير صحيح، فيوسف راضي أحد أبناء المدينة، الذي أسس قبل عشر سنوات شركة للنقل السياحي، تضرر أيضا بشكل كبير من أزمة السياحة، دافعه لإنشاء الشركة كان أيضا أعداد السياح الكبيرة التي كان يراها في مدينته. "المشروع كان ناجحا في بداية انطلاقته أما اليوم فهو بالكاد يغطي نفقاته، وأصبح علي البحث عن عمل جديد لأعيش منه أنا و عائلتي". يوسف يقول إن الكثيرين من أصدقائه الذين كانوا يعملون في مجال السياحة تحولوا إلى العمل في مهن أخرى أو انتقلوا للعمل في مدن أخرى بعد الركود الاقتصادي الذي أصبحت تعرفه المدينة منذ أن هجرها السياح الأوروبيون.
وتعتبر السياحة إلى جانب الصناعة السينمائية أهم موردين اقتصاديين لورزازات، حيث تتوفر المدينة أيضا على استوديوهات لتصوير الأفلام سبق وأن استقطبت نجوما عالميين صوروا مشاهد من أفلامهم هنا. لكن الصناعة السينمائية بدورها تضررت من جراء الأزمة الاقتصادية، فعدد الأفلام التي تصور انخفض بشكل كبير و بالتالي ففرص العمل التي كانت توفرها السينما لأبناء المدينة تقلصت بشكل كبير أيضا.
محمد إوسع نائب ممثل وزارة السياحة في المدينة قال لـ DW عربية إن خمسة فنادق على الأقل أعلنت إفلاسها، "وعندما نعتبر أن كل فدق يشغل مثلا 60 موظفا فذلك يعني أن 300 عائلة أصبحت دون مصدر رزق، و ليست المرافق السياحية فقط الخاسر الوحيد، عندما نتحدث عن تراجع السياحة فذلك يعني أيضا تراجع مداخيل المطاعم و المقاهي وحتى سيارات الأجرة وغيرها. تراجع السياحة أثر في المدينة ككل".
ويرجع إوسع هذا التأثر الكبير إلى تركيز سياسة المغرب السياحية على الأوروبيين بشكل خاص، ولهذا فقد أصبحت الحكومة المغربية الآن تتجه ضمن رؤيتها السياحية الجديدة نحو العمل على استقطاب السياح من آسيا وأميركا أيضا. و إلى أن يتحقق ذلك، وعلى أمل عودة الأوروبيين يوما إلى ورزازات يبقى مستقبل السياحة في هذه المدينة غامضا.