ألمانيا ـ حزب سارة فاغنكنيشت.. "صانع ملوك" على مقعد الانتظار
٤ سبتمبر ٢٠٢٤"لقد أصبحنا عامل قوة في ألمانيا"، قالت سارة فاغنكنيشت في أول مؤتمر صحفي لها بعد الانتخابات البرلمانية في ولايتي سكسونيا وتورينغن. فتحالف سارة فاغنكنيشت ، ليساري الشعبوي الداعي لتشديد سياسة الهجرة الذي تأسس حديثًا في شهر كانون الثاني/يناير 2024 ، أصبح ثالث أكبر قوة في كلتا الولايتين الفيدراليتين. والآن يستطيع هذا الحزب الجديد أن يقلب الموازين من أجل تشكيل الحكومتين في الولايتين من دون حزب البديل من أجل ألمانيا الشعبوي.
أكَّدت فاغنكنيشت قائلة: "الناس يعلقون آمالًا كبيرة علينا وقد شعرت بذلك أيضًا أثناء الحملة الانتخابية". وأضافت أنَّ نجاح تحالف سارة فاغنكنيشت ، يُعدُّ أيضًا تعبيرًا عن المزاج العام في ألمانيا. وأنَّ هذا يتعلق أيضًا بتراجع عدد الأشخاص الذين ما يزال بإمكانهم منح ثقتهم للأحزاب الرئيسية وزيادة عدد الأشخاص الذين يشعرون بخذلان سياسي. ومن وجهة نظر فاغنكنيشت فقد استفاد من ذلك أيضًا حزب البديل من أجل ألمانيا، الذي يصنِّفه مكتب حماية الدستور في ولايتي سكسونيا وتورينغن على أنَّه "حزب يميني متطرِّف بكلِّ تأكيد".
مطالبة بمبادرات دبلوماسية من أجل السلام
ثم انتقلت السياسية السابقة في حزب اليسار سارة فاغنكنيشت للحديث حول موضوع لعب أحد أهم الأدوار في حملة تحالفها الانتخابية، أي موضوع: الحرب والسلام؛ الذي تم التعبير عنه في الملصقات كبديل: "الحرب أو السلام". وهذا يشير إلى حرب روسيا ضد أوكرانيا ، والتي تقدِّم فيها ألمانيا السلاح لأوكرانيا. وحزب سارة فاغنكنيشت يريد تغيير ذلك.
ولكن المشكلة هي أنَّ القرار حول تسليم الأسلحة لأوكرانيا أو نشر الصواريخ الجديدة متوسطة المدى في ألمانيا - وهو أمر يرفضه تحالف سارة فاغنكنيشت أيضًا - ليس من اختصاص حكومات الولايات في ساكسونيا أو تورينغن بل من اختصاص الحكومة الألمانية الاتحادية والبرلمان الاتحادي (بوندستاغ) في برلين. ومع ذلك تقول سارة فاغنكنيشت : "الناس ينتظرون من حكومات الولايات أن تعكس في هذه النقطة أيضًا موقفهم ورأي أغلبيتهم".
وبحسب تعبير فاغنكنيشت فإنَّ استطلاعات الرأي واضحة حول هذه النقطة: "نصف الناس في ألمانيا يخشون التورُّط في حرب كبرى، وفي شرق ألمانيا غالبية الناس"، كما أكَّدت فاغنكنيشت. ولذلك يجب على حكومة الولاية التي يشارك فيها تحالف سارة فاغنكنيشت أن تتَّخذ موقفًا واضحًا يتوافق مع رأي الناس. وبحسب فهمها فإنَّ هذا يشمل أيضًا المزيد من المبادرات الدبلوماسية من الحكومة الألمانية الاتحادية. "ونحن بطبيعة الحال نتوقَّع من أي رئيس وزراء أن يُعبِّر عن ذلك وبشكل علاني أيضًا".
وتتفق معها في ذلك المرشَّحتان الرئيسيتان في حزبها: زابينه تسيمرمان (سكسونيا) وكاتيا فولف (تورينغن) اللتان كانتا في السابق عضوتين في حزب اليسار، الذي غادرته سارة فاغنكنيشت و أسست حزبها الجديد . وفي هذا الصدد قالت كاتيا فولف: "من البديهي أنَّ سارة فاغنكنيشت ستربط بشكل وثيق مسألة الحرب والسلام وكل القضايا الاتحادية على مستوى الولاية أيضًا".
"صانع ملوك" بحكم الأمر الواقع؟
وأوضحت زابينه تسيمرمان أنَّهم مستعدُّون لتحمُّل المسؤولية عن ولايتهم، "لكن إذا لم يغيِّر حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي والحزب الاشتراكي الديمقراطي سياساتهما بشكل جذري فلن نشارك معهما هنا أيضًا في ائتلاف حكومي".
من جانبه لا يستبعد رئيس وزراء سكسونيا الحالي ميشائيل كريتشمر (الاتحاد المسيحي الديمقراطي) التحالف مع حزب تحالف سارة فاغنكنيشت. وحول ذلك قال لإذاعة دويتشلاند فونك: "لم أكن أرغب في ذلك، ولكن يجب علي آخذ الواقع في عين الاعتبار".
ومن أجل التغلب على الآراء المتضاربة حول تسليم الأسلحة إلى أوكرانيا ونشر الصواريخ، يستطيع الباحث في العلوم السياسة أنطونيوس سوريس من جامعة برلين الحرة تصوُّر حلٍّ وسط يكون: في شكل إعلان نوايا يحدَّد في اتفاق ائتلافي أنَّ هذه الولاية ستعمل من أجل السلام أو ما يشبه ذلك.
وربما من الممكن التعامل مع إعلان غير ملزم من هذا النوع بالنسبة لجميع الأحزاب المشاركة وناخبيها. "من الممكن أنَّ حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي قد تعلم كحزب اتحادي عدم التدخُّل كثيرًا في قضايا الولايات"، كما قال أنطونيوس سوريس في مقابلة مع DW. وأضاف أنَّ سارة فاغنكنيشت تريد من ناحية أخرى أن تكون لها كلمة مهمة في مفاوضات تشكيل الائتلاف المحتملة، "والسؤال هنا هو كيف سيرد حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي على ذلك، لأنَّ رده هو المهم في نهاية المطاف"، كما أكَّد الخبير أنطونيوس سوريس.
وبعد الانتخابات البرلمانية في تورينغن أصبح الوضع أكثر صعوبة في هذه الولاية التي تحكمها منذ عام 2019 حكومة أقلية بقيادة حزب اليسار . والآن لم يصوِّت الناخبون لصالح هذا الحزب ومن الممكن أن يُعيِّن رئيس الوزراء المستقبلي من حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي الذي من الممكن أن يشكِّل حكومة ائتلافية مع تحالف سارة فاغنكنيشت واليسار. ولكن المشكلة: لقد استبعد حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي في مؤتمره الاتحادي في عام 2018 الدخول في أية ائتلافات مع حزب البديل من أجل ألمانيا وحزب اليسار.
"لا يمكن لأحد تجاوزنا"
والرئيس الاتحادي لحزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي فريدريش ميرتس يريد أيضًا الالتزام بهذا الاستبعاد. ومع ذلك فإنَّ المرشَّحة الرئيسية لحزب تحالف سارة فاغنكنيشت في تورينغن كاتيا فولف تأمل في أن يكون حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي في الولاية أكثر مرونة في هذه المسألة، وتقول: "سنحاول إجراء محادثات من أجل ثقافة سياسية جديدة في تورينغن في هذه النقطة بالتحديد".
يبدو تحالف سارة فاغنكنيشت واثقًا من نفسه في جميع النواحي. وتقول المرشَّحة الرئيسية في ولاية سكسونيا زابينه تسيمرمان: "لا يمكن لأحد تجاوزنا". وكذلك يُقدِّر الخبير السياسي أنطونيوس سوريس إمكانات هذا الحزب الجديد بدرجة عالية. وهو يرى أنَّ توقيت تأسيس حزب تحالف سارة فاغنكنيشت ومشاركته الأولى في انتخابات الولايات في الشرق كان ناجحًا من الناحية الاستراتيجية - أيضًا بالنظر إلى الانتخابات الاتحادية في عام 2025، ويقول: "ستظل جاذبية الجديد موجودة دائمًا هنا".
فِرَق صغيرة وتأثير كبير
وكذلك يرى أنطونيوس سوريس أنَّ التركيز على سارة فاغنكنيشت أمر "ذكي بشكل لا يصدق". ويقول إنَّ الحملات الانتخابية الجيِّدة ممكنة في عصر وسائل التواصل الاجتماعي وحتى مع فِرَق صغيرة كما هي الحال في حزب تحالف سارة فاغنكنيشت. ويضيف أنَّ هذا الحزب كان لديه أيضًا مرشَّحات رئيسيات في سكسونيا وتورينغن خضن الانتخابات بشكل صحيح. فقد استطاع تحالف سارة فاغنكنيشت الاستفادة من الحملات الانتخابية الكلاسيكية في ساحات الأسواق على الرغم من أنَّ هياكله الحزبية أقل تطوُّرًا. وكثيرًا ما كانت في وسط هذه الحملات: سارة فاغنكنيشت نفسها.
والآن ماذا سيحدث لحزب اليسار الذي عملت فيه سياسيًا ولسنين عديدة هؤلاء النساء الثلاث الناجحات في تحالف سارة فاغنكنيشت؟ أنطونيوس سوريس مرتاب ويقول إنَّ الأمر يعتمد على الأشهر المقبلة. وهو يرى أنَّ تغيير أشخاص آخرون معسكرهم من خلال تحوُّلهم من حزب اليسار إلى تحالف سارة فاغنكنيشت أمر ممكن، و"على الأرجح أن حزب اليسار سيشهد علامات تفكٌُّك"، كما يتوقَّع هذا الباحث السياسي البرليني.
*يعمل كاتب هذا التحليل مارسيل فورستيناو كاتبًا ومراسلًا صحفيًا للشؤؤن السياسية والتاريخ المعاصر ويركِّز على ألمانيا
أعده للعربية: رائد الباش