الاتحاد الأوروبي أمام تحدي إقرار الميزانية
يلقي الخلاف الحاد بشأن ميزانية الاتحاد الأوروبي بظلاله على أجواء القمة الأوروبية التي بدأت أعمالها أمس الخميس في بروكسل وتستمر حتى مساء اليوم 16 كانون الأول/ديسمبر. وقد أبدت الدول المشاركة استعدادها للتفاوض، لكن ليس مقابل أي ثمن. وكانت بريطانيا قد قدمت اقتراحا يقضي بخفض الدعم المقدم للأعضاء الجدد بنسبة ثماني بالمائة، إلا أن هذا الاقتراح قوبل في حينه بالرفض من قبل معظم الأعضاء. وقد شمل هذا الاقتراح الذي تم تقديمه مرة أخرى من قبل رئيس الوزراء البريطاني ورئيس الدورة الحالية للاتحاد، توني بلير، على خطة الميزانية للاتحاد في الفترة ما بين 2007 و2013 . وحسب الخطة البريطانية ستصل نفقات الاتحاد إلى 850 مليار يورو، أي بزيادة قدرها 2.5 مليار يورو. هذه الزيادة سيتم تخصيصها لمشاريع إعادة هيكلة الاقتصاد ودعم المناطق الضعيفة اقتصاديا. ومن أجل تلافي المعارضة الأوروبية المتزايدة للخصم الذي تحصل عليه بريطانيا منذ بداية الثمانينيات، أعربت لندن عن استعدادها لزيادة مساهمتها في ميزانية الاتحاد، لكن مع تمسكها بنسبة الخصم، والتي سترتفع من خمسة إلى سبعة مليارات يورو في فترة الميزانية القادمة (2007-2013). لكن ورغبة منها في إثبات حسن نيتها والتزامها بسياسة التقشف للاتحاد، أبدت بريطانيا استعدادها للتنازل على جزء من ديونها المستحقة على بعض الدول الأعضاء في الاتحاد.
تمسك بريطاني ورفض أوروبي
وكان وزير الخارجية البريطاني جاك سترو قد عبر عن رغبة المملكة المتحدة في التوصل إلى ميزانية عادلة للاتحاد. وقال سترو: "سأعمل مع رئيس الوزراء على تقديم كل ما بوسعنا للتوصل إلى قرار موحد يخدم مصلحة بريطانيا والاتحاد الأوروبي من أجل التوصل إلى اتحاد كبير وقوي اقتصاديا، اتحاد يمكن لكل مواطن من خلاله التقدم والتطور." من جهتها رفضت معظم دول الاتحاد الأوروبي المقترحات البريطانية. رئيس الوزراء البولندي كازيميرز ماشينكيفيتس أعلن بأن بلاده ستستخدم حق النقض الفيتو في حال تقديم المقترحات بصيغتها الحالية. أما المستشارة الألمانية انجيلا ميركل فقد أعربت عن تخوفها من عدم التوصل إلى اتفاق حول الميزانية خلال الجلسة الحالية في بروكسيل، مشيرة إلى أن الاتحاد الأوروبي في هذه الفترة يمر بمرحلة عصيبة ومعقدة. وقالت ميركل: "في حال عدم توصلنا لاتفاق، وهو أمر غير مستبعد، فإننا سنبقى نراوح مكاننا. لكننا سنعمل جاهدين للمضي قدما من أجل التوصل إلى اتفاق." وعبر رئيس المفوضية الأوربية خوزيه مانويل باروسو عن خيبة أمله من الاقتراح البريطاني قائلا: "إنني محبط وأشعر بقلق كبيرحيال عدم إمكانية التوصل إلى إجماع في الاتحاد، ولكنني على قناعة تامة بأننا سنتوصل إلى حل."
وكان باروسو قد طالب بريطانيا باتخاذ خطوات فعالة لتفادي حصول فجوة داخل الاتحاد، مشيرا في الوقت ذاته الى عدم ثقته من قدرة بلير على اقناع البريطانيين بتنازله عن الاستحقاقات التي كان على دول الاتحاد دفعها لبريطانيا. ولم يعد أمام بلير ما يمكن فعله في تعديل وتسوية ميزانية الاتحاد في فترة ترأسه للاتحاد الأوروبي، إذ حاول تخفيض الدعم الزراعي المقدم لدول الاتحاد، وتقديم دعم أكبر لقطاعات البحث العلمي والتطوير. ولكن فرنسا تعتبر هذا المقترح بمثابة شوكة في حلقها، خاصة وأن قطاعها الزراعي مدعوم بشكل كبير من قبل بروكسيل.
ميركل أمام امتحان صعب
تعتبر هذه القمة بمثابة امتحان صعب للمستشارة الألمانية خاصة وأنها القمة الأولى التي تشارك فيها وتسودها خلافات عميقة ومواقف متباعدة جدا. ميركل أكدت مجددا على سيرها على خطى سلفها جيرهارد شرودر فيما يتعلق بموقف ألمانيا من الميزانية حين قالت "أن ألمانيا لن تتنازل عن مطالبها مقابل أي ثمن"، الا أنها أشارت الى ضرورة التوصل إلى اتفاق حول الميزانية. ومعروف أن ألمانيا غير متحمسة لفكرة تخفيض تخفيض الدعم المقدم للدول الجديدة في الاتحاد، لكنها تطالب بتحديد النفقات لتصل إلى واحد بالمئة من الدخل القومي الأوروبي. يشار الى أن ميركل كانت قد اجتمعت بثماني زعماء أوروبيين على انفراد خلال الأربع أسابيع الماضية منذ توليها لمنصبها، الأمر الذي يعني لكثير من المحللين بأنها قد دخلت في معركة كسب المواقف تحضيرا للقمة التي لن تكون سهلة عليها.
خلافات جانبية أخرى
وتعتبر مفاوضات دخول مقدونيا لعضوية الاتحاد الأوروبي من الأمور التي ستكون أيضا على جدول أعمال هذه القمة. لكن فرنسا طالبت بتأجيل هذا الموضوع حتى العام القادم ليتم مناقشته في إطار أعمال اجتماعات الاتحاد العامة، لا سيما وأن مسؤول لجنة توسيع الاتحاد أولي ريين قد أكد بأن النظام السياسي المقدوني ليس بعيدا عن النظام الأوروبي مع تشديده على تعديل النظام الانتخابي حتى يتم إجراء انتخابات برلمانية منتظمة في مقدونيا. من جهة ثانية هناك خلافات حول المقترحات البريطانية التي ترى تخصيص 296 مليار يورو كمساعدات محلية لدول الاتحاد في فترة الميزانية القادمة (2007 – 2013)، مع خصم 150 مليار يورو من هذا المبلغ ليتم تقديمها لدول الاتحاد العشرة الجديدة، أي بقيمة 14 مليار يورو أقل من الميزانية التي خصصها رئيس الدورة السابقة. ويرى الاقتراح البريطاني أن هذه المبالغ سيتم تخصيصها في تطوير الشوارع والسكك الحديدية إضافة إلى مشاريع أخرى في البنية التحتية.
إعداد: زاهي علاوي