الاتِّحاد الأوروبي وأزمة غزة: سياسة الكيل بمكيالين
١٩ يناير ٢٠٠٩مَنْ مِنَ الدبلوماسيين الأوروبيين لم يقم بجولة في الشرق الأوسط؛ ابتداءً من وفد الاتِّحاد الأوروبي برئاسة وزير الخارجية التشيكي، كاريل شفارتسنبيرغ الذي لم يخف قطّ موقفه الذي اتَّسم بقدر قليل من الرزانة في أزمة الشرق الأوسط.
وبالتوازي مع ذلك مضى الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي إلى دمشق ومصر وثم توني بلير الذي قام بجولة في المنطقة باسم اللجنة الرباعية للسلام في الشرق الأوسط، وأخيرًا وليس آخرًا وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينمايَر. ولم يؤثِّروا جميعهم في أي شيء.
نقص في الضغط السياسي
وبدلاً من الحديث بصوت واحد، بدلاً من ملئهم وبشكل بنَّاء للفراغ الموجود في السلطة الأمريكية إلى أن يتولَّى الرئيس الأمريكي الجديد باراك أوباما منصبه، قدَّم الاتِّحاد الأوروبي نفسه مثل سوق موسمية لكلِّ شيء. وعلى هذا النحو لا يتكوَّن ضغط سياسي. وكذلك توجد لهذا النشاز أسباب مؤسساتية. فطالما ظلَّ الاتِّحاد الأوروبي لا يملك دستورًا سوف يبقى أيضًا وزراء خارجية دول الاتحاد أو سياستة الأمنية المشتركة حلمًا خياليًا.
لقد أظهرت أيضًا ردود الفعل على الحرب التي جرت في جورجيا في الصيف الماضي أو مسألة الاعتراف بكوسوفو اختلافات عميقة في الآراء داخل أوروبا؛ إذ إنَّ الأنانيين القوميين والمتناقضات الأيديولوجية أقوى من الرغبة في الوحدة.
وفي حال إسرائيل يضاف إلى ذلك عامل آخر؛ حيث لا توجد دولة أوروبية - وألمانيا على الأقل - مستعدَّة لإلزام الحكومة الإسرائيلية بأي شيء. ويعود سبب ذلك إلى المحرقة، ولكن أيضًا إلى العلاقات الوطيدة بين الولايات المتَّحدة الأمريكية وإسرائيل.
حماس حركة غير مرغوب فيها
وما يعتبره هذان الحليفان صحيحًا يتم في العادة تبنيه واتِّباعه في بروكسل. وعلى سبيل المثال حركة حماس. فبعدما امتنعت تل أبيب وواشنطن عن الاعتراف بالفوز الواضح الذي حقَّقته الحركة في الانتخابات البرلمانية الفلسطينية قبل ثلاثة أعوام، اتَّبع الاتِّحاد الأوروبي هذا الاتِّجاه. وبهذا تحوَّلت حركة حماس إلى حركة غير مرغوب فيها وتم إبعادها سياسيًا.
وفي الوقت نفسه تجنَّب الاتِّحاد الأوروبي ممارسة أي شكل من الضغط على إسرائيل، من أجل ضمان توفير المواد الغذائية لسكَّان قطاع غزة. وعلَّلت بروكسل موقفها هذا بكلمة سرّ مفادها أنَّه يجب على حركة حماس في البدء الاعتراف بحق إسرائيل في الوجود.
وفي بروكسل لم تحدث في أي وقت أي ردود فعل تستحق الذكر على تشريد الفلسطينيين نتيجة تأسيس الدولة الإسرائيلية في العام 1948 ولا على الاحتلال وسياسة الاستيطان ولا على الانتهاك المنتظم من قبل إسرائيل لقرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتَّحدة ولا على وجود نحو أحد عشر ألف معتل فلسطيني في السجون الإسرائيلية لم يتم على الإطلاق عرض معظمهم على أي قاضٍ، ولا حتى على التدمير المنتظم للبنية التحتية الفلسطينية في الضفة الغربية في عام 2002 والآن في قطاع غزة والتي تم بناء الجزء الأكبر منها بأموال من الاتِّحاد الأوروبي.
مطالب موجَّهة إلى طرف واحد
ناهيك عن أنَّه كان يجب محاسبة الحكومة الإسرائيلية على ما اقترفته من دمار. ولكن يتم توجيه المطالب فقط إلى الطرف الفلسطيني، ولا يُطالب الطرف الإسرائيلي بشيء قطّ. وهذا يسري أيضًا على الجولة التي قام بها مؤخرًا وزير الخارجية الألماني في الشرق الأوسط. فالوزير الألماني شتاينماير يرى حلَّ الأزمة فقط في إيقاف تهريب الأسلحة إلى قطاع غزة عبر الأنفاق الموجودة. وهذا هو - حسب شتاينماير - الشرط من أجل إنهاء إطلاق الصواريخ على إسرائيل من قبل حركة حماس.
أما السؤال حول فتح المعابر الحدودية الخاصة بقطاع غزة وحول إنهاء الحصار المفروض على قطاع غزة من قبل إسرائيل وحول الآفاق السياسية وتوفير الأمن أيضًا للفلسطينيين - فما يزال غير مطروح حتى الآن بالنسبة لبرلين ولبروكسل.
القيام بدور الوسيط بدل التحيّز
والسياسة الأوروبية البنَّاءة يجب أن تقوم بدور الوسيط وليس التحيّز لطرف دون الآخر. ويجب بطبيعة الحال حمل احتياجات إسرائيل إلى الأمن محمل الجدّ. ولكن لا يجوز لهذه الاحتياجات أن تتحوّل إلى ذريعة لسياسة الاستيطان والاحتلال التي تطلب من الفلسطينيين - إذا نظرنا إلى ذلك بعين العقل - الاستسلام من دون قيد أو شرط.
ومن الممكن أن يكون إنزال اللعنة على حركة حماس أمرًا شائعًا. ولكن هذا غير مفيد؛ فمع مَنْ ينبغي توقيع اتِّفاقية سلام من أجل قطاع غزة إن لم يكن مع حركة حماس؟ والأجدر بالأوروبيين أن يكونوا على استعداد لمطالبة حركة حماس بالاعتراف بحقِّ إسرائيل في الوجود، ولكن في المقابل يجب عليهم مطالبة إسرائيل بالاعتراف بحقِّ وجود دولة للفلسطينيين.
وفي العام 2002 وعام 2007 اقترحت جامعة الدول العربية تطبيع العلاقات مع الدولة اليهودية. وفي المقابل يجب طبقًا لهذا الاقتراح على إسرائيل الانسحاب من جميع المناطق التي احتلتها في العام 1967. فلماذا لا يتم تبنِّي هذا الاقتراح؟
عملية السلام في طريق مسدودة
ومن الواضح أنَّه لم تعد توجد عملية سلام في الشرق الأوسط منذ اغتيال اسحاق رابين في شهر تشرين الثاني/نوفمبر 1995. وبدلاً عن ذلك ارتبط الأوروبيون في مبادرات إسرائيلية أمريكية مثل خارطة الطريق أو اللجنة الرباعية للسلام في الشرق الأوسط، وكلاهما لم يؤثِّرا في شيء وذلك لأنَّهما لا يملكا أي آليات لفرض عقوبات.
وهذه السياسة خاطئة لأنَّها تتخلَّى عن الإسرائيليين والفلسطينيين الذين يريدون التعايش بسلام - على أساس المساواة والاحترام المتبادل. وكذلك لا يعتبر التدخّل في أزمة الشرق الأوسط وتولي دور الوسيط فيها موضوعًا أدبيًا أو أخلاقيًا، بل يمثِّل محافظة راسخة على المصالح.
وفي أوروبا الغربية يعيش نحو اثني عشر مليون مسلم، يتضامنون مع الناس الموجودين في قطاع غزة. وكلما استمرَّت الأزمة في الشرق الأوسط لفترة أطول سوف يزداد أيضًا امتدادها في أوروبا؛ سواء على شكل جدالات واشتباكات عرقية دينية بين اليهود والمسلمين أو على شكل تهديد إرهابي.
وفي الوقت نفسه تستفيد طهران من الغضب المتزايد في العالم العربي الإسلامي، من الشعور بهذه الفجوة التي لا تحتمل بين وعود الغرب بالحرية من ناحية وبين سياسة القوة التي يمارسها الغرب على أرض الواقع من ناحية أخرى، من هذه السياسة التي سقط ضحية لها آلاف مؤَّلفة من الناس؛ في العراق وفي أفغانستان وفي لبنان وفي الضفة الغربية والآن في قطاع غزة.
ويعتقد الكاتب الإسرائيلي ديفيد غروسمانّ أنَّه سوف يبقى لإسرائيل وللفلسطينيين على أبعد حدّ ثلاثة أعوام إلى خمسة أعوام لإيجاد تسوية سلمية. وفي حال لم يتحقَّق ذلك فعندئذ سوف يكون هناك خطر يهدِّد بنشوء مجتمع قبلي مع منظومات عشائر وعصابات على كلا الطرفين، تمكن مقارنتها بالوضع في العراق وهو أمر لا يوجد لأي أحد مصلحة فيه.
ميشائيل لودرز
ترجمة: رائد الباش
حقوق الطبع: قنطرة 2009
عمل الدكتور ميشائيل لودرز أعواما عديدة مراسلاً في الشرق الأوسط لدى صحيفة دي تسايت الأسبوعية. ويعمل الآن مستشارًا سياسيًا واقتصاديًا وكاتبًا صحفيًا في برلين.