الانتخابات الهولندية بين اكتساح اليمين ومعاداة المهاجرين
٧ يونيو ٢٠١٠عرفت العاصمة الهولندية أمستردام لفترة طويلة بكونها نموذجاً ناجحاً لمدينة أوروبية تتعايش فيها الثقافات المختلفة بتناغم. إلا إن موجة الخوف من الإسلام التي طغت على طبقات المجتمع الهولندي بددت هذه الصورة. ومن المتوقع أن تلقي هذه النزعة بظلال قاتمة على الانتخابات البرلمانية، والتي ستجرى في التاسع من الشهر الحالي.
وتجرى هذه الانتخابات بعد تفكك الائتلاف الحاكم في هولندا بزعامة يان بيتر بالكينينده، والمؤلف من الحزبين المسيحي والاشتراكي الديمقراطيين، في شهر فبراير/ شباط الماضي، وذلك على خلفية عدم اتفاقهما على سياسة موحدة فيما يتعلق بالتواجد العسكري الهولندي في أفغانستان.
وتواجه هولندا حالياً عودة مجددة للتيار اليميني، إذ تشير استطلاعات الرأي في البلاد إلى تقدم الحزب اليميني الليبرالي على بقية الأحزاب، بعد اجتذابه للعديد من الناخبين من خلال وعود بتأمين 400 ألف فرصة عمل جديدة خلال الأعوام المقبلة وتصحيح العجز في ميزانية الحكومة في نفس الوقت.
من جهة أخرى يتبوأ عضو الحزب السابق خيرت فيلدرز مكانة متقدمة في المعركة الانتخابية، ناهيك عن أن حزب الحرية اليميني المتطرف، والذي أسسه فيلدرز عام 2004، يعتبر رابع أقوى حزب في البرلمان الهولندي حالياً ويحظى بفرصة جيدة للمشاركة في الائتلاف الحكومي الذي سيشكل عقب الانتخابات.
عودة اليمين المتطرف
الصورة التي يقدمها غيرت فيلدرز للناخب من خلال حملته الانتخابية تركز على شخصيته المتواضعة القريبة إلى المواطن، وتصوره كهولندي أصيل واثق بنفسه. ويطرح فيلدرز نفسه كبديل للنخبة السياسية في لاهاي، وذلك عبر رسالة واضحة وفظة في نفس الوقت، ألا وهي وقف هجرة غير الغربيين إلى هولندا، ومن المستحسن فوراً.
ويعتبر السياسي اليميني المتطرف هذه الرسالة من أهم أهدافه الانتخابية، والتي لا يرى فيها أي مشاكل حتى بالنسبة للمعايير الأوروبية، إذ يقول بأن "هناك دولاً أكثر صرامة من هولندا، مثل الدانمرك على سبيل المثال. إن السماح للجميع بالدخول ليس جيداً لهولندا".
حملة فيلدرز الانتخابية مستمرة حتى اللحظة الأخيرة، ففي مدينة تسفوله الصغيرة شمال هولندا يبدي عدد من السكان تعاطفهم مع المرشح اليميني، كبائعة الزهور في السوق، والتي تؤكد بأنها تتمنى أن يصبح خيرت فيلدرز رئيساً للوزراء، مضيفة "إنني أعتقد بأن المهاجرين يجب أن يتأقلموا مع ثقافتنا الهولندية".
هولندا تلوم المهاجرين
ومن خلال هذه الحملة يستغل فيلدرز تعاظم موجة معاداة الإسلام في هولندا، بحسب أندريه كروفيل، أستاذ العلوم السياسية في جامعة أمستردام الحرة، إذ يرسم فيلدرز صورة قاتمة لحرب عالمية بين الإسلام والمسيحية. ويضيف كروفيل: "إنه يتهم المهاجرين بالتسبب في الأزمة الحالية، وبأنهم يدمرون قيمنا المسيحية".
وتجذب هذه الاتهامات بعض الناخبين الهولنديين، وخصوصاً في ظل الأزمة المالية والاقتصادية العالمية. إضافة إلى ذلك طلب خيرت فيلدرز من معهد الدراسات الاقتصادية الخاص "نيفر" إجراء دراسة يفترض منها أن توضح ما يتم إنفاقه على الهجرة من أموال الضرائب الهولندية.
وتخلص الدراسة إلى أن هولندا تنفق حوالي 7.2 مليار يورو سنوياً على المهاجرين، والذين يحصلون بدورهم على إعانات اجتماعية أو إعانات للعاطلين عن العمل أكثر من المتوسط العام، إضافة إلى دفعهم ضرائب أقل وتكبيدهم الدولة مصاريف أكبر لمكافحة الجريمة.
التوفير من خلال الاندماج
ويطالب فيلدرز الحكومة الهولندية المقبلة بالحد من النفقات في مجالي دعم المهاجرين والمساعدات التنموية، بدلاً من معاشات التقاعد أو تمويل الدراسة. هذه المطالب لا تعتبر الآن في هولندا تطرفاً يمينياً أو عنصرية، كما يوضح الكاتب المغربي فؤاد العروي، والذي يعيش في أمستردام منذ عشرين عاماً. ويلاحظ العروي تزايداً ملحوظاً في تحفظات الهولنديين تجاه الأجانب، مشيراً إلى أنه "مطالب حالياً بتبرير كل ما يفعله، فالناس هنا لا يهمهم سوى كوني إما مهاجراً مطيعاً ومندمجاً أو إرهابياً محتملاً".
من جهة أخرى لا يعتقد العروي بأن فرص خيرت فيلدرز قوية في الحصول على منصب رئيس الوزراء، لكنه يعرب عن تخوفه من أن تنتهج هولندا في السنوات المقبلة نهجاً قومياً معادياً للأجانب يمكن لفيلدرز الانتفاع منه في الانتخابات المقبلة.
الكاتب: روت رايشتاين/ ياسر أبو معيلق
مراجعة: أحمد حسو