الشعبويون قادمون والمهاجرون مهددون بتوديع "بيلا إيطاليا"
٢٤ مايو ٢٠١٨ستُغلق "قريباً" ربما أهم بوابة دخول مهاجرين إلى الاتحاد الأوروبي، إذا ما قررت الحكومة الشعبوية القادمة في روما تطبيق برنامجها لتقييد الهجرة واللجوء. فهي توعدت بقرارات ستثير بكل تأكيد قلق الاتحاد الأوروبي وقلق المهاجرين غير النظاميين على أراضي إيطاليا، حيث يعيش كثير منهم في مراكز لجوء ليست ملائمة، أو في تجمعات مكتظة، من دون إقامات رسمية. إحصائياً وصل إلى سواحل إيطاليا منذ عام 2013 نحو 700 ألف مهاجر، من بينهم 7100 من ليبيا حطوا رحالهم في إيطاليا منذ بداية العام الجاري فقط. ومثلهم وصل 3500 من تونس والجزائر واليونان في نفس الفترة، بحسب وزارة الداخلية الإيطالية.
وإيطاليا، التي يتوق لبلوغها مهاجرون حالمون بالوصول من خلالها إلى الفردوس الأوروبي، عاشت منذ ثلاثة أشهر أزمة تشكيل حكومة، استسلمت فيها أخيراً الأحزاب الرئيسية لفشلها وتلقت ضربة موجعة، حين تلقفت الأحزاب الشعبوية المنتصرة المهمة، ممثلة بحركة خمسة نجوم "الشعبوية" وحزب الرابطة الوطنية أو رابطة الشمال "من أقصى اليمين". وبهذا تكون إيطاليا المثقلة بالديون والمشاكل قد انضمت – إذا ما صدّق البرلمان، على الحكومة، وهو أمر مرجح جداً بسبب شغل الشعبويين مقاعد الأكثرية، إلى صف دول أوروبية قد اصطفت في وقت سابق على أقصى يمين الصف الأوروبي، مثل الجارة النمسا والقريبة هنغاريا، وكلتاهما تشكوان من قضيتي اللجوء والمهاجرين.
وأثار وصول الشعبويين إلى السلطة في واحدة من أهم وأكبر دول الاتحاد الأوروبي مخاوف ألمانية، جاءت بداية على لسان ميشائيل روت، وزير الدولة للشؤون الخارجية حين صرح اليوم الخميس (24 أيار/ مايو 2018) " أن أوروبا في أمس الحاجة أكثر من السابق إلى شريك إيطالي يشغل مكاناً في قلب أوروبا ولا يهتم بخدعة الأمن القومي". مؤكداً "أن وصول الشعبويين إلى روما مدعاة للقلق".
سياسة هجرة صارمة
رئيس الوزراء الإيطالي المكلف جيوزيبي كونتي، محام وأستاذ للقانون في فلورنسا شمال إيطاليا لا ينتمي للطبقة السياسية. وهو وصل بالأمس إلى مقر الرئاسة في روما لقبول التكليف بسيارة أجرة مرسلاً إشارة إلى الناخبين، ووعد بعد ذلك بـ "الدفاع عن مصالح بلاده" في الاتحاد الأوروبي في خطابه الأول بعد تكليفه بالمهمة.
أحد أبرز المناصب الحكومية سيتولاها زعيم حزب رابطة الشمال المتطرفة ماتيو سالفيني وهي حقيبة وزارة الداخلية، ما سيسمح له بمتابعة سياسات مكافحة الهجرة الصارمة التي وعد بها. فيما يتوقع أيضا أن يرأس حليفه الجديد زعيم حزب حركة خمس نجوم، لويجي دي مايو، وزارة جديدة تشمل التنمية الاقتصادية والعمل، حيث يمكنه تنفيذ وعده الرئيسي في الحزب بتقديم إعانات الدخل الأساسية للفقراء.
ولن تكون مهمة الحكومة الجديدة سهلة البتة، فالعلاقة مع أوروبا والفقر والاقتصاد بالإضافة إلى مشكلة الهجرة، أهم ما في برنامج الائتلاف الحكومي المرتقب. ويتضمن نقاطاً تشغل عقل الناخب الإيطالي، وفيه مثلاً: "رفض اتفاقية دبلن المتعلقة بطالبي اللجوء، وإلزامية إعادة توزيع المهاجرين في الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، وتقييم إجراءات طلب اللجوء في بلد المنشأ، وتحسين الاتفاقات الثنائية مع الدول الأجنبية تجنبا لتدفق مزيد من المهاجرين، وتكوين مركز لترحيل اللاجئين في كل منطقة".
هذه الخطوات توضح إلى أين تتجه الحكومة الإيطالية القادمة بشأن ملف الهجرة، وأي مشاكل ستواجه بسببه مع الاتحاد الأوروبي. الحقوقية سلفيا فرانسسكون مديرة المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية في روما تقول لـ DW "إن الحكومة الجديدة ستحاول إثبات أنها أكثر صرامة من الحكومة السابقة بشأن موضوع الهجرة، رغم أن وزير الداخلية الحالي تمكن من الاتفاق مع السلطات في ليبيا على تقييد الهجرة، أكثر من ذلك لا يمكن عمله"، حسب رأيها.
الهاجس الأول: تخويف الناخب من الأجنبي
يوضح الدكتور خالد رواش، الناشط في شؤون مساعدة المهاجرين في إيطاليا في حوار مع DW عربية أن رابطة الشمال اعتمدت في برنامجها الانتخابي على تخويف الناخب الإيطالي من الأجنبي والمهاجر لترفع من نسبتها في الانتخابات من 4 بالمائة إلى 17 بالمائة. وبحسب رواش، فإن الحكومة القادمة تعتمد على نقطتين لنجاح برنامجها: "أولها على تغيير اتفاقية دبلن، حتى يمكن لها إخراج المهاجرين إلى أوروبا ومنعهم من دخولها مرة أخرى". وبرأيه فإن هذه السياسة تعتمد على الموقف الأوروبي في بروكسل التي لا تنظر إلى الحكومة المقبلة بعين الرضا.
غير أن إصرار حكومة روما القادمة على تغيير اتفاقية دبلن، يعني أن الكتلة الأوروبية ستواجه تحدياً جديداً بشأن ملف اللجوء والهجرة وربما سيخلط أوراق الحكومات الأوروبية الأخرى. لأن التحدي يأتي هذه المرة من ثالث دولة أوروبية من حيث الأهمية وواحدة من أهم مؤسسي الاتحاد. ما دفع سياسيين أوروبيين لدق ناقوس الخطر.
ومثلما حذر ميشائيل روت، وزير الدولة الألماني للشؤون الخارجية من "أن وصول الشعبويين إلى روما مدعاة للقلق"، حذر كذلك ساسة من المعارضة في ألمانيا من الخضوع إلى مطالب روما القادمة. إذ قالت زعيمة حزب الخضر أنالنا باربوك من أن حكومة روما "القادمة ضد الحريات ومعادية للأجانب، ومن الخطأ الانحناء أمام حكومة متشككة في أوروبا"، في تصريح لها موقع "شبيغل أونلاين".
الهاجس الثاني: الأمن ..
طالبت الأحزاب الشعبوية في برنامجها بأن تكون "الخطب الدينية باللغة الإيطالية، واقترحت إلزامية إجراء استفتاء قبل بناء مساجد جديدة في إيطاليا". ويوضح الدكتور خالد رواش لـDW عربية، أن الأحزاب المكلفة بتشكيل الحكومة نجحت في خطف الفوز من خلال ملف الأمن. خصوصاً وأن زعيم رابطة الشمال ماتيو سالفيني سيأخذ منصب وزارة الداخلية "ولهذا سيكون هناك تشدد أمني في النواحي الاجتماعية والدينية". ويضيف أن "اليمين (المتطرف) عمل على تسويق أن الأعمال الإرهابية تخرج من المساجد، وهي نقطة حساسة بالنسبة للإيطاليين. وهم (الشعبويون) يريدون وضع المساجد تحت السيطرة الأمنية. كما يجب أن يكون هناك سجل للأئمة، ولا يسمح لكل شخص بلعب دور الإمام".
لن تكون مهمة الحكومة القادمة في روما سهلة إن حاولت تغيير اتفاقية أوروبية مهمة مثل اتفاقية دبلن، ونفس الصعوبة ستواجه القوى الأوروبية الأكبر ممثلة بألمانيا وفرنسا في الضغط على حكومة روما القادمة، وربما سيكون لأي ضغوط أوروبية تفاعلاً عكسيا، "لأن الإيطاليين لا يحبون التدخل في شؤونهم"، كما يقول مراقبون.
الشعبويون في أوروبا يتحدثون عن عودة "بيلا إيطاليا" أي "إيطاليا الجميلة"، بينما يراهن معارضوهم على بقاء "بيلا إيطاليا" من دون سيطرة الشعبوية عليها. ويعتقد الدكتور خالد رواش المقيم في إيطاليا أن "إيطاليا الجميلة" ستبقى "لأن الأحزاب السياسية والمجتمع المدني سيخوضون معركة قوية معارضة لاتجاهات هذه الحكومة" بالذات، لأن مراقبين اقتصاديين يرون أن خطط الحكومة القادمة المالية لا يمكن تنفيذها أبداً.
عباس الخشالي