المفقودون في الجزائر بين مطالب لكشف الحقيقة ودعوات لنسيان الماضي
٣ أكتوبر ٢٠١٢تظاهر في الجزائر العاصمة العشرات من أفراد عائلات المفقودين خلال العشرية السوداء بمناسبة الذكرى السنوية السابعة لتبني "ميثاق السلم والمصالحة الوطنية" والتي تتزامن مع 29 سبتمبر/ أيلول. وحمل المتظاهرون، الذين قدموا من مختلف ولايات إلى العاصمة، صورا لأقربائهم المفقودين، مطالبين الدولة بكشف حقيقة اختفاء ذويهم ورددوا شعار "الحقيقة قبل المصالحة".
يأتي تحرك أهالي المفقودين بعد أيام قليلة من موافقة الحكومة الجزائرية على استقبال مجموعة عمل أممية للمساعدة في البحث عن المفقودين خلال زيارة المفوضية الأممية لحقوق الإنسان السيدة "نافي بيلاي"، والتي أكدت خلالها على موافقة الجزائر رسميا على استقبال وفد حقوقي أممي لبحث ملف المفقودين. وصرحت بيلاي لوسائل الإعلام "أنا مسرورة لأعلن تأكيد وزير الخارجية مراد مدلسي، استعداد بلاده لاستقبال مجموعة عمل من أجل بحث مسألة المفقودين". غير أنها لم تكشف عن طبيعة وهوية الوفد الذي من المفترض أن يصل الجزائر في غضون أيام.
"الكشف عن الحقيقة قبل المصالحة"
ورحبت جمعيات حقوقية بزيارة الوفد الأممي للتحقيق في الاختفاءات القسرية التي حدثت في الجزائر خلال الفترة 1992-2002 وطالبت في بيان تلقت DW عربية نسخة منه السلطات الجزائرية "بعدم اعتراض عمل اللجنة تحت أي حجة أو سبب، وتسهيل عملها دون أي قيد أو شرط". كما حذرتها من "كل تسوية خارج نطاق العدالة، وفي غياب مبدأ كشف الحقيقة الكاملة حول ظروف اختفاء آلاف الجزائريين"، معتبرة أن ذلك "محاولة يائسة لطمس ملف أخذ أبعادا دولية وقنبلة موقوتة قد يصعب على الأجيال القادمة تحمل عواقبها".
من جهته، اعتبر بوجمعة غشير، رئيس الرابطة الوطنية لحقوق الإنسان، زيارة الوفد الذي سيرأسه المفوض الأممي للإختفاء القسري "خطوة تاريخية" جاءت بعد سنوات من رفض الجزائر المطلق لزيارة هذا المسؤول الأممي للتحقيق في هذا الم الملف. وقال في حديث لـDW عربية "يجب على السلطة أن تتحلى بالشجاعة وتعلن عن مصير المفقودين. وإن كانوا قد ماتوا، فعليها أن توضح مكان دفنهم حتى يستطيع أهاليهم إقامة العزاء. وتعتذر الدولة رسميا على ما حدث لهم وتغلق الملف نهائيا". وشدد على أن"ما تطالب به جمعيات المفقودين هو الحقيقة ومحاسبة المتورطين في هذه الاختفاءات".
وحول نوايا السلطات الجزائرية الحقيقية من وراء توجيه الدعوة للوفد الأممي للتحقيق في ملف المفقودين، قال الأستاذ غشير "من السابق لأوانه الحكم على نوايا السلطة في الوقت الراهن، وعلينا أن ننتظر إلى غاية الانتهاء من التحقيق وإصدار التوصيات، حينها فقط تنكشف حقيقة النوايا".
"الحل هو في طي صفحة الماضي"
أما فاروق قسنطيني، رئيس اللجنة الاستشارية لحقوق الإنسان، وهي هيئة حكومية، فلا يرى جدوى من إعادة النبش في ملف المفقودين، لافتا إلى أن القضايا المرتبطة بالملف قد تمت معالجتها بنسبة 95 بالمئة، أما النسبة المتبقية فمتعلقة بحالات مستعصية "لا نملك أي دليل أو وثيقة عنها". وأضاف قسنطيني في حديث لـDW عربية حول الحضور المنتظر للوفد الأممي: "ليس لدينا أي عقدة في هذا الشأن، وسوف نقدم لهم كل المعطيات المتعلقة بملف المفقودين، وإذا جاءت اللجنة بآراء وحلول جديدة، فهو بلا شك مكسب للجزائر ولحقوق الإنسان".
وفي رده على مظاهرات عائلات المفقودين ومطالبهم بالحقيقة والعدالة، قال قسنطيني "إن مطالب هؤلاء غير عقلانية، ولم يقدموا لنا أي دليل أو أسماء لأشخاص أو هيئات قامت باختطاف أبنائهم، فنحن نتحدث عن مرحلة كان المفقود الأول فيها هو الدولة الجزائرية". ولم ينكر قسنطيني حدوث تجاوزات كثيرة قام بها الأعوان خلال الحرب على الإرهاب، لكنهم "لم يتركوا أي دليل أو أثر يساعد على إدانتهم، فكيف يمكننا أن نحاسب ونعاقب دون دليل".
واعتبر قسنطيني أن لجنته قدمت كل ما استطاعت تقديمه لهذه الفئة، وأن الدولة اعترفت بالمسؤولية المدنية عن حالات الاختفاء، وعلى أساسه تم تعويض أهالي المفقودين. ويبقى الحل الوحيد "هو طي صفحة الماضي لأنه لا يوجد دولة في العالم، وقعت بها حرب، قد عُرف فيها مصير كل المفقودين."
"السلطة تحاول ذر الرماد في العيون"
من جهته، وصف مصطفى بوشاشي، النائب بالمجلس الشعبي الوطني والناشط الحقوقي، قرار الجزائر بدعوة الوفد الأممي لإجراء تحقيق حول المفقودين ب"الأمر بالإيجابي، لكنه غير كاف". وقال في لقاء مع DW عربية: "لا توجد إرادة سياسية حقيقية للتكفل بالملف، وكل ما تم القيام به هو مجرد ذر للرماد في العيون".
ويوضح بوشاشي قائلا: "السلطة الجزائرية لازالت تغلق الطريق في وجه التعبير السلمي لعائلات المفقودين، وتضع قيود على الناشطين في مجال حقوق الإنسان الذين يتعرضون باستمرار للمتابعة القضائية والسجن". وأعرب عن اعتقاده بأن الطريق الأمثل لحل ملف المفقودين بطريقة جذرية وشاملة "لن يكون إلا بالحقيقة والعدالة"، أما غير ذلك فهو "كسب للوقت وإضاعة للجهد".
وتُقدّر السلطات الجزائرية عدد المفقودين، الذين تم إحصائهم، بــ6541 مفقودا إلى غاية 2011 من بينهم 6400 مفقود استلمت عائلاتهم محاضر إثبات وتم تعويضها ماديا، بينما لم تتحصل عائلات حوالي 140 شخص على تلك المحاضر بسبب عدم وجود أسماء ذويهم ضمن قوائم المفقودين لدى مصالح الأمن المعنية.
ولا تزال عائلات 24 مفقود تطالب بمعرفة "الحقيقة وتطبيق العدالة "حول ظروف اختفاء أبنائها في إطار جمعيات المفقودين. وتطالب عائلات المفقودين، بما فيها تلك التي قبلت التعويض، من السلطات الجزائرية بالحصول على جثث ذويها لتتمكن من إعلان الحداد عليهم.