تطورات مفاجئة تلقي بظلالها على الساحة السياسية في ألمانيا
تصفيق حار لرئيس الحزب الاشتراكي الديمقراطي المعين ماتياس بلاتسيك الذي رشحه حزبه ليخلف رئيسه المستقيل فرانس مونتيفيرينغ في هذا المنصب. بلاتسيك، رئيس حكومة ولاية براندنبورغ، الذي لاتكاد تعرفه إلا قلة قليلة من الشعب الالماني حصل على تصفيق حار من "خصم الأمس" أيضا، من الحزبين المسيحي الديمقراطي والاجتماعي بزعامة ميركل وشتويبر. أصوات المرحبين والمادحين تنهال من كل صوب وحدب ولا أحد يعرف السبب الحقيقي لذلك.
هل هو بالفعل الشخص المناسب والمؤهل من حيث أفكاره وشخصه وتاريخه السياسي والحزبي المتواضع ليقود أقدم وأعرق حزب في ألمانيا في هذا الوقت العسير بالذات؟ أم ان ذلك الترحيب هو فقط من أجل انقاذ ماء الوجه وانقاذ فرصة تشكيل تحالف كبير بزعامة أنجيلا ميركل؟ أهو رجل المرحلة فقط أم أنه انه رجل الحاضر والمستقبل وسيكون حتما مرشح حزبه لمنصب المستشار في يوم من الأيام. أصوات الاعضاء الشباب في الحزب الاشتراكي الديمقراطي عبرت عن دهشتها للقرار، حتى أن احد الأعضاء لم يعرف اية ولاية يتولى بلاتسيك حكمها الآن. لا أحد يريد أن يقلل من قدرات بلاتسيك، لكن المؤهلات والمعطيات التي كانت تؤهل شخصا لأن يكون على رأس حزب كبير ومهم جدا تغيرت على ما يبدو بالكامل. المفارقة الملفتة حقا للنظرعلى الساحة السياسية الالمانية هي أن أكبر حزبين في ألمانيا يُحكمان من قبل شخصيات عاشت وتعلمت في ألمانيا الشرقية سابقا، والحديث هنا عن أنجيلا ميركل وماتياس بلاتسيك.
خطوة الى اليسار؟
بعد ترشيح أندريا نالس، المحسوبة على جناح اليسار، لمنصب أمين عام الحزب الاشتراكي الديمقراطي ظن الجميع أن بوصلة الحزب السياسية أخذت تتجه يسارا، الأمر الذي حدا بأعضاء في الحزب المسيحي الديمقراطي يصفون مسألة تشكيل حكومة ائتلافية مستقرة على مدى الاربع سنوات القادمة "بالصعبة" وأحيانا "بالمستحيلة." الا أن اختيار بلاتسيك المحسوب على التيار الوسطي المعتدل لمنصب رئيس الحزب هوّن من مخاوف الجناح المحافظ في الحزب ومن مخاوف الحزبين المسيحيين، وهذا هو على ما يبدو سبب ترحيب وتصفيق الجميع مسيحيين واشتراكيين ديمقراطيين للرئيس الجديد. بلاتسيك نفسه يقود تحالفا في ولايته براندنبورغ يجمع الحزبين الكبيرين، ولهذا فان فكرة اقامة تحالف كبير على مستوى الحكومة الاتحادية فكرة مستصاغة جدا لديه. ومن الجدير ذكره أن أندريا نالس تخلت بعد التطورات الدراميتيكية الأخيرة عن منصب الامين العام للحزب لتكون مستقبلا احدى نواب رئيس الحزب.
تطورات لا تدعو للتفاؤل
التطورات الاخيرة على الساحة السياسية الالمانية ومنها: أولا: استقالة زعيم أحد أهم الاحزاب في أوروبا، الحزب الاشتراكي الديمقراطي الالماني، فرانس مونتيفيرنغ فقط بعد 20 شهرا من توليه هذا المنصب، وفقط لمجرد عدم تمكنه من تمرير مرشحه لمنصب أمين عام الحزب بالرغم من معرفته المسبقة بأن مرشحه لا يحظى بدعم أغلبية الهيئة الادارية. مونتيفيرنغ يعرف تماما كم كان حزبه بحاجة له في هذا الوقت بالذات ويعرف تماما أنه أحد أهم مهندسي التحالف الكبير الذي مازال يراوح مكانه وبحاجة لدعم مضاعف من اللاعبين الرئيسسين بعيدا عن المصالح الحزبية والشخصية الضيقة من أجل المانيا. ثانيا: ادموند شتويبر، رئيس حكومة ولاية بافاريا وزعيم الحزب الاجتماعي المسيحي يرجع عن قراره بتولي منصب وزير الاقتصاد والتكنولوجيا في الحكومة المقبلة ويعود الى ميونخ من جديد. السبب الذي ساقه شتويبر لقراره هذا هو استقالة مونتيفيرنغ عن رئاسة الحزب الاشتراكي الديمقراطي، وهو سبب لا يكاد يقنع الهواة في السياسة، فكيف اذا بأعضاء حزبه وحكومته المحترفين. بعض المحللين يرى أن السبب الحقيقي وراء ذلك هو شعور شتويبر أن التحالف الكبير إما انه لن يرى النور أبدا أو انه سيفشل بعد فترة قصيرة ويقف عندها شتوبير خالي الوفاض، فقبل أن يعود الى بافاريا بخفي حنين، يعود الآن الى مكانه كرئيس للحكومة. قمة الانانية أم قراءة دقيقة للواقع؟
أين "المستشارة" من هذا وذاك؟
هذه التطورات الساخنة على الساحة السياسية الالمانية لم تحرك ساكنا في المستشارة "المقبلة" أنجيلا ميركل. ولكن لا شك أن موقفها صعب للغاية، واية كلمة واي تعليق منها قد يزيد الامور تعقيدا. هي تبدو الآن كقائدة الجيش المقبلة على خوض معركة حاسمة وقد أخذ فرسانها يمينا وشمالا بالانسحاب والتراجع، وهي بهذا الوضع قد حققت الكثير(أن تكون على رأس الجيش مثلا)، ولكنها لم تفز بأي شيء. هذا الصمت يحير بعض المراقبين، وكأن لسان حالها يقول: دع الفئران ترقص على المائدة ليلا حتى تعود القطة صباحا. أم هو الحدس بأن طريق تشكيل تحالف لم يروج له أحد ولا يرغبه أحد قد أخذ يزداد وعورة لدرجة أن السير فيه أصبح غير ممكن. الجميع ينتظر الخطوة القادمة، وتكهنات بان تكون تلك الخطوة هي الدعوة الى انتخابات مبكرة في شهر مارس/آذار القادم. عندها فقط سوف ترقص الفئران ليلة وليلتين وثلاث على المائدة، فالقطة لن تعود في القريب العاجل.
ناصر شروف/ دويتشه فيله