تعاطي وسائل الإعلام النقدي مع أخطائها ضرورة ماسة

صرح مارك فيتاكر رئيس تحرير مجلة "نيوزويك" في عددها الجديد، الصادر يوم 16 مايو/أيار 2005 أن هيئة تحرير المجلة تعتقد، على ضوء قيامها بإعادة تقييم مصدر معلوماتها، أن التقرير الذي نشرته كان خاطئاً. وقدم رئيس التحرير اعتذاره وأسفه الشديد لما أسفرت عنه تلك الأنباء "الخاطئة" من وقوع ضحايا، لاسيما في أفغانستان. وجاء في الاعتذار أن الموظف الأمريكي الذي زود المجلة بالمعلومات لم يكن متأكداً من صحتها.

وعمت موجة استنكار عارمة الأسبوع الماضي أرجاء العالمين العربي والإسلامي بعد أن نقلت وكالات الأنباء العالمية، استنادا إلى مجلة "نيوزويك" الأمريكية الصادرة في 9 مايو/أيار 2005، أخباراً مزعجة حول قيام بعض جنود الجيش الأمريكي في قاعدة جوانتانامو الأمريكية بكوبا بتدنيس المصحف الشريف وإلقائه في المراحيض، بقصد إذلال السجناء المسلمين. وفي غضون ذلك اشتعلت جذوة مظاهرات معادية لسياسات الولايات المتحدة قضى خلالها 17 شخصا على الأقل نحبه وجُرح فيها المئات.

مصداقية "نيوزويك" في خطر

وبالتأكيد لم يكن سهلاً على رئيس تحرير المجلة ذائعة الصيت الاعتراف بهذا الخطأ وسحب التقرير المنشور، لأنه بذلك يغامر بالمصداقية مجلته الصحفية، بالإضافة إلى أنه يخاطر بوظائف عمل وغرامات مالية من الممكن أن تتكبدها المجلة بعد التحقيقات المزمع إجرائها لكشف خبايا هذه القضية. التقرير، الذي قام أحد أبرز الصحفيين في مجلة "نيوزويك" بكتابته، استند بالدرجة الأولى، على مقولة موظف في البنتاغون طلب عدم الكشف عن اسمه. وكان هذا الشخص في الماضي مصدراً موثوقا للمعلومات. كما يعد هذا الشخص "مصدر حكومي رفيع المستوي موثوق به لازال بالإدارة ومطلع علي هذه المسائل".

أخطاء صحفية فادحة

لقد قامت هيئة تحرير مجلة "نيوزويك" بارتكاب أخطاء صحفية فادحة، لعل أهمها عدم احترام القاعدة التي تنص على أنه يجب على المحرر توخي الحذر بخصوص الأخبار التي يتم الحصول عليها من مصدر واحد. ومن الواضح أن مجلة "نيوزويك" أصبحت الآن في وضع لا تحسد عليه. فبالرغم من تراجعها عن التقرير، مازال هناك الكثير ممن يعتقدون بصحة المعلومات حول قيام جنود الجيش الأمريكي في قاعدة جوانتانامو بتدنيس المصحف الشريف، وهو ما يلقي بظلاله على مصداقية الصحيفة. وتجدر الإشارة في هذا السياق أنه بعد انتشار أنباء فضحية معتقل أبو غريب في العراق، وما كُشف عنه من انتهاك الجنود الأمريكيين لحقوق الإنسان الأساسية في معتقل جوانتانامو وغيرها، بات من السهل على المرء أن يصدق أن مسألة تدنيس القرآن الكريم ليست إلا مجرد فصل في قصة أبدية سخيفة.

كما إزدادت هذه الشكوك بعد أن وردت تقارير من أشخاص أفُرج عنهم من معتقل جوانتانامو، أكدوا فيها أن الأمريكيين يقومون، مراراً وتكراراً، بإهانة الديانة الإسلامية داخل المعتقل، وأن تدنيس القران أحد أساليب هذه الإهانة وجزء لا يتجزأ من حرب أعصاب يشنها الجنود ضد نزلاء المعتقل.

عداء واضح رغم تكذيب الخبر

المسلمون الذين خرجوا للتظاهر في مدن مثل جلال أباد وكابول وإسلام أباد لم يقروا جميعاً ذلك التقرير المُكذب، ولكن وجوده فحسب كان دافعا لإثارة مشاعرهم الغاضبة المكبوتة ضد المتسببين في الكارثة المزعومة وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية والقادة المحليين، لاسيما الرئيسين برويز مشرف وحامد كرزاي. وكلما تزايد عدد الساخطين الذين يلقون مصرعهم في مثل هذه الأحداث الناجمة عن أخبار غير صحيحة، كلما اهتزت صورة واشنطن في العالم العربي والإسلامي وازداد الكره تجاه سياستها ونفوذها في المنطقة. وهذه المشاعر لن تتلاشى بمجرد سحب تقرير، فضلاً على أن سحب التقرير أو تكذيبه لن يتمكن من إحياء الأموات الذين سقطوا ضحية لهذه الأخبار "الكاذبة".

الإعلام عنصر فعال في صياغة المفاهيم

لا شك أن لوسائل الإعلام تأثير كبيرفي توجيه الرأي العام، وهى بالتالي بمثابة العنصر الفعال في صياغة المفاهيم وتكوين الآراء حول موضوع ما، الأمر الذي يجعل لها دوراً مؤثراً في المجتمع. فضيحة مجلة "نيوزويك" ليست السابقة الأولى التي تقوم فيها صحف أمريكية بنشر أخبار غير صحيحة حول موضوع ما يتعلق بمشاعر العرب والمسلمين. فلا يمكن للمرء أن ينسى ما قامت به الحملة الإعلامية الأمريكية قبل الحرب على العراق وما خلفته من عداء ضد العرب والمسلمين داخل المجتمع الأمريكي ناجم عن نشر معلومات وأخبار غير صحيحة عن الإسلام بعد اعتداءات الـ11 من سبتمبر/أيلول 2001. وهو ما دفع، بشكل غير مباشر، بعض المواطنين الأمريكيين لممارسة العنف ضد مواطنين مسلمين لا حول لهم ولا قوة، من أبناء الولايات المتحدة.

كما لعبت مثل هذه الأنباء دوراً فعالاً في تعبئة الشعب الأمريكي وتبرير الحرب ضد نظام طالبان في أفغانستان، وضد نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين، التي مازلنا نعايش نتائجها حتى الآن. والجدير بذكره في هذا الصدد أن صحف أمريكية كثيرة مثل صحيفة "نيويورك تايمز" و "واشنطن بوست تخصص ملحقاً خاصاً على شبكة الانترنت من أجل تصحيح معلومات نشرتها من قبل. وعلى الرغم من خطورة هذه الأخطاء تبقى وسائل الإعلام اللاعب الأهم في عملية إعادة رسم الصورة وتصحيح المفاهيم الخاطئة.

علاء الدين سرحان