رشا حلوة: الحب في مواجهة اللجوء والهجرة
٢٠ يونيو ٢٠١٨يحمل الانتقال من البلد الأصلي إلى مكان آخر معه أبعاد كثيرة، تؤثر على الفرد، مشاعره، أفكاره وحياته. لربما، الانتقال القسري من مكان إلى آخر يختلف عن الاختياري بوقعه على الفرد، لكن ضمن كلاهما، تتغيّر مفاهيم كثيرة عند المهاجر، رؤيته عن الحياة بحقولها المتنوعة، بما في ذلك عن العلاقات العاطفية والحبّ.
تختلف أشكال التنقل من مكان إلى آخر، كما تختلف أشكال الحبّ. إلّا أن الحبّ في حيواتنا غالبًا، يأخذ شكل العلاقات الثنائيّة، سواء بين رجل وامرأة، بين امرأة وامرأة وبين رجل ورجل (وفقًا لتعريف البشر لهوياتهم الجنسية والجندرية)، وكذلك المستقرة، بمعنى أن التعامل مع الحبّ غالبًا يكون من خلال البحث عن أمان عاطفي يضمن استقرار في الحياة، سواء ماديًا أو في المكان/ البيت.
لكن كيف يكون البحث عن هذا الاستقرار في ظلّ الهجرة واللجوء؟ هل تساهم هذه الحركة في التمسك أكثر بأهمية البحث عن الاستقرار في الحب رغم ظروف التنقل وعدم الثبات؟ أو هل غيّرت الهجرة نظرتنا إلى العلاقات العاطفية والحب؟ خاصّة كنساء، حيث قسم كبير من مجتمعاتنا ترى في كياناتنا أهمية، فقط عندما نكون زوجات وأمهات "مستقرات".
نورهان، وهي مصرية تعيش بين مصر والإمارات، تقول إن هذا الانتقال أثرّ على نظرتها للعلاقات العاطفية، وتضيف: "لأني أرى أن العلاقة العاطفية تحتاج إلى استقرار، ولا يمكن أن أدخل في علاقة في ظلّ الشتات الذي أعيشه بين بلدين. كما أني كلاسيكية جدًا مقارنة بمعايير هذه الأيام، لا أفضل مواقع المواعيد العاطفية الإلكترونية مثلًا، أفضل أيضًا أن أقطع على نفسي إمكانية الدخول في علاقات عاطفية في الغربة، كي لا أعرض نفسي لانتكاسات نفسية، وما أكثرها في الحب!"
الهجرة إلى مكان آخر، حتى لو كانت اختيارية، تحتاج إلى الاعتياد على البيئة الجديدة وثقافتها. هنالك من يقول بأن الحب لا يحتاج إلى لغة مشتركة، وإن نجح الأمر مع كثيرين، لكن هنالك من يحتاج إلى لغة وثقافة مشتركة كي يحبّ. زينة، وهي سورية تعيش في التشيك، على الرغم من جوانب إيجابية تعيشها في اللجوء، إلا أن ما يتعلق بالعلاقات العاطفية والحب، فالأمر ليس كذلك. تقول: "في المكان الذي أنا فيه حاليًا، لا أشعر بأني قادرة على الارتباط، حتى لو كانت علاقة عابرة بشخص غير عربي أو غير سوري، لأني أحتاج إلى شخص قريب مني اجتماعيًا وثقافيًا ومن المعرفة لظروفي كسورية".
قرار زينة هذا ليس سهلًا أيضًا، خاصة في ظل تأثير اللجوء على الناس وحيواتهم، فتقول: "بالمقابل، السوريّون في أوروبا غير متوازنين، ولا يوجد استقرار نفسي وعاطفي كأساس لبناء علاقة، لأننا جئنا من صدمات مختلفة. الظروف التي نعيشها اليوم هي الأصعب لتكوين أسرة ولإيجاد شريك حياة، وحتى وإن وجدتي الحبّ، فسيكون من الصعب أن تكونا سوية بسبب السفر والحركة، وبسبب السفر، لا يمكن أن تجدي شريكًا في المكان الذي أنت فيه. جئت إلى هنا في بداية الثلاثينات من عمري، ويجب أن أتعرّف على هذا المجتمع من البداية، ولذلك، لا يمكن أن أدخل في علاقة عاطفية متينة بلا أن أشكل ارتباطًا مع محيطي الجديد".
المعادلة بين المحيط الجديد والحبّ، خاصة في ظل الهجرة، تفتح للبعض مجالًا للأسئلة حول حضور ثقافات أخرى للناس في علاقاتنا العاطفية. بالنسبة لخولة، وهي فلسطينية تعيش في ألمانيا، فإن اللجوء كان إيجابيًا في الشقّ العاطفي منه، عن هذا تقول: "إن تجريب الحب في ثقافات ولغات أخرى، لم أكن أعرف أهميته وقيمته من قبل، عندما وصلت إلى ألمانيا، أردت أن أرتبط عاطفيًا فقط برجال من ثقافتي، لكن مع الوقت، رأيت أن الارتباط برجال من ثقافات أخرى هو مساحة جديدة للمعرفة، خاصة الذين يعيشون هجرة من نوع آخر في مدينة مثل برلين، تخلق مساحة مشتركة ومستقرة بيننا في ظلّ الشتات الذي نعيشه".
بالنسبة للينا، وهي سورية تعيش في فرنسا، كان للهجرة أيضًا مساحة إيجابية تتعلق بالحب، عن هذا تقول: "لم أكن أعرف، قبل الهجرة القسرية، ماهية الاستقلالية. طريقي باختيار الرجال، اختلفت، أصبحت قادرة اليوم أن أكون لوحدي، لست مضطرة للبحث على سند مادي، طالما أنا مستقلة، أستطيع أن أدبر أموري بنفسي، أن أختار من أحبّ، رؤيتي للحب تغيّرت، أصبحت مشاركة وحياة سوية وليست اتكالية على الرجل. علّمتني الغربة أن أختار رجلًا مستقلًا، مثلما علمتني أن أكون مستقلة".
بالطبع، هنالك تأثيرات متنوعة للهجرة على العلاقات العاطفية والحب، ورؤيتنا عنها، للبعض، ضعضع فعل الانتقال هذا، القسري أو الاختياري، رؤيتهن لهذه المساحة العاطفيّة، وللبعض، على رغم من كل الكوارث، زادت الظروف تمسكهن بالحب والحفاظ عليه. تقول ليلاس، وهي فلسطينية سورية تعيش في هولندا: "الحبّ لا علاقة له إلا بالشخصين. بإمكانك أن تسمعي أن الحرب جعلتني أقوى، والهجرة كذلك، أو مثلًا أثرّت على حبّ اثنين، لكني برأيي هذا كله لا يؤثر، إنما الذي يؤثر هو قدرة الشخصين على تحمل الضغوطات التي تأتي أثر كل هذا، وقدرة الفصل بين المشاكل بسبب الضغط النفسي والعملي، أو المشاكل التي تأتي بسبب عدم قدرة أحد الشخصين على حب الآخر. بالنسبة لنا، لي ولزوجي، أستطيع أن أقول أن حبّنا زاد بعد سنوات الغربة، وهذا ما يجعلنا نرى بأنفسنا عاشقين، لا مهاجرين".
في حديثنا عن تأثير الهجرة على العلاقات العاطفية والحبّ، من المهم ذكر اللواتي سافرن وهاجرن بحثًا عن الحبّ أو من أجل الالتقاء به وبناء حياة مستقرّة، قدر المستطاع في هذا العالم، وعلى الرغم من أنّه موضوع آخر، لكن الإشارة إليه في هذا السياق ضرورة لشكل حيواتنا اليوم، نساء ورجال، في عصر الإنترنت والهجرة من خلال الحبّ، حتى لو كنا نجلس في بيوتنا خلف شاشات الحاسوب. وكما هجرة الجسد قادرة أن تؤثر على العلاقات العاطفية وتعاملنا مع الحبّ، كذلك الحبّ، قادر أن يحملنا من بلادنا الأصلية إلى أخرى، فغالبًا، بالإبحار معه، أي مع الحبّ، هجرة أيضًا.
رشا حلوة
* الموضوع يعبر عن وجهة نظر كاتبته وليس بالضرورة عن رأي مؤسسة DW.