صانع الملوك.. الحزب الليبرالي الألماني يستعد للعودة
٢٣ سبتمبر ٢٠٢١تتوالى التوقعات بأن للانتخابات العامة في ألمانيا التي ستجرى الأحد المقبل سوف تمهد الطريق أمام حقبة جديدة تعيد رسم الخريطة السياسية للبلاد بشكل جذري. بيد أن الحزب الديمقراطي الحر، أي الحزب الديمقراطي الليبرالي يأمل في استعادة بريقه المفقود وقوته السابقة إذ كان هذا الحزب الليبرالي الذي يروج للسوق الحرة في السابق مكونا ثابتا في الحكومات الألمانية وفي الغالب كان شريكا صغيرا للحزب المسيحي الديمقراطي المحافظ.
وتشير استطلاعات الرأي الحالية إلى أن "الائتلاف الكبير" بين الحزب المسيحي الديمقراطي والحزب الاشتراكي لن يكون بمقدوره الوقوف على قدميه خلال الفترة التشريعية المقبلة، لا سيما في ظل غياب ميركل التي تحظى بشعبية كبيرة والتي قررت مغادرة منصبها بعد 16 عاما في السلطة.
وقبل بضعة أسابيع من إجراء الانتخابات، خرجت استطلاعات الرأي لتقول إنه من غير المحتمل أن يحصل أي ائتلاف مكون من حزبين على الأغلبية الضرورية أو على نسبة أكثر من 50 بالمائة لتشكيل الحكومة. وهذا ما يرجح أن يخرج عن رحم الانتخابات ائتلاف مكون من ثلاثة أحزاب.
وإزاء ذلك، أعرب الحزب الديمقراطي الحر عن استعداده للاصطفاف وراء الحزب المسيحي أو الحزب الاشتراكي أو حتى وراء حزب الخضر.
لا يوجد أحزاب تحظى بالأغلبية
وفقا لاستطلاعات الرأي، فإن نسبة التأييد للحزب الديمقراطي الحر ما بين 11- 13 بالمائة في الوقت الحالي فيما يضع الحزب المشهد السياسي الجديد التي ستسفر عنه الانتخابات نصب عينه.
يشار إلى أن الحزب شريك ائتلافي في حكومة مرشح الحزب المسيحي الديمقراطي أرمين لاشيت بولاية شمال الراين-فستفاليا، بيد أن هناك حكومات محلية في ولايات أخرى مثل راينلاند بالاتينات حيث انضم الحزب مع الحزب الاشتراكي وحزب الخضر فيما تحالف أطلق عليه اسم "تحالف إشارة المرور".
وتعود تسمية هذا التحالف بهذا الاسم إلى الألوان التقليدية التي ترمز للأحزاب الثلاثة المنضوية في التحالف إذ أن الأحمر للحزب الاشتراكي والأخضر لحزب الخضر والأصفر للحزب الديمقراطي الحر.
وخلال الانتخابات الماضية عام 2017، أضاع الحزب الديمقراطي الحر فرصة تشكيل ائتلاف مع تكتل كان ينبغي أن يضم الحزب المسيحي الديمقراطي وشقيقه البافاري الاتحاد الاجتماعي المسيحي إضافة إلى حزب الخضر.
وخلال الفترة التي أعقبت انتخابات 2017 وبعد أربع أسابيع من المفاوضات المضنية، خرج رئيس الحزب الديمقراطي الليبرالي كريستيان ليندنر ليعلن انسحابه وفشله من جانب واحد إذ ردد عبارة "من الأفضل ألا تحكم على الأطلاق من أن تحكم بطريقة خاطئة".
وقد مثلت هذه الخطوة مفاجأة من عيار ثقيل للكثيرين وفي المقدمة قادة الأحزاب الأخرى المعنية.
ماذا يريد الحزب الديمقراطي الحر؟
ووصف البعض أن قرار ليندنر بالخطأ التكتيكي وأن بيانه كان شعبويا ومناهضا للتيار السائد في ذاك الوقت، بل وأتى بنتائج عكسية في مناخ حقق فيه حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني المتطرف نجاحات انتخابية.
لكن بالنظر إلى هذا الأمر بعيون الحزب ذاته فقد يبدو منطقيا إذ أن الحزب منى بكارثة انتخابية عام 2013 بعد أن فشل في الوصول إلى عتبة 5 بالمائة من الأصوات في أنحاء البلاد وبالتالي فقد الحزب كافة مقاعده في البرلمان الألماني (البوندستاغ) لأول مرة منذ تأسيسه عام 1948.
وقد عزا هذا الأمر في حينه إلى القيادة الضعيفة للحزب من قبل رئيسه في ذاك الوقت فيليب روسلر- نائب المستشارة ووزير الاقتصاد الأسبق.
لكن قيادة ليندنر الذي خلف روسلر في رئاسة الحزب من عام 2013 تميزت بسلوك أكثر قوة وصرامة أو حتى عدوانية إذ كان متحدثا قويا وحادا تحت قبة البرلمان. وقد عمد إلى تطوير سياسة تستميل أحزاب المعارضة وتنتقد بشدة سياسة الائتلاف الحاكم في كافة القضايا.
وخلال العام الماضي، شن هجوما على إجراءات الحكومة الخاصة بفيروس كورونا.
وقد أوضح ليندنر ذلك في خطاب ألقاه في مؤتمر للحزب في مايو / آيار الماضي إذ قال إن الحزب الديمقراطي الحر "سيبحث عن بدائل أكثر اعتدالا لإجراءات الإغلاق العام .. وقد أثبت الوباء أنه عندما يتعلق الأمر بحقوق المواطنين فيمكن الاعتماد على الديمقراطيين الليبراليين .. وأن هذا الوضع الاستثنائي شوّه الليبرالية في بلادنا".
وقد ينظر إلى هذا الأمر باعتباره محاولة من الحزب لكسب ود الأصوات الرافضة لإجراءات الإغلاق، إلا أن هذا النمط يتماشى إلى حد كبير مع مبادئ الحزب التي تتمثل في الحد من سلطة الدولة.
وقد أعتبر الفشل الانتخابي عام 2013 بمثابة صدمة حقيقية لأن الحزب الديمقراطي الحر قد عمد على تصوير نفسه وترسيخ صورته منذ فترة طويلة باعتباره جزءا لا يتجزأ من المؤسسة السياسية في البلاد وهي الصورة المتجذرة منذ الثورات الديمقراطية في البلاد في القرن التاسع عشر إذ رأي الحزب نفسه الحارس الحقيقي للحقوق الدستورية للشعب الألماني.
يشار إلى أن أول رئيس للبلاد بعد الحرب كان ثيودور هويس – الذي كان يشغل أيضا منصب الرئيس المؤسس للحزب الديمقراطي الحر وتولى رئاسة البلاد بين عامي 1949 و 1959. ورغم أنه كان يُنظر إلى الحزب باعتباره صغيرا نسبيا، إلا أنه قضى أطول فترة داخل الحكومات المحلية غرب البلاد حتى عام 2014. وقد رجع الفضل في ذلك إلى أحد أقوى أعضاء الحزب وهو هانز ديتريش غينشر الذي ولد في ألمانيا الشرقية تولى حقيبة وزارة الخارجية لمدة 18 عاما في البداية خلال حقبة المستشار الأسبق هيلموت شميدت ثم خلال فترة المستشار هيلموت كول.
ومنذ ذاك الحين، بدا وكأن أي سياسي يتولى زمام الأمور داخل الحزب الديمقراطي الحر يمشى على خطى غينشر وليس أدل على ذلك غيدو فيسترفيله الذي قاد الحزب لتعزيز قوته بعد حصوله على 14.6 بالمائة من الأصوات خلال انتخابات عام 2019. وقد شغل فيسترفيله منصب وزير الخارجية بين عامي 2009 و 2011. وتعهد فيسترفيله بالحصول على نسبة تقترب من 18 بالمائة من الأصوات خلال انتخابات عام 2002 في حملة انتخابية أطلق عليها اسم "المشروع 18 "، لكن الحزب حصل على 7.4 بالمائة.
ويسلط "المشروع 18" الضوء على أن الحزب عانى من صعوبات، فبعد حقبة غينشر الرائعة للحزب، تعرض الأخير لأزمات أبرزها في عهد يورغن مولمان الذي كان بمثابة الرجل الثاني في الحزب والذي تولى منصب وزير الاقتصاد في حكومة المستشار الألماني الأسبق هيلموت كول وكان أيضا نائبه.
وقد أُجبر مولمان على الاستقالة من منصبه عام 1992 على وقع الفضيحة التي عُرفت بـ "فضيحة الرسائل" إذ اتضح أنه استخدم أوراق رسمية خاصة بوزارة الاقتصاد للترويج لشركة تابعة لأحد أقارب زوجته. وتوفي مولمان إثر قفزه بالمظلة من طائرة فيما يعتقد البعض أنه انتحر.
نهج أكثر راديكالية
وعقب تلك الفترة، استقرت الأوضاع داخل الحزب حيث كان التركيز على الوزراء الأكثر احتراما ووضع الحزب نصب عينه القيم الأساسية لليبرالية. فخلال ماراثون الانتخابات العامة، دعم الحزب تقييد إعانات البطالة وتوسيع الحقوق الممنوحة للأزواج مثلي الجنس وتقوية النظام التعليمي فضلا عن ضمان حماية البيانات الشخصية، فيما مثلت سبل تعزيز الحريات الشخصية وتقييد سلطة الدولة المبادئ التوجيهية للحزب.
ويعكس نهج الحزب خلال الانتخابات رغبته في التقرب من الناخبين القريبين لحزب الخضر وهم الشباب الذي ينتمي إلى تيار الوسط ويعيش في المدن لكنه غير مرتبط بالقاعدة الانتخابية التقليدية للحزب الاشتراكي الديمقراطي والحزب المسيحي الديمقراطي.
بيد أن الفارق بين الحزب الديمقراطي الحر وحزب الخضر هو أن الأول تعرض لانتقادات كبيرة لعدم قدرته على تغيير الهيمنة الذكورية البيضاء داخله، رغم أنه يرى بأن المساواة بين الجنسين والتنوع من قيمه الأساسية.
ومنذ أزمة اللاجئين عام 2015، بدأ الحزب في تبني نهج مختلف إذ أصبح أكثر تحفظا من ميركل فيما يتعلق بالهجرة.
بن نايت / م ع