عماد الدين حسين: استعادة أراضي الدولة.. الأهداف والتوقيت
٢٥ مايو ٢٠١٧ما الذي جعل الحكومة المصرية تنتفض بكامل أجهزتها لإزالة التعديات الواقعة على أراضي الدولة بعد قرار الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إزالة هذه التعديات في مهلة بدأت منتصف هذا الشهر، ويُفترض أن تنتهي بنهايته؟!
السؤال الأول: كيف بدأت القصة؟!
كنت موجوداً في محافظة قنا جنوب مصر يوم الاثنين قبل الماضي، لأقوم بالتغطية الصحفية لافتتاح رئيس الجمهورية لبعض المشروعات الخدمية هناك، وكنت موجودا أيضاً أمس الأول الثلاثاء في محافظة دمياط أقصى شمال مصر خلال افتتاح الرئيس لمدينة الأثاث ومشروعات إسكانية وطبية.
في اللقاء الأول كان الرئيس غاضباً وهو يطلب من الحكومة إزالة التعديات خلال أسبوعين. أما في اللقاء الثاني فكان أكثر غضبا لدرجة أنه استعمل تعبيرات عامية مصرية تكشف عن ضرورة سرعة الحسم في هذه القضية،معناها: "لن نكون رجالاً إذا قبلنا باستمرار هده التعديات".
في هذا اليوم كان السيسي منفعلاً لدرجة أن البعض تصور أنه يقصد أشخاصاً بعينهم من المعتدين على الأراضي. سألت بعض المسؤولين الذين كانوا يرافقون الرئيس في جولته بدمياط، فقالوا إن هناك محاولات كثيرة من بعض كبار المعتدين على الأرض للإيهام بأنهم "من المتنفذين والمسنودين"، ولن يكون بمقدور أحد الاقتراب منهم، ولذلك جاءت رسالة السيسي واضحة بحسم وغضب ملحوظين.
المهم تحركت الجرافات واللودار وبدأت بالفعل في إزالة العديد من التعديات على أراضي وأملاك الدولة. ورصدت وسائل الإعلام العديد من الوقائع اليومية،من كافة المحافظات، خصوصاً تلك الاعتداءات التي تخص شخصيات عامة ومشهورة. وصارت تطورات وتفاصيل الحملة حديث معظم المصريين تقريباً.
التقارير والتقديرات لحجم الأراضي التي تم الاعتداء عليها متباينة وتصل إلى ثلاثة ملايين فدان، وتزيد قيمتها عن ثلاثة تريليون جنيه مصري. ولكنها للموضوعية تظل تقديرات عامة من دون تأكيدات رسمية قاطعة.
السؤال الذي بدأ يتردد كثيراً مؤخراً هو، هل هذه الحملة لتطبيق القانون أم أن لها بعض الأهداف السياسية الأخرى؟
تقول الحكومة إنها تريد تطبيق القانون وإعادة حقوق الدولة المغتصبة، وإن الحملة أوضح دليل على أنها تنحاز للفقراء وأنها ليست حكومة رجال الأعمال، وتطبق عملياً العدالة الاجتماعية، حينما تأخذ من الأغنياء وتعطي الفقراء.
لكن هناك رأي مختلف يقول إنه بجانب تطبيق القانون، فإن الحكومة، وبعد أن تعثر تدفق الاستثمارات الأجنبية وفي ظل عجز كبير في الموازنة العامة، صارت في حاجة ملحة لأموال تنفق بها على مشروعات مختلفة، خصوصاً تلك التي تخص الإسكان الاجتماعي. وبالتالي فإن استرداد هذه الأرض أو الحصول على ثمن عادل مقابل تقنينها سيمثل مورداً إضافياً مهماً للحكومة.
وبجانب الرأي الأول والثاني، هناك رأي ثالث يقول إن التوقيت هو العنصر المهم في هذا الأمر، لأنه يأتي وسط ظروف وأوضاع اقتصادية متفاقمة نتيجة ارتفاع أسعار معظم السلع بعد تعويم وتحرير سعر صرف الجنيه المصري، ورفع الدعم جزئياً عن المحروقات. وبالتالي فإن المواطن الذي يئن من ارتفاع الأسعار، ستصله رسالة غير مباشرة، بأن الحكومة لا تضغط عليه فقط وتحمله فاتورة برنامج الإصلاح الاقتصادي الصعبة، بل وعلى الأغنياء أيضاً، خصوصا الفاسدين منهم.
وكان لافتاً أن السيسي قال نصاً يوم الثلاثاء الماضي: " كل من يستولي على أراضي الدولة لص وحرامي ومغتصب ولن نتركه".
مثل هذه اللغة والتعبيرات العامية تجد صدى حقيقياً لها وسط المواطنين خصوصاً الذين يقطنون الريف والمناطق الشعبية، ويكون التأثير أكثر فعالية حينما تقترن بتطبيق عملي على الأرض، وتطال بعض "كبار الحيتان".
قبل أيام تم نشر قوائم مختلفة لمشاهير وشخصيات عامة، قُيل إنها متورطة في الاستيلاء على أراضي الدولة، ورغم النفي الرسمي لذلك،إلا أن تقارير متواترة تشير إلى وجود رجال أعمال وإعلاميين وقضاة وضباط كبار ضمن هذه القوائم.
من يتابع قصة الأرض في مصر سوف يدرك أنها كانت دائماً مصدر الثروة الأساسي. قبل ثورة يوليو 1952 كانت معظم الأراضي الزراعية في الوادي والدلتا في حوزة كبار الإقطاعيين، وقام الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر بتأميم معظمها ووزعها على صغار الفلاحين، وهو الأمر الذي عرف بـ" الإصلاح الزراعي". هذا الأمر - يقول المتخصصون- هو الذي حول الانقلاب العسكري إلى ثورة، لأنه أدى إلى تغييرات دراماتيكية في البنية الاجتماعية والاقتصادية للمجتمع. رغم كل المحاولات التالية في عهد السادات ومبارك للانقلاب على هذه السياسة وإعادة بعض هذه الأراضي لكبار الأغنياء.
التحول الحقيقي بدأ منذ الثمانيات واستمر في الحقب التالية، حينما أعطت حكومات مبارك المتعاقبة لبعض أنصارها مئات الآلاف من الأفدنة الصحراوية مجاناً أو بأسعار رمزية أو تركتهم يستولون عليها بغرض استصلاحها ثم زراعتها. لكنهم لم يفعلوا وعوضا عن ذلك حولوها إلى أراضي للبناء تحت سمع وبصر ومباركة الحكومة، الأمر الذي حولهم إلى مليونيرات في غمضة عين، حيث أن بعضهم حصل على الفدان بسعد يقل عن ألف جنيه وأحياناً عن مائة جنيه للزراعة، في حين باع متر الأرض بسعر يتراوح بين ألف إلى ثلاثة آلاف جنيه.
في كل الأحوال فإن تنفيذ هده الحملات واستمرارها سوف يحسن صورة الحكومة المصرية أمام قطاع كبير من المواطنين، لكن الحكم النهائي لهذه الحملة سوف يتحدد عملياً بناء على ما ستعلنه الحكومة من نتائج على الأرض، بحجم الأراضي التي تم استعادتها، أو قيمة الأموال الناتجة عن تقنين وتسوية أوضاع هذه الأراضي، وتنفيذها على الجميع بالعدل، وإلا تكون ذات صبغة كيدية وانتقامية. إذا حدث ذلك فسوف تكون أفضل دعاية للحكومة والرئيس خصوصاً وانها تتزامن مع بدء الحديث عن الانتخابات الرئاسية المقبلة.
* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة رأي مؤسسة DW.