عماد الدين حسين: الأشباح الإيرانية تتراقص فوق الخليج!!
٢٢ ديسمبر ٢٠١٦ما التقى مواطنان من عرب منطقة الخليج هذه الأيام إلا وكانت إيران ثالثهما.
الهواجس الخليجية من إيران فى أعلى درجاتها الآن.
النتيجة السابقة ليست نتيجة تحليل أو استنتاج سياسى، لكنها حصيلة رؤية على أرض الواقع عايشتها الأسبوع قبل الماضى، خلال زيارة إلى العاصمة البحرينية لحضور القمة الخليجية رقم 37 فى قصر الصخير الملكى في المنامة.
قبل أن أهبط في مطار المنامة طالعت بعضا من الصحف البحرينية، وكانت تتصدرها أخبار محاكمات قادة من المعارضة، تتهمهم الحكومة بأنهم عملاء لإيران، ويحاولون تنفيذ أجندة طهران فى المنطقة، وأبرزهم بالطبع الشيخ علي سلمان الأمين العام لجمعية الوفاق الشيعية، والشيخ عيسى قاسم، وآخرون.
فى نفس اليوم كان الخبر الذى تصدر الصفحات الأولى من الصحف السعودية والخليجية، هو الأحكام المشددة بالإعدام والسجن المؤبد على مجموعة من كبار الموظفين السعوديين بتهمة التجسس لصالح إيران، وهي القضية التى تفجرت وقائعها عام 2013.
هذه النوعية من الأخبار أو المحاكمات ليست حكرا على السعودية والبحرين، بل هى متكررة فى السنوات الأخيرة فى العديد من بلدان الخليج.
فى اليوم الأول للقمة قابلت العشرات من الدبلوماسيين وكبار الإعلاميين. ومرة أخرى كان الهاجس الإيراني مسيطرا على الجميع، بعض من هؤلاء تحدث عن ضعوط شعبية على القادة الخليجيين لإعلان "اتحاد خليجى شامل" كحل وحيد لمواجهة محاولات الهيمنة الإيرانية.
والمتابع للاعلام الخليجي فى الأيام التى سبقت انعقاد القمة يلحظ اتجاها عاما يطالب بإعلان هذا الاتحاد حتى تصل طهران رسالة مفادها أنها ستواجه كل بلدان الخليج معا، ولن تستطيع الانفراد بدولة واحدة.
لكن المشكلة بطبيعية الحال هى أن الأمنيات والآمال لابد أن تسندها وقائع على الأرض، وهكذا فإن كبار المتابعين والمراقبين استبعدوا تماما اعلان خطوة الاتحاد الكامل سواء الآن أو في المستقبل المنظور، لأسباب موضوعية أهمها أن الخطوة غير متوافق عليها من الجميع، خصوصا سلطنة عمان التى ترفض فكرة الجيش الواحد والعملة الواحدة، ولها علاقات مستقرة مع إيران، ولا تتخذ نفس الموقف المتشدد من سيطرة الحوثيين على مقاليد السلطة فى اليمن بل وتلعب دور الوسيط بين طرفى النزاع هناك.
وهناك تسريبات غير مؤكدة تشير إلى وجود خلافات داخل بلدان الخليج بشأن الطريقة التى يفترض أن يتم بها مواجهة إيران، وأن هناك أكثر من مقاربة تبدأ من ضرورة وجود علاقات مع طهران وتنتهى بحتمية التصدي لها ومواجهتها فى جميع الميادين.
العودة إلى الماضى غير البعيد تقول إن مجلس التعاون الخليجي الذى عقد قمته الأخيرة رقم 37 فى المنامة كان تأسيسه عام 1981، وعقد قمته الأولى فى العاصمة الإماراتية أبوظبى فى مايو من نفس العام، وكان ذلك بعد شهور قليلة من قيام الثورة الإيرانية فى فبراير 1979، والتى تحولت لاحقا إلى إسلامية وأطاحت بكل مكوناتها العلمانية، وتبنت شعار تصدير الثورة إلى حيث تستطيع أن تصل.
المتضرر الحقيقي وقتها كان بلدان الخليج والعراق بقيادة صدام حسين الذى دخل فى حرب دامية مع إيران الخمينية لمدة ثماني سنوات، وبدعم كامل من بلدان الخليج سواء حبا أو كرها. البعض يقول إن طهران تحاول الآن الانتقام من بلدان الخليج، لدعمها صدام حسين في الحرب التى كانت سببا فى إنهاكها ومحاصرتها، بل أنها اضطرت للقبول بوقف إطلاق النار، ويومها قال الخميني قولته المشهورة "إننى مضطر لتجرع السم، أى وقف النار ضد العراق".!!
إيران حسب ما تقوله عواصم المنطقة، فتحت كل الجبهات مع الخليج العربى.. هى تحاربهم سرا وعلنا، وهى اللاعب الرئيسي فى كل الازمات العربية المشتعلة. هي التى مولت وشجعت الحوثيين على التمرد على الحكومة الشرعية المدعومة من السعودية وبلدان الخليج والامم المتحدة. وهى الداعم الأكبر للحكومة العراقية ضد الجماعات الإرهابية والمتمردة والثائرة ومعظمهم من أهل السنة المدعومين من الخليج. وهى تخوض حربا علنية لدعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد. وهي الداعم الأول بالطبع لحزب الله اللبنانى المتهم بأنه قتل رئيس الوزراء اللبنانى الأسبق رفيق الحريرى المدعوم سعوديا أيضا.
يقول كثير من أهل الخليج إن إيران وراء أي مصيبة أو مشكلة تحدث فى المنطقة، وأنها قرأت وفهمت الاتفاق مع الدول الغربية"6+1" بصورة خاطئة، وبدلا من ضبط برنامجها النووي، فهي تعتقد أن الاتفاق يخولها الهيمنة والبلطجة، وأن تصير شرطي المنطقة المعترف به دوليا.
لكن الكثير من الخليجيين يقولون ايضا إن من ينبغي توجيه اللوم له فعليا ليس إيران، بل الولايات المتحدة الأمريكية التي "سلمت القط مفتاح الكرار"، وتركت المنطقة لطهران، مفضلة التوجه لجنوب شرق آسيا.
الرئيس الأمريكى المنتخب دونالد ترامب، قال أكثر من مرة خلال حملته الانتخابية، إن الخليج وغيره ينبغى أن يدفع ويتحمل فاتورة الحماية العسكرية الأمريكية له، ولذلك كان ملفتا للنظر أن ضيفة شرف القمة الخليجية الأخيرة كانت تريزا ماي رئيسة وزراء بريطانيا، حيث تم الإعلان عن شراكة استراتيجية فى جميع المجالات وخصوصا العسكرية، وعنوانها الرئيسى هو التصدى لإيران.
البعض قال إن الخليج وبعد أن هجره "الفُتوّه الأمريكى" الذى يريد مالا أكثر، فضل العودة إلى حضن الصديق القديم أي بريطانيا والعلاقة المستمرة بينهمم منذ مائتى عام.
الطرفان ربما يحتاجان لبعضهما البعض هذه الأيام، فهو"تحالف المضطرين"، الخليج يريد طرفا دوليا قويا فى مواجهة إيران، وبريطانيا تريد نافذة تتنفس منها بعد الخروج من الاتحاد الأوروبى، وهى نافذة كفيلة بتوفير استثمارات جديدة وسوق مفتوحة للعديد من السلع والمشروعات والصفقات البريطانية في مجالات عدة أهمها بالطبع الجانب العسكري.
الخلاصة التى خرجت بها من الرحلة أن العلاقات الخليجية مع إيران مرشحة للمزيد من التشدد والتوتر، مع عدم استبعاد أي نوع من المفاجآت.
الكاتب: عماد الدين حسين