عماد الدين حسين: مؤتمرات الشباب.. هل تساهم في حل مشاكلهم؟
٩ نوفمبر ٢٠١٧هناك مشكلة حقيقية بين الدولة المصرية وغالبية شبابها. وهي انعكاس للأزمة الشاملة في غالبية البلدان العربية المختلفة بين الحكومات وقطاعها الشبابي. ومنذ حوالي العامين والدولة المصرية، تبحث عن كيفية حل هذه المشكلة.. فهل حالفها التوفيق في ذلك أم لا؟ وهل يمكن أن يؤدي منتدى الشباب الدولي الذي انعقد طوال هذا الأسبوع في شرم الشيخ إلى تمهيد الطريق إلى حلحلة هذه الأزمة؟!
يعتقد كثيرون أن الأزمة سببها الجوهري هو السياسة بمعناها المباشر، أو انتهاكات حقوق الإنسان. وتقديري أن أحد أسبابها الحقيقية هو أنها "أزمة جيلية" متعلقة بتفاوت رهيب في التفكير بين أجيال كبيرة في السن وأخرى شابة.
بمعنى أوضح لو أن اليسار أو الوفديين أو حتى الإخوان تولوا السلطة - نظرياً- الآن، فإن الأزمة لن تُحل، لأنها تتعلق بصراع بين مفهومين مختلفين للحياة وليس للخلافات السياسية بمعناها البسيط.
السؤال: هل كان لثورة 25 يناير أي علاقة بهذه الأزمة؟
الإجابة نعم.. قبل الثورة كانت هناك إرهاصات وتحركات تحت السطح، لم تكن تدري بها الحكومة وأجهزتها.. كانت هناك تجمعات وصفحات شبابية متنوعة، ومنها صفحة «كلنا خالد سعيد» التي لعبت دوراً أساسياً في الحشد لثورة يناير، وكان يديرها الناشط وائل غنيم.
ميدان التحرير لعب دور الحاضن الأكبر لهؤلاء الشباب، ورأينا ورأى العالم وقتها الوجه الأفضل لمصر على الإطلاق طوال عقود. هذا الوجه تمثل في شباب صغير في السن متحمس للعمل والتغيير، ولديه آمال عظيمة في المستقبل. وكان المشهد الأكثر دلالة على ذلك هو حملات التنظيم والتنظيف المستمر للميدان والرسومات والغرافيتي ولمعة الأمل في عيون الجميع خصوصاً الشباب.
نجحت الثورة جزئياً، وتم خلع حسنى مبارك، لكن من سوء حظ مصر والمصريين، وفي مقدمتهم الشباب، أن التنظيمات الظلامية المتطرفة هي التي حصدت ثمار الثورة، لأن لديها قدرة عالية على الحشد والتنظيم والتشبيك مع الخارج، في حين أن القوى الجديدة الصاعدة كانت بلا خبرة أو تجربة، بينما كانت القوى المدنية القديمة والتقليدية بلا شعبية كبيرة ومجرد لافتات على مقار بلا كوادر حزبية حقيقية كافية.
صعد الإخوان والسلفيون، فأُصيب الشباب وغالبية المجتمع بالصدمة. وعندما تم طرد الإخوان من الحكم في 30 يونيو/ حزيران 2013، راهن الشباب على الأمل في استئناف مسار 25 يناير من دون الإخوان، لكن ذلك لم يحدث لأسباب كثيرة، وهنا بدأت المشكلة تزيد وتتعقد وتتفاقم، وبدأ حلم الهجرة من مصر يراود عقول وقلوب كثير من الشباب.
انتقدنا الحكومة كثيرا لأنها لم تبذل جهدا للتفاهم مع الشباب ومحاورتهم، خصوصاً أن أكثر من 69 بالمائة من سكان مصر تحت سن الخامسة والثلاثين.
الحكومة شرعت في تنظيم مؤتمرات للشباب بمعدل مرة كل ثلاثة شهور تقريباً، بدأت في شرم الشيخ في أكتوبر/ تشرين الأول 2016، ثم القاهرة ثم أسوان ثم الإسماعيلية وبعدها الإسكندرية. وأخيراً شهدنا المنتدى الدولي للشباب الذى يفترض أن يختتم أعماله الخميس (التاسع من تشرين الثاني/ نوفمبر 2017) في شرم الشيخ ويضم أكثر من ثلاث آلاف شاب من مصر ومن 113 دولة.
حضرت الافتتاح ،وكان مبهراً، والتنظيم دقيقاً، وأن يجتمع كل هذا العدد في مكان واحد، فالمؤكد أنه أمر جيد.
كانت هناك أيضاً العديد من الندوات وورش العمل والمناقشات حول العديد من القضايا التي تهم غالبية شباب العالم من أول التغيرات المناخية إلى الهجرة والتنمية المستدامة والإرهاب والتطورات المتسارعة في عالم التكنولوجيا.
نعود مرة أخرى إلى السؤال الجوهري: هل هذه المؤتمرات ستحل المشكلة بين مصر وشبابها؟!
الإجابة تتوقف على المضمون والمحتوى لأن المؤتمرات هي مجرد وسيلة وليست غاية. هي طريقة للتواصل، لكن ماذا يحمل هذا النوع من التواصل؟!
على سبيل المثال كانت مؤسسة الرئاسة موفقة للغاية حينما قررت تشكيل لجنة، لبحث الأفراح عن المسجونين من الشباب عقب مؤتمر الشباب في شرم الشيخ العام الماضي. وكانت موفقة أيضاً حينما قررت بحث تعديل قانون التظاهر.
هذا ما ينتظره الشباب وينتظره كل المجتمع، أن تكون هناك قرارات وإجراءات عملية على الأرض، تعطى الشباب أملاً في الغد، القضية لا تتعلق بالديمقراطية بمعناها الضيق، بل أن غالبية الشباب يحلمون بمجتمع منفتح على الآراء والأفكار والتجارب والاتجاهات والتيارات المختلفة، وان يجدوا فرص عمل حينما يتخرجون من معاهدهم أو جامعاتهم.
جيد جداً أن تنعقد مؤتمرات الشباب، وجيد أكثر أن يتم دعوة كل الآراء داخلها كي تتناقش وتتحاور. وقد رأيت بعيني في افتتاح المؤتمر الأخير بعض الشباب المختلفين مع الحكومة متواجدين داخل المؤتمر، وهو أمر جيد نتمنى أن يستمر ويتواصل.
لكن ما ننتظره هو إجراءات على الأرض تجعل الشباب المصري يراهنون على أن الحل في الداخل هنا في مصر وليس عبر الهجرة، سواء كانت غير شرعية عبر المغامرة بركوب سفينة متهالكة، أو الوقوف في طوابير طويلة أمام سفارات غالبية بلدان العالم بالقاهرة!!.
* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة رأي مؤسسة DW.