كيف ستؤثر عودة طالبان على العلاقات الباكستانية-الأمريكية؟
٢٨ أغسطس ٢٠٢١أثارت سيطرة طالبان على زمام الأمور في أفغانستان الكثير من التساؤلات داخل باكستان حيال مستقبل العلاقات الباكستانية-الأمريكية. وترى بعض الأصوات المتشددة في باكستان أن واشنطن ترغب في إلقاء مسؤولية سقوط أفغانستان في أيدي طالبان على إسلام أباد.
وعلى الجانب الرسمي، فيبدو أن الحكومة الباكستانية ترفض فكرة تحملها أي مسؤولية إزاء استيلاء طالبان على السلطة في أفغانستان. وفي ذلك، شددت وزيرة حقوق الإنسان الباكستانية شيرين مزاري في مقال الثلاثاء الماضي على أن إسلام أباد ترفض أن يتم تحويلها إلى "كبش فداء لفشل الآخرين في أفغانستان".
وفي تعليقه على هذا الربط، أرجع بيل إيموت، رئيس التحرير السابق لمجلة "الإيكونيميست" البريطانية، مسؤولية الفشل الذريع في أفغانستان وعودة حركة طالبان إلى الحكم بشكل كبير "إلى عجز باكستان والولايات المتحدة في التوصل لتفاهم في أفغانستان".
يشار إلى أن باكستان تعد من أقوى داعمي حركة طالبان المعزولة؛ إذ كانت إسلام أباد من بين دول معدودة اعترفت بحكم طالبان في أفغانستان بين عامي 1996 و2001 قبل الغزو الأمريكي الذي أعقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر / أيلول.
بالنظر إلى هذا الإطار الخاص في العلاقة بين باكستان وطالبان، يعتقد حسين حقاني، مدير برنامج جنوب ووسط آسيا بمعهد هدسون البحثي في الولايات المتحدة، أن الدور السابق لباكستان في أفغانستان لا يزال يثير خلافات بين واشنطن وإسلام أباد.
وفي مقابلة مع DW، قال حقاني: "يعتقد معظم الأمريكان أن الدعم الباكستاني المستمر لطالبان قد مكن الأخيرة من النجاح في السيطرة على أفغانستان. كما يوجد استياء (أمريكي) من الدور الباكستاني في أفغانستان وهو الأمر الذي قد لا يصب في صالح تحسين العلاقات الأمريكية-الباكستانية في المستقبل القريب".
اقرأ أيضا: ردا على هجوم مطار كابول.. واشنطن توجه ضربة جوية ضد "داعش"
تراجع الاهتمام بباكستان
يشار إلى أن باكستان اعتمدت في الماضي بشكل كبير على المساعدات المالية والعسكرية المقدمة من الجانب الأمريكي إذ تشير بعض التقديرات إلى أن إسلام اباد ربما حصلت على 30 مليار دولار (25.5 مليار يورو) من الولايات المتحدة منذ عام 2001.
وقبل الغزو الأمريكي لأفغانستان، حصلت إسلام أباد على مساعدات مالية سخية عندما اصطفت إلى جانب الولايات المتحدة خلال الحرب البادرة.
بيد أن حقاني يشير إلى أنه في الوقت الحالي هناك القليل من الدعم في الولايات المتحدة "لاستئناف المساعدات الاقتصادية والعسكرية الكبيرة لباكستان".
أما عائشة صديقي، المتخصصة في الشأن الباكستاني، فتعزو ذلك إلى أن واشنطن "فقدت اهتمامها" بإسلام اباد، مشيرة إلى أن باكستان لطالما سعت للحصول على مساعدات مالية وعسكرية من الولايات المتحدة.
وفي مقابلة مع DW، قالت الخبيرة إن هذا الدعم لم يعد أحد الأوراق المطروحة على الطاولة، مضيفة: "توترت العلاقات بين باكستان والولايات المتحدة حتى أضحى الأمر وكأن هناك ما يشبه موقف أمريكي ضمني بفرض عقوبات على إسلام أباد مع إدراجها في اللائحة الرمادية لمجموعة العمل المالي الدولية" التي تعنى بمكافحة جرائم غسل الأموال والتهرب الضريبي في العالم.
وكانت باكستان في السابق قد أبدت دهشتها من قرار مجموعة العمل المالي بالإبقاء عليها في قائمتها الرمادية إذ قالت إنها امتثلت لمعظم بنود خطة العمل.
ماذا عن علاقات باكستان مع الصين؟
ولم تكن العلاقات بين باكستان وطالبان وحدها السبب وراء توتر علاقة إسلام آباد مع واشنطن بل أيضا العلاقة الوثيقة مع الصين، وفقا لما ذكره أمجد شعيب، المحلل في الشؤون الدفاعية.
وفي مقابلة مع DW، قال إن باكستان سعت لإبرام شراكة استراتيجية مع الصين إذ قدمت إسلام أباد الدعم لمبادرة "الحزام والطريق" الضخمة التي أطلقتها الصين لربط آسيا بأوروبا من خلال سلسلة من الموانئ وخطوط السكك الحديدية والطرق. وأضاف شعيب أن هذه الخطوة الباكستانية أثارت رد فعل سلبي في الولايات المتحدة.
وفيما يتعلق بالتطورات في افغانستان، يرى الخبير العسكري أن الولايات المتحدة لديها العديد من المؤيدين في هذا البلد الذي مزقته الحرب. وألمح شعيب إلى أن أفغانستان قد يتم استخدامها ضد باكستان عن طريق "تقديم الرعاية" للمتمردين البلوش الذين قد يستهدفون المصالح الصينية في باكستان.
أما حقاني، فيرجع التوتر في العلاقات بين باكستان والولايات المتحدة إلى أن كلا البلدين لديهما استراتيجيات متباينة حيال السياسات الخارجية. وقال إنه في ضوء هذا الاختلاف، يتعين على البلدين إيجاد أساس جديد للتعاون خاصة في ظل التطورات المتسارعة في أفغانستان.
وأوضح حقاني ذلك بقوله إن "باكستان تبنت خيارا استراتيجيا بالانحياز إلى الصين، فيما يبدو أن الولايات المتحدة اختارت الهند كشريك استراتيجي لها في المنطقة. وفي ضوء تراجع التعاون التكتيكي بين باكستان والولايات المتحدة في أفغانستان، فإنه يجب إيجاد أساس جديد في العلاقة بين البلدين".
مسؤولية باكستان "الخاصة" تجاه أفغانستان
الأسبوع الماضي قال الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ: "تتحمل باكستان مسؤولية خاصة في ضمان وفاء أفغانستان بالتزاماتها الدولية وعدم تحول البلاد إلى ملاذ آمن مرة أخرى للإرهابيين الدوليين". وأضاف "وجود دولة مستقرة في أفغانستان سيصب في صالح كافة الدول خاصة باكستان في الجوار الأفغاني".
وفي هذا الصدد، حذر حقاني من أنه في حالة وجود "أي دليل على عودة نشاط الجماعات الجهادية الدولية مرة أخرى (إلى أفغانستان) سيؤدي ذلك إلى فرض عقوبات على أفغانستان وهو الأمر الذي سيكون له تداعيات على باكستان".
أما أمجد شعيب، المحلل في الشؤون الدفاعية، فألمح إلى أن الولايات المتحدة قد تستخدم "ذريعة" حقوق الإنسان ووجود تنظيمات إرهابية دولية في أفغانستان من أجل "ابتزاز" باكستان. وتساؤل شعيب عن السبب وراء ترك مثل هذه التنظيمات الإرهابية في أفغانستان وعدم القضاء عليها خلال التواجد الأمريكي وحلف الناتو في أفغانستان والذي استمر لعشرين عاما.
اقرأ أيضا: الإرهاب في أفغانستان ـ من هو تنظيم "الدولة الإسلامية ـ خراسان"؟
تداعيات على االاقتصاد الباكستاني
في ظل هذا التوتر بين باكستان والولايات المتحدة، حذرت الخبيرة الاقتصادية إزرا طلعت سعید من التداعيات "الكارثية" لتدهور العلاقات بين البلدين على باكستان. وترى سعید أن الولايات المتحدة سوف تستخدم نفوذها ضد باكستان. وفي مقابلة مع DW، قالت "ستقدم الولايات المتحدة وحلفاؤها على جعل حصول باكستان على أموال أمرا بالغ الصعوبة".
وأضافت أن باكستان باتت في خطر التعرض لأوضاع اقتصادية فوضوية مثل إيران وفنزويلا، مشيرة إلى أن واشنطن "قد تضغط على السعودية ودول الخليج الأخرى لخلق مشاكل تتعلق بالعمال الباكستانيين ما سيؤدي في نهاية المطاف إلى انخفاض التحويلات المالية الهامة." وشددت الخبيرة الاقتصادية على أن هذا الأمر "سيكون له تأثيرا مدمرا على اقتصادنا".
يشار إلى الاقتصاد الباكستاني يعاني من أوضاع صعبة خاصة في ظل جائحة كورونا التي أدت إلى إغلاق أكثر من 55 ألف منشأة تجارية لينضم أكثر من 20 مليون باكستاني إلى صفوف العاطلين عن العمل. ويبلغ الدين الخارجي الحالي لإسلام آباد أكثر من 100 مليار دولار.
وعلى وقع هذا الحال، يعتقد وزير المالية الباكستاني السابق، سلمان شاه، أنه في حالة "حشر باكستان في الزاوية"، فإن إسلام أباد لديها شركاء إقليميين - لا سيما الصين وروسيا- يمكن أن تلجأ إليهم.
وفي مقابلة مع DW، قال شاه "لكننا نأمل في تصبح العلاقات مع الولايات المتحدة في حالة جيدة بل ونرغب في انخراط واشنطن اقتصاديا في المنطقة".
إس.خان / م. ع