لبنان بين "التخلي عن المحكمة أو نشوب حرب أهلية"
٢٢ يناير ٢٠١١لم يسبق أن حظي مؤتمر صحافي لزعيم لبناني بالاهتمام السياسي والإعلامي كالمؤتمر الذي عقده الزعيم الدرزي اللبناني وليد جنبلاط يوم أمس الجمعة (21 كانون الثاني/ يناير 2011). فقد كانت جميع الأنظار متجهة إلى هذا المؤتمر الصحافي وما سيقوله الزعيم الدرزي المعروف بإطلاقه للمفاجآت. وبالرغم من أن وسائل الإعلام اللبنانية كانت قد سربت معلومات بأن جنبلاط سيعلن "طلاقه" النهائي مع قوى الرابع عشر من آذار، التي يتزعمها رئيس وزراء حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري، وسينتقل إلى معسكر الثامن من آذار بقيادة حزب الله والمدعوم من سوريا، فإن الجميع كان بانتظار معرفة كيفية تصويت نواب كتلته، كتلة اللقاء الديمقراطي، في الاستشارات النيابية الملزمة التي سيجريها رئيس الجمهورية لاختيار رئيس وزراء جديد.
ولأن عدد نواب المعسكرين متقارب، إذ لقوى الرابع عشر من آذار ستون نائبا وللثامن من آذار سبعة وخمسون نائبا، من أصل مائة وثمانية وعشرين نائبا، هم قوام البرلمان، فإن الكل كان بانتظار الكلمة الفصل من جنبلاط. ففي جعبة الزعيم الدرزي أحد عشر نائبا وبمقدوره أن يجعل من الأقلية أغلبية والعكس صحيح أيضا. لكن جنبلاط، ورغم إعلانه وقوف حزبه، الحزب الاشتراكي التقدمي، مع سوريا و"المقاومة"، لم يحدد عدد المقاعد التي سيمنحها من كتلته لمرشح حزب الله والمعارضة، رئيس الوزراء الأسبق عمر كرامي. فكتلة جنبلاط تضم نوابا غير حزبيين أيضا؛ ومن هنا توقف المراقبون مليا عند تمييزه بين كتلته البرلمانية وبين حزبه واعتبره البعض نوعا من التهرب رغم "الترهيب الذي تعرض له جنبلاط في الأيام العشر الأخيرة"، حسب القيادي في حركة اليسار الديمقراطي وليد فخر الدين.
"هدف حزب الله إسقاط المحكمة"
ويضيف فخر الدين، العضو البارز في قوى الرابع عشر من آذار، في حوار مع دويتشه فيله، بأن جنبلاط "بدَّل موقفه السياسي وفقا لتطور الوضع الأمني وتهديد حزب الله باجتياح مناطق نفوذه". ويتهم فخر الدين حزب الله بـ"بث الرعب في قلوب معارضيه وإفشال المبادرة السورية السعودية، لأن لديه هدفا واحدا محددا هو "إسقاط المحكمة الدولية الخاصة بلبنان". وهذا ما لا يمكن لقوى الرابع عشر من آذار، وخصوصا تيار المستقبل بزعامة سعد الحريري القبول به. ففي نظر هذه القوى تعتبر المحكمة "الإنجاز الوحيد الذي حققته انتفاضة الاستقلال عام ألفين وخمسة"، وذلك في إشارة إلى المظاهرات التي عمت بيروت إثر اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري والتي أجبرت سوريا على سحب قواتها من بلاد الأرز.
وإذا كانت قوى الرابع عشر من آذار ترى في المحكمة الدولية إنجازا وأنها ستضع حدا للإفلات من العقاب، فإن خصومها في المعارضة يرون فيها أداة للقوى الخارجية للتدخل في الشأن اللبناني. فهذه المحكمة "تجعل من لبنان مسرحا جديدا للصراع على الساحة العربية"، حسب كلام رضا حمود مسؤول التيار الوطني الحر في ألمانيا. ويضيف حمود، في حوار مع دويتشه فيله، أن القضية ليست في رفض المحكمة بل في "رفض القرارات الدولية التي تكبل لبنان وتحد من استقلاله". وحسب حمود فإن قوى الثامن من آذار مقتنعة بأن "هذه المحكمة لن تجلب العدالة، بل هي بؤرة توتر في داخل لبنان".
"لا بديل عن الحريري"
وإذ يقر الباحث الألماني المتخصص في الشأن اللبناني هايكو فيمن بأن المحكمة الدولية هي المشكلة الأساسية في لبنان في هذه الفترة، فإنه يرى بأن الأزمة اللبنانية أكبر منها (من المحكمة) وهي تتعلق بالنزاع على هوية لبنان. ويضيف الباحث في المعهد الألماني للدراسات الدولية والأمنية، في حوار مع دويتشه فيله، بأن الخلاف يدور حول انتماء لبنان إلى أحد معسكرين: المعسكر السوري الإيراني، المعروف بالممانع أو المقاوم لإسرائيل؛ ومعسكر آخر لا يريد المواجهة مع إسرائيل تقوده السعودية ودول الاعتدال العربي مدعومة من الولايات المتحدة. وثمة تطابق بين توجهات هذا المعسكر الأخير والميراث المسيحي اللبناني التقليدي الذي انضم إليه السنة بشخص زعيم تيار المستقبل سعد الحريري.
أما القيادي في حركة اليسار الديمقراطي المنضوية في قوى الرابع عشر من آذار وليد فخر الدين فيرى بأن حزب الله وحلفاءه يضعون اللبنانيين أمام "معادلة جديدة وهي: إما التخلي عن المحكمة أو القبول بسلطة مطلقة (أ مواجهة خطر نشوب) حرب أهلية"، وذلك في إشارة إلى رفض هذه القوى لبقاء الحريري في رئاسة الوزراء وترشيح عمر كرامي، المقرب من سوريا، بديلا عنه.
وإذا كان إبعاد الحريري عن الرئاسة الثالثة لم يعد مستحيلا بعد انضمام جنبلاط إلى قوى الثامن من آذار، فإن من شأن هذه الخطوة "القضاء على الاعتدال السني الذي يمثله رئيس حكومة تصريف الأعمال". فإبعاد الحريري، حسب فخر الدين، لا يعني إلا "الفوضى وتحول الشارع السني نحو الأصولية المدمرة وتكرار السيناريو العراقي: أي حرب مذهبية سنية شيعية".
أحمد حسو
مراجعة: عبده جميل المخلافي