مؤتمر أمني يناقش سبل التصدي لتهديدات المنظمات الإرهابية في أوروبا
٢٤ أكتوبر ٢٠٠٨هل يقف تنظيم القاعدة لأوروبا بالمرصاد؟ هذا هو السؤال الذي شغل عدد من الباحثين والخبراء الأمنيين في الدورة الجديدة من الاجتماع السنوي الذي يعقده جهاز المخابرات الألمانية، والذي أقيم أمس الخميس (23 اكتوبر/تشرين أول) في برلين. وناقش الحضور السمات الجديدة التي أصبحت تميز ظاهرة الإرهاب مؤخرا، مثل تحالف تنظيمات إرهابية إقليمية بتنظيم القاعدة مثل تنظيمي القاعدة في بلاد الرافدين وتنظيم القاعدة في بلاد المغرب العربي، وتجنيد الشباب المسلم في أوروبا، واستخدام شبكة الانترنت بكثافة من أجل التخطيط للعمليات الإرهابية.
رئيس جهاز المخابرات الألمانية ارنست اورلاو أشار إلى قدرة تنظيم القاعدة في شمال أفريقيا على التنظيم بشكل جيد، وامتداد بنيته التحتية من الساحل إلى غرب أفريقيا. كما أكد أن خطر تنظيم القاعدة لا ينبع من القرب الجغرافي من أوروبا فحسب، وإنما يكمن أيضا في قدرة التنظيم على اجتذاب عدد من المتطوعين من أجل الجهاد من بين الشباب المسلم في أوروبا، خاصة في أوساط المنحدرين من أصول مغاربية.
معظم ضحايا الإرهاب من المسلمين
وقبل أن يتم وضع الشباب المسلم في أوروبا موضع الشك نادى الباحث في العلوم الإسلامية الدكتور طارق رمضان بضرورة انفتاح المجتمعات الأوربية على الجالية الإسلامية وبضرورة التماس مقومات تساعدها في الحرب على الإرهاب من داخل الإسلام نفسه. ومضى يقول "الإسلام جزء من الحل وليس جزءا من المشكلة"، مضيفا أن المجتمعات الأوروبية يجب أن تشعر المسلمين فيها بأن الإسلام دين أوروبي، وبأنهم ينتمون إليها، لاسيما وأن المتشددين لا يشكلون سوى نسبة ضئيلة من الجاليات الإسلامية في أوروبا، وبالتالي يصبح في إمكان المسلمين أنفسهم تطوير خطاب ديني منفتح يتصدى للخطاب الديني المتطرف.
الدكتور فولكر بيرتس مدير مؤسسة الأبحاث السياسية لفت الانتباه في كلمته أن 90 بالمائة من العمليات الإرهابية تحدث في العالم الإسلامي وليس في أوروبا، وعلى الرغم من أنه لا ينبغي الاستهانة بخطر تعرض أوروبا لعمليات إرهابية جديدة، فإن من الضروري أيضا التركيز على أن معظم ضحايا الإرهاب هم من المسلمين، حسبما قال.
وعزا بيرتس إقدام الشباب المسلم على القيام بعمليات إرهابية إلى الغضب الذي يشتعل في صدورهم، وهو غضب نابع من إحساسهم بالظلم من قبل الأنظمة الحاكمة في أوطانهم والظلم من قبل الغرب بسبب تعاونه مع هذه الأنظمة الحاكمة. هذا الغضب وجد قنوات لتصريفه في الستينييات والسبعينيات من خلال المشاريع القومية والثورية، أما الآن فلا يجد سوى العنف متنفسا له.
وأشار بيرتس إلى القضية الفلسطينية باعتبارها سببا مركزيا في الإحساس المتنامي بالظلم بين المسلمين، لافتا الانتباه أن هذه القضية تستخدم من قبل الكثيرين خارج الأراضي الفلسطينية مثل تنظيم القاعدة كمبرر للجهاد، بينما لا يوجد تعاطف ملموس داخل الأراضي الفلسطينية مع فكر تنظيم القاعدة.
محاربة الإرهاب ليست مسؤولية الأمن فقط
"لا يمكن الانتصار على الإرهاب بالإجراءات الأمنية فقط." هذا ما أكده الدكتور بيرتس وكرره عدد من الباحثين من زوايا مختلفة. حيث أشار الباحث الأمريكي مارك سيجمان أن من الضروري نزع الهالة عن الجهاد لصرف الشباب الصغير عن السقوط في فخه، كما أشار إلى ضرورة وجود مؤسسات سياسية فعالة يلجأ إليها الشباب بدلا من الانجراف إلى الإرهاب. في حين أشار منسق الاتحاد الأوروبي لشؤون مكافحة الإرهاب جيل دي كرشوف إلى ضرورة ربط الحرب على الإرهاب برؤية سياسية واقتصادية متكاملة من أجل تجفيف منابعه، وبخاصة في أفغانستان وباكستان.
أما الصحفي في موقع مجلة دير شبيجل الالكتروني ياسين مشربش فتناول أهمية دور المجتمع والسياسة في محاربة الإرهاب من زاوية أخرى، حيث قال في كلمته إنه يقضي يوميا عدة ساعات في المواقع والمنتديات التي تحث على الجهاد لكنه لم يعثر فيها إلا على عدد قليل من الإرهابيين أو المجاهدين، بينما كان العدد الأكبر من الهواة وغير المؤدلجين. وقال مشربش إنه يجب مساعدة الشباب الباحث عن إجابات وحثه على طرح أسئلته ومخاوفه علنا وليس اللجوء إلى الأركان المظلمة في شبكة الانترنت للبحث عن إجابة. وهذه من وجهة نظره ليست مهمة الصحافة أو الأجهزة الأمنية ولكن مهمة المجتمع والسياسة.
الخروج من الأركان المظلمة ليست مسؤولية المجتمعات الأوروبية فقط، وإنما يقع جانب من المسؤولية على عاتق الجالية المسلمة أيضا، كما يرى الباحث طارق رمضان. حيث يجب عليهم، من وجهة نظره، الالتزام بقوانين البلاد التي يعيشون فيها، وتعلم اللغة واستخدامها حتى فيما يخص النشاط الاسلامي داخل البلاد، وذلك من أجل تحقيق أكبر قدر من الشفافية. ويضيف رمضان أن على المسلمين إثبات وجودهم الإيجابي في مجتمعاتهم الجديدة من خلال المشاركة الفعالة في كل المجالات سواء كانت الاعلامية أو القانونية أو السياسية.