منع الكتب: الفن مقابل الحقوق الشخصية
٣ مارس ٢٠٠٨تبدأ الحكاية في عام 1971، حين منعت رواية الأديب الألماني كلاوس مان "مفيستو" في جمهورية ألمانيا الاتحادية بعد جدل قانوني استمر لسنوات. فحينها رأت المحكمة الاتحادية الدستورية العليا أن الحقوق الشخصية للممثل الراحل غوستاف غروندغينس، الذي لا يُخفي تورطه أثناء الحقبة النازية في الرواية أهم من حرية الفن.
كما أن الرواية حُرمت من أن تُعد على قائمة الآثار الفنية البارزة في الأدب الألماني. أما في جمهورية ألمانيا الديمقراطية السابقة فقد كانت الرواية من الأعمال الأدبية المشهورة، حيث أُعيدت طباعتها خلال عمر الجمهورية الشيوعية لست مرات. ولم يُعَد طباعة هذا العمل في جمهورية ألمانيا الاتحادية إلا في عام 1981.
تزايد الأحكام القضائية في قضايا التشهير
ومنذ ذلك الوقت أخذت المحاكم الألمانية تنشغل بقضية الحرية المتاحة أمام الصحافة وحرية تناول الروايات والأفلام والمسرحيات لسيرة بعض الشخصيات. وكان ميزان العدالة يميل مرة إلى جانب حماية الحقوق الشخصية، ومرة أخرى إلى صالح حرية الفن والصحافة. وخلال السنوات الماضية بات مسؤولو الأقسام القانونية في دور النشر أكثر انشغالاً بهذه القضية من أي وقت آخر. عن هذا يقول راينر دريزن، رئيس القسم القانوني في دار نشر راندوم: "الشكاوي القانونية أخذت تزداد مؤخراً"، ويضيف دريزن بالقول: "مرة بسبب جملة لا توحي بشيء عادة، ومرة أخرى للحصول على كتاب غير مرغوب فيه من ناحية مضمونه الكلي".
إن تزايد الشكاوى مرتبط من حيث الجوهر بحكمين قضائيين مهمين: الأول صدور "قانون كارولينا" عام 2004 من قبل المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، وهذا القانون يحد من إمكانيات تغطية أخبار المشاهير بشكل كبير. والثاني مرتبط بمنع أعلى الجهات القضائية في ألمانيا لأحد الكتب في خريف عام 2007، إذ منعت المحكمة الدستورية الاتحادية رواية "عزرا" للكاتب ماكسيم بيللر، أما سبب منعه فهو التجاوز على الحرية الشخصية. فقد كان هناك تشابه كبير بين بطلة الرواية وبين الصديقة السابقة لمؤلف الرواية. المحكمة حكمت في النهاية بمنع الكتاب وبتعويض مالي بلغ 50 ألف يورو.
عدائية متزايدة
يرى منتقدو "حكم عزرا" أن هذا الحكم يُعد بداية تدخل القضاء في قضايا الأدب بعد تدخله في الصحافة الصفراء. عن ذلك يقول بيتر رودير، مدير دار نشر زوركامب الألمانية الشهيرة: "في الحقيقة ازدادت الاعتراضات بشكل كبير". ففي السابق كانت مثل هذه الأمور تثير الغضب، أما اليوم فإنها غالباً ما تنتهي بشكوى قانونية، كما يرى رودير.
من القبو إلى قائمة أفضل الكتب المبيعات
وعلى الصعيد العالمي فإن الأحكام المتعلقة بضرورة حماية الحقوق الشخصية تختلف فيما بينها اختلافاً كبيراً. فعلى سبيل المثال تسمح بريطانيا بنشر كتاب "فتاة في القبو- قصة ناتاشا كامبوش"، والكتاب غير المرخص به يتناول سيرة حياة الفتاة النمساوية ناتاشا كامبوش، التي قبعت في قبو مختطفها لمدة ثمانية أعوام. ولكنه ممنوع من النشر في الدول الناطقة باللغة الألمانية. وعلقت صحيفة الغارديان البريطانية على الإقبال على اقتناء الكتاب هناك بالقول: "من القبو إلى قائمة أفضل الكتب مبيعاً".
وفي قضية أخرى منعت المحكمة العليا في ولاية هيسن الألمانية عرض فيلم "آكل لحوم البشر في روتنبورغ"، إذ اعترض شخص يُدعى أرمين مايفيس على عرض الفيلم لأنه يتناول حياة إحدى الشخصيات وقيامها بارتكاب جريمة ما، تشابه كثيراً حياة مايفيس والجريمة التي اقترفها. وعلى الرغم من ذلك فقد تم عرض الفيلم في مهرجان كاتالونيا السينمائي في مدينة سيتغيس. وحسبما ذكرت التقارير حينها فإن أحد المشاهدين وقع مغمياً عليه خلال تمثيل مشهد الجريمة، وعلى الرغم من ذلك فقد حصد الفيلم جائزة أفضل إخراج ودور رئيسي.
وفي أحدث واقعة لمنع الكتب أكدت محكمة الولاية في برلين يوم الثلاثاء الماضي (26 شباط/ فبراير 2008) حكماً ابتدائياً لمنع كتاب "مقابلة مع آكل لحوم البشر"، الذي يتناول حياة مايفيس. فقد أدعى أقرباؤه أن الكتاب يتعرض لتفاصيل حياتهم الشخصية، على الرغم من أن الكتاب كُتب بالتعاون مع مايفيس نفسه.
محرمات تامة
فيما يتعلق بحماية الحقوق الشخصية فإن ألمانيا تأخذ مكان المنتصف مقارنة بدول العالم الأخرى. عن هذا يقول كارل-نيكولاوس بفايفر، وهو أستاذ في معهد حقوق التواصل والإعلام التابع لجامعة كولونيا الألمانية: "فرنسا تقوم بحماية الحياة الشخصية بشكل أكبر، فالحياة الشخصية هناك تعد من المحرمات". وفي هذا السياق تواجه الصحفي الفرنسي آري روتير حالياً عقوبة السجن، لأنه كتب في مجلة "نوفيل أوبزيرفاتور" عن رسالة نصية هاتفية، يرجو فيها الرئيس الفرنسي ساركوزي زوجته السابقة بالعودة قبل زواجه مجددا بأيام قليلة. وحرك الرئيس الفرنسي دعوة قضائية على المجلة المذكورة لقيامها بالتزوير ونشر معلومات خاطئة.