"نغمة الحوار الثلاثي" – تظاهرة فنية تجمع أصحاب الديانات التوحيدية في برلين
٣ مارس ٢٠٠٨ضمن إطار فعاليات "أسبوع الأخوّة" والذي يصادف الأسبوع الأول من آذار/ مارس من كل عام احتضنت الكنيسة الفرنسية البروتستانتية في برلين، احدى أهم معالم المدينة السياحية، تظاهرة فنية كبيرة تحت شعار "نغمة الحوار الثلاثي"، جمعت فنانين مسلمين ومسيحيين ويهود، وذلك في رسالة مفادها أن الرسالات السماوية لا تتنافس فيما بينها ولا تكره بعضها بعضا وأن الحوار موجود إذا ما أراد العقلاء ذلك.
وقد وقع الاختيار على هذه الكنيسة تحديداً بسبب الترحيب الذي لاقته منظِمة الحفل بيغي لانغهانس من القائمين على هذه الكنيسة بعد إحجام الكثير من دور العبادة المسيحية واليهودية والإسلامية عن استقبال هذا العمل الفني.
مقام العجم الشرقي يُعزف على البيانو الغربي
لقد اختار أطراف الحوار أن تكون التراتيل والأناشيد الدينية محور لغة الحوار الديني، طبعاً من دون تجاهل لغة الموسيقى التي ترافق تلك الترانيم. فقد قدم الفريق 4 لوحات فنية معبرة تمثل القواسم المشتركة للديانات الثلاث، حيث بدأ الحفل بقرع أجراس الكنيسة تلاه آذان الصلاة ومن ثم ترانيم الكنيس العبرية.
اللوحة الأولى مثلت التسبيح لله؛ كل دين على طريقته. ومن ثم لوحة يوم القيامة والتي جسدتها تلاوة لسورة القيامة والأورغل الذي عزف برعب وصخب رافقه ضوء أحمر مرتعد. وجاءت لوحة الحزن يحملها صوت الناي الحزين والممزوج بالشجن. وعلى عكس اللوحات السابقة جاءت لوحة السلام بموسيقى ملؤها البهجة والغبطة، وبتوزيع موسيقي جديد جعل البيانو الغربي يعزف مقام العجم الشرقي.
ولم يكن أداء الأناشيد هو الذي أبهر الحضور وحسب، بل كان ذاك التطعيم الموسيقي بين الآلات الموسيقية الشرقية مع الغربية والذي استحسنه الحضور كثيراً وعبروا عنه بالتصفيق الحاد لدرجة أن بعضهم اغرورقت عيناه بالدموع من شدة التأثر. إذ تعرفوا على عبق الشرق الساحر عبر ثقافتهم الغربية التي عهدوها. وما أن يبدأ البيانو بالعزف حتى تغازله الطبلة الشرقية، ليندس الكمان بينهما مؤذناً بولادة صداقة جديدة بينهم جميعاً. لقد تعانقت الألحان الشرقية مع الغربية مثلما تناجت أصوات المطربين.
"أعتبر هذا العمل رداً على الرسوم المسيئة للرسول"
وأكد الفنانون المشاركون في هذا الحفل أن مشاركتهم لم تأتِ من أجل الربح المادي أو الشهرة وإنما لأهداف يرونها سامية. وفي هذا السياق تقول ميمي شيفر، المطربة اليهودية، "ما شجعني على الإقدام على هذه الخطوة هو فضولي للتعرف على الآخر، فقد ترعرعت في إسرائيل وكنت دائمة الشعور بقربي من الموسيقى الإسلامية". وتستطرد قائلة "من وجهة نظري فإن 95% من البشر يريدون السلام، وأنا أحاول من خلال هذا المشروع تحقيق ما عجزت عنه السياسة وبناء جسر بين الثقافات من خلال عمل فني يدعو إلى حوار بين الأديان بعيداً عن أروقة السياسة".
ويضم سليم سروة، موسيقي من الفرقة، صوته إلى صوت ميمي مؤكداً دور الفن في هذا المجال قائلاً "ما يمكن للفنان أن يحققه في حفلة واحدة قد لا يحققه السياسيون طيلة سنوات. فالموسيقى لغة عالمية تساعد على التقارب بين الحضارات والشعوب". ويضيف قائلاً "ما جذبني لهذا العمل هو بُعده الثقافي، إذ آمل أن نغير من خلاله أفكار بعض المتشددين".
أما ناصر فخري، المطرب العربي، فيرى أن هذا العمل بمثابة رد على الرسوم المسيئة للنبي محمد، فحسب تعبيره "علينا أن لا ننصاع لما يتمنى ذوو التفكير المحدود بأن نوصد باب الحوار مع الآخر ونطلق العنان لبث الكراهية والتفرقة بين الأديان والثقافات المختلفة المبنية أصلاً على التسامح وتقبل الأخر".
حفلة ناجحة رغم انتقاد المتشددين لها
ويصف ناصر وميمي الانتقادات التي واجهوها سواء من الطرف اليهودي أم الإسلامي بأنها شديدة، ووُصف ما يقومون به بأنه "مثالي ولكن غير واقعي". ولكنهم لا يعتقدون ذلك، فحسب رأيهم لا يوجد دين يدعو إلى نبذ الآخر؛ فكل الأديان تدعو إلى المحبة والتسامح.
وبالمجمل العام فقد كانت الحفلة ناجحة بكل المقاييس، من حيث الأداء والموسيقى والزي الديني المناسب واستغلال كل مساحات الكنيسة المتاحة وأيضاً من حيث المؤثرات البصرية التي رافقت العرض. يذكر أن قوام هذا العمل الفني هو 5 فنانين: عازف الكمان الفذ سليم سروة والمطرب الموهوب ناصر فخري وصاحبة الحنجرة المخملية ميمي شيفر وعازف الأورغل والبيانو والناي كريستيان هاغيتة وصاحب الأنامل السحرية سليمان تشيليك. ومن المقرر أن تُعرض "نغمة الحوار الثلاثي" لأربع مرات فقط يكون آخرها الثامن من آذار/ مارس. كما يدرس المنظمون إمكانية عرضها مستقبلاً في مدن أوروبية أخرى.