هولندا تنحو تجاه سياسة صارمة للهجرة ومنح التأشيرات
٤ نوفمبر ٢٠٠٦رغم مرور سنتين على اغتيال المخرج السينمائي ثيو فان غوخ في الثاني من نوفمبر/تشرين الثاني 2004 لا تزال تداعيات الجريمة تتوالى داخل المجتمع الهولندي على أكثر من صعيد. فمنذ ذلك الحين أجرى الساسة الهولنديون تغييرات موسعة على قوانين الهجرة اعتبرها بعض المراقبين بأنها ستؤثر سلبا على صورة هولندا كبلد متسامح يحرص على احترام الخصوصيات الثقافية والدينية للأجانب الذين يعيشون بداخله. وفي الآونة الأخيرة قامت حكومة البلاد بإجراء تعديلات راديكاليةعلى قوانين الهجرة والاندماج لمواجهة ظاهرة ما يعرف "بالمجتمعات الموازية" والحد من تدفق المهاجرين بما يضمن السلم الاجتماعي والأمني بداخلها. ويرى الخبراء أيضا بأن الجريمة المذكورة وما صاحبها من تداعيات أثرت بشكل مباشر على حياة الجالية المسلمة في هولندا وعلى الخدمات المقدمة لها وآخر تلك التداعيات تحفظ الحكومة على فتح المزيد من المساجد والمدارس الإسلامية وما الى ذلك.
تشديد سياسة الهجرة
ولمواجهة التحديات التي باتت تؤرق معظم فئات المجتمع الهولندي ونخبه قام المسؤولون في البلاد بتبني سياسة هجرة صارمة لدمج المهاجرين المقيمين في المجتمع الهولندي. لذا قامت وزيرة الاندماج الهولندية ريتا فيردونك بوضع معالم سياسة هجرة جديدة بدأ العمل بها منذ شهر مارس/آذار الماضي ويشكل تشديد إجراءات منح حق اللجوء السياسي احدى أهم نقاطها. فالوزيرة الهولندية ترغب في إطار المنحى الجديد الإسراع بترحيل نحو 30000 شخص بعد رفض طلباتهم للجوء، فضلا عن تشديد شروط منح الجنسية الهولندية وكذا تشديد إجراءات منح تأشيرة الدخول للأراضي الهولندية. وتفرض القوانين الجديدة المنظمة للهجرة على طالبي الجنسية الهولندية اجتياز اختبار أعدته وزارة الاندماج، كما انها تفرض كذلك على طالبي تأشيرة لم شمل العائلة اجتياز اختبار مماثل لدى الممثليات الدبلوماسية في الدول التي يقطنون بها قبل اتخاذ قرار منحهم أو عدم منحهم تأشيرة السفر. علاوة على ذلك تتوخى وزارة الاندماج الهولندية من هذه الإجراءات الجديدة التحكم بشكل أفضل بحركة الهجرة نحو هولندا وتسهيل عملية اندماج الأجانب فيها، حيث بررت فيردونك سياستها الجديدة كالتالي: "نرغب من تلك الإجراءات أن يكون الأشخاص الراغبون في القدوم إلى هولندا مهيئين بشكل أفضل كي تكون لديهم فرص حقيقية في هولندا للحصول على أماكن عمل أو أماكن التأهيل المهني".
تحفظات داخلية
لكن التدابير الحكومية الجديدة، وإن كانت تحظى بتأييد شريحة اجتماعية واسعة، واجهت معارضة عدد من الخبراء والناشطين الحقوقيين. فقد أبدى هؤلاء تحفظاتهم تجاه قوانين الهجرة الجديدة وسياسة الاندماج نظرا لانعكاساتها السلبية على طابع التسامح وقبول التنوع الثقافي الذي طالما تميز به المجتمع الهولندي عن سائر المجتمعات الأوروبية. وفي هذا الإطار، اعتبر مدير مركز الأبحاث في شؤون الهجرة في جامعة نيميخين الهولندية أن الهدف الرئيسي وراء خطط فيردونك ليس تسهيل اندماج المهاجرين، وإنما تقليص عدد المهاجرين الراغبين في العيش في هولندا. وأشار الخبير الهولندي إلى أن تعمد الحكومة تحديد مبلغ كبير يدفعه الراغبون في اجتياز الاختبار، 350 يورو، إنما يهدف بالدرجة الأولى إلى وضع العقبات أمام المهاجرين. وانتقد خروننديك تلك السياسة بشدة قائلا: "يتحدث المرء عن الاندماج، لكن السياسيين يقصدون بذلك التقليل من الهجرة والإقصاء والانتقاء". وعن التحولات التي طرأت على موقف هولندا من الأجانب وتغير سياستها المتعلقة بالهجرة قال الخبير في شؤون الهجرة: "لم أتصور أبدا بأن تغير هولندا مسارها بين عشية وضحاها وأن تختفي المبادئ والقيم التي كان ينظر إليها على أنها شيء أساسي بهذه السرعة. لقد كنت أعتقد أنه شيء مستحيل."
تقلص الهجرة الى هولندا
ومن ناحية أخرى، أشاد عدد مهم من الساسة الهولنديين بالنتائج الجيدة التي حققتها القوانين الجديدة المنظمة للهجرة والاندماج منذ دخولها حيز التطبيق في مارس/آذار الماضي. فقد سُجل منذ ذلك الحين تراجع حاد في طلبات التأشيرة، حيث انخفضت من 2500 طلب في الشهر إلى نحو 150 طلبا فقط. لكن ما يصفه صناع القرار الهولنديون بالنتائج الجيدة ونجاعة قوانين الهجرة الجديدة يعد في نظر خروننديك تحول الهجرة إلى نوع من المقامرة وقال: " لقد استعملت وزيرة الاندماج فيردونك مرارا كلمة "الجائزة الكبرى" حين كانت تتحدث عن منح الجنسية".
والجدير بالذكر أن وزيرة الاندماج الهولندية ريتا فيردونك تمكنت بالفعل من جلب الكثير من المؤيدين لسياسة الهجرة الصارمة التي تنتهجها، كما أنها حظيت بتكريم خاص العام الماضي حين تم اختيارها كأحسن شخصية سياسية في هولندا. لكن تلك السياسة جلبت لها كذلك الكثير من المنتقدين والأعداء، إذ تعرضت منذ تبنيها تلك التوجهات مرارا إلى الإهانة والشتم والتهديد.