أجواء إيجابية تحيط بزيارة عباس إلى أمريكا
تأتي زيارة محمود عباس لأمريكا، وهي الزيارة الأولى لرئيس فلسطيني في عهد بوش، في وقت تزداد فيه التحركات الدبلوماسية من الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني لاستثمار خطة الانسحاب من غزة المزمعة للحصول على أكبر قدر من الدعم الأمريكي. فقبل أيام أنهى رئيس الوزراء الإسرائيلي زيارة له إلى أمريكا حضر فيها أعمال مجلس اللجنة العامة للشؤون الأمريكية الإسرائيلية (ايباك) وجدد فيها تعهده بالتمسك بثلاث تجمعات استيطانية بالضفة الغربية للأبد، مشيراً إلى أن أجزاء أخرى من الأراضي المحتلة قد يتم مقايضاتها بالسلام كما هو الحال في غزة. من ناحيته أعرب عباس في كلمة نشرت له اليوم في وول ستريت جورنال عن قلقه من أن البناء المتواصل للمستوطنات والجدار الذي تبنيه إسرائيل يخنق البلدات الفلسطينية، مضيفاً أن محاولات إسرائيل غير المشروعة لفصل القدس الشرقية عن باقي الضفة سيجعل من حل قيام دولتين لإنهاء الصراع مستحيلاً.
ومن المعلوم أن الإدارة الأمريكية اتخذت موقفاً سلبياً من السلطة الفلسطينية منذ اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية، بلغ هذا الموقف ذروته مع وقف التعامل كلياً مع الرئيس الراحل ياسر عرفات، إضافةً إلى اتهام السلطة بالفساد ومساندة الإرهاب. غير أن هذا الموقف طرأ عليه الكثير من التغيير بعد تولي محمود عباس الرئاسة الفلسطينية، فبعد خطوات ناجحة في محاربة الفساد المستشري في هيكل السلطة الفلسطينية، وبعد اتفاقات مع كافة الفصائل لتهدئة الأوضاع الأمنية نجح أبو مازن في الحصول على ثقة الإدارة الأمريكية مجدداً، وتم النظر إليه باعتباره شريكاً في عملية السلام.
مزيد من الصلاحيات للسلطة الفلسطينية
إحدى النقاط الرئيسية على جدول أعمال الرئيس الفلسطيني هي إقناع الإدارة الأمريكية بتسليم معوناتها إلى السلطة الفلسطينية مباشرة بدلاً من منحها إلى منظمات غير حكومية، حيث دأبت الإدارة الأمريكية على منح السلطة قسم صغير فقط من مساعداتها البالغ حجمها 350 مليون دولار خوفاً من تعرض هذه المساعدات للاختلاس من قبل مسئولين فاسدين حسب رأي واشنطن. وقد اجتمع الرئيس الفلسطيني امس مع اعضاء الكونجرس لهذا الغرض واطلعهم على الاصلاحات الامنية والادارية التي تقضي بها خطة خارطة الطريق للسلام في الشرق الاوسط التي تدعمها الولايات المتحدة. وخلال اجتماعاته في الكونجرس قال عباس ان حكومته خطت خطوات واسعة على طريق الاصلاح المالي والشفافية. وسأل عباس الكونجرس تقديم مساعدة بطريق مباشر من خلال وزارة المالية لا من خلا منظمات غير حكومية واطراف ثالثة. وتساءل عباس قائلا "لماذا على الرغم من كل الاصلاحات وكل التغييرات مازالت الولايات المتحدة تحجب الاموال عن السلطة الفلسطينية". وأضاف "يجلس هنا قريبا مني وزير المالية الفلسطيني الذي يتمتع بالشفافية ويحاسب فلماذا لا يقدمون الاموال مباشرة من خلال وزارة المالية بدلا من الالتفاف حولنا. انكم بهذه الطريقة تضعفون السلطة الفلسطينية لا تساعدونها".
وقد صرح عضو من الوفد الفلسطيني المرافق أن اللقاء مع أعضاء الكونجرس الأمريكي جرى في أجواء إيجابية وأنهم قد أظهروا عدم ممانعتهم لتقديم المساعدات المالية للسلطة الفلسطينية مباشرة بدلا من إرسالها من خلال أطراف وسيطة نظرا لرضائهم عن مستوى الشفافية وجهود الإصلاح التي تقوم بها حكومته. غير أن قراراً نهائياً في هذا الشأن لن يتخذ قبل لقاء عباس ببوش المنتظر اليوم. من ناحية أخرى أجرى عباس لقاءين مع كل من نائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني ومع وزيرة الخارجية الاميركية كوندوليز رايس التي كررت أمامه التزام واشنطن بقيام دولة فلسطينية متواصلة جغرافيا. وقالت رايس في حديث صحفي معها أن إدارة أبو مازن قامت بأشياء جيدة جداً، وأضافت "اعتقد أنه لا يوجد أي شك حول كونها قيادة فلسطينية مختلفة عما عرفناه في الماضي. إنه شخص مسئول".
احتمال تأجيل الانتخابات الفلسطينية
وضح خلال لقاء عباس مع أعضاء الكونجرس مدى دعمهم لفكرة إرجاء الانتخابات البرلمانية الفلسطينية المقرر اجراءها في يوليو/تموز القادم ، وبالرغم من تصريح عباس بأنه لا ينوي تأجيل الانتخابات، بشرط عدم وجود أسباب قانونية تدعو على ذلك، فإن هناك اتجاه في السلطة الفلسطينية يميل إلى تأجيل الانتخابات. فقد صرح نبيل شعث نائب رئيس الوزراء الفلسطيني يوم الأربعاء في رام الله بأن الفلسطينيين لا يمكنهم تنظيم الانتخابات البرلمانية في يوليو / تموز لضيق الوقت. وأشار شعث إلى البيان الذي أصدرته اللجنة الانتخابية المركزية وقالت فيه أن الوقت غير كافي لإجراء الانتخابات في الوقت المحدد بسبب الخلاف بين أعضاء فتح في البرلمان والرئيس الفلسطيني بشأن الصلاحيات التي طلبها في القانون الانتخابي.
يذكر أن عباس يريد تغيير قانون الانتخاب ليتم انتخاب المزيد من النواب من القوائم الحزبية وليس على أسس شخصية أو عشائرية. وذلك لجذب التيار الإسلامي إلى الانخراط في العملية السياسية. غير أن بعض نواب فتح يخشون من أن التغييرات قد تكلفهم مقاعدهم، وقد تحدوا عباس ومرروا القانون دون التعديلات التي طلبها. غير أن القانون لا يعد سارياً دون موافقة الرئيس، لذلك يعتقد بعض المراقبين أن عباس سيرجع القانون إلى اللجنة التشريعية لمناقشته مرة أخرى. من ناحية أخرى أثارت أنباء تأجيل الانتخابات غضب حركة حماس ذات الشعبية المتزايدة، ورأت أن في ذلك إخلالاً بالاتفاق الذي عقده عباس مع الفصائل في القاهرة شهر مارس / أذار الماضي وفيه تعهد بإجراء الانتخابات البرلمانية في موعدها.
أزمة الانتخابات الفلسطينية معرضة للتفاقم بعد المكاسب التي حققتها حركة حماس في الانتخابات البلدية الأخيرة وإثبات وجودها على الساحة الداخلية، وقد زاد التوتر بين حركة فتح الحاكمة وحركة حماس المنافسة بعد قرارات قضائية بإلغاء نتيجة بعض الدوائر. الأمر الذي يعرض الهدنة الهشة التي تقوم بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية للخطر، خاصةً بعد تعدد الانتهاكات من جانب الناشطين ومن جانب قوات الاحتلال الإسرائيلي على حد سواء.