استلهام تراث العصور الوسطى في سوق عيد الميلاد بكولونيا
١١ ديسمبر ٢٠٠٨بالقرب من متحف الشيكولاته في مدينة كولونيا يمتد سوق خاص جداً بمناسبة أعياد الميلاد، حيث يمكن للزائرين على مدى ثلاثة أسابيع أن يستمتعوا بأجواء العصور الوسطى بكل ما تعنيه الكلمة. فهناك لا مكان للأضواء الكهربائية، ولا مكان لأية آلات حديثة سواء لطهي المأكولات المقدمة أو لصناعة السلع المختلفة المعروضة للبيع. بل وحتى ملابس البائعين ولغتهم والأغاني المقدمة والأطباق والأكواب الفخارية كلها تشعرك بأنك قد ذهبت في رحلة عبر الزمن لتعود إلى القرن الخامس عشر. تُرى ما هي قصة ذلك السوق وما الذي يدفع نحو 100 ألف زائر للذهاب إليها سنوياً ؟ هذا ما حاولنا اكتشافه خلال رحلة موقعنا الممتعة إلى هناك.
صورة صادقة للعصور الوسطى
تنظم هذا السوق كل عام جمعية مختصة مكونة من ثلاثة فئات ويطلق عليها جمعية البائعين وعمال اليد ومحاربي الملل، وهؤلاء الأخيرون هم الموسيقيون ومحركو العرائس وغيرهم ممن يؤدون الفقرات الترفيهية. وتقوم هذه الجمعية منذ 25 عاماً بإقامة هذا السوق الذي يقدم صورة حقيقية لمظاهر الحياة في العصور الوسطى. وعن السبب في اختيار تلك الفترة بالذات يقول أحد أعضاء الجمعية، شتيفان أوباخ: "إن الحقبة النازية جعلتنا ننسى الكثير عن تاريخنا الألماني، والعصور الوسطى من الفترات الهامة التي تركت آثاراً كثيرة في عدد من المدن الألمانية". يؤكد أوباخ أن جمعيتهم هي أول من بدأ بهذه الفكرة وإن كانت بدأت في الانتشار: "الآن هناك الكثير ممن يودون القيام بهذا الأمر، بعد أن مل الناس من الأسواق المعتادة، ومنهم من يؤدي هذا الأمر بشكل جيد ويلتزم بالفعل بالتقاليد القديمة إلا أن الكثيرين يطلقون على أنفسهم اسم العصور الوسطى، لكنهم يسمحون لأنفسهم بتقديم الكوكا كولا في أكواب زجاجية وبإضاءة الأماكن بالمصابيح الكهربية. أما نحن فنلتزم بالفعل بكل ما يتعلق بالعصور الوسطى، فنضئ المكان بالشموع ونقوم بكل شيء بأيدينا".
الحدادة مهنتها
الخطوات الأولى داخل السوق تفضي بالزائر إلى أجواء تلك العصور مباشرة، حيث يسمع صوتا غير مألوف لمطرقة تهوي على سندان. وعندما يتطلع إلى مصدر الصوت يرى لدهشته امرأة التي تقوم بهذا العمل العنيف، معتمدة على العناصر الطبيعية الأربعة: الأرض، التي يخرج منها خام الحديد، والنار والهواء والماء الذي يستخدم بعد ذلك لتبريد العمل. يقول شتيفان أوباخ إنه لم يكن من المعتاد أن تقوم امرأة بهذا العمل، إلا إذا مات زوجها الحداد، حيث يسمح لها بالقيام بهذا العمل لمدة عام فقط، ويجب عليها بعد ذلك أن تتزوج ومن الأفضل أن ترتبط بحداد. أما بيترا شمالتز فهي تقوم بهذه المهنة بشكل دائم كما أكدت في حديثها لموقعنا قائلاً: "إن هذا مهنتي، وأنا درست الحدادة وأقوم بها بشكل حرفي. في عملي اليومي أستخدم بالطبع تقنيات أكثر، ولكن الفكرة الأساسية واحدة. أما أثناء الأسواق والمعارض المختلفة فأنا أودي عمل الحدادة بهذا الشكل التقليدي، لكني أقوم الآن أيضاً بتنفيذ طلبيات علي تسليمها، فأنا أكسب من هذا العمل".
حرف يدوية مختلفة
ولأن سكان العصور الوسطى لا يجيدون الكتابة، فهم يحتاجون لمن يكتب لهم الخطابات، وهذا هو عمل تيسا فون بيشيرات، الذي ورثته عن والدتها. ويمكن لتيسا من خلال هذا العمل أن تصرف على نفسها وعلى دراستها، حيث أنها مازالت طالبة تدرس العلاج عن طريق الفن. أما صناعة الملابس والأقمشة فقد كانت أكثر تعقيداً كما ترى كورينا ريمش، التي تصنع الأقمشة والورود والأحذية والقبعات باستخدام أصواف الأغنام والمياه فقط لا غير. فبعد أن يختلط الصوف بالمياه ويلف على مدى ساعات يتحول إلى أقمشة تتميز بكونها تحمي من التعرض للبلل في حالة سقوط الأمطار، فالسطح يتبلل بينما يبقى الداخل دافئ. وترى ريمش أن هذه الأسواق في غاية الأهمية لإحياء التراث حيث تقول:"إن الناس يقبلون على هذه الأسواق وبداخلهم شغف للتعرف على شيء جديد وعلى طريقة العيش وعمل الأدوات المختلفة في الماضي. ويأتيني الكثير من هواة شراء هذه الأشياء المصنوعة يدوياً بالرغم من غلاء أثمانها".
الترفيه على الطريقة القديمة
وبالإضافة إلى تلك الحرف اليدوية وغيرها الكثير وإلى المأكولات الشهية المصنوعة أيضا ًحسب الوصفات القديمة، هناك الموسيقيين الذين يقدمون موسيقى تلك العصور مستخدمين آلات موسيقية قديمة. الموسيقي كنوت زيتيل يعزف ويغني بلغة عام 1350، وهي لغة غير مفهومة على الإطلاق بالنسبة للألمان في يومنا هذا. وبالإضافة إلى الموسيقى ومحركي العرائس ولاعب النار هناك أيضاً الرواة الذين كانوا يأخذون على عاتقهم توصيل قصة الميلاد إلى الشعب الذي لا يجيد القراءة ويقول شتيفان أوباخ الذي يقوم بدور الراوي: "إننا بالطبع نعرف أن نقل القصة بالتأكيد يغير من ملامحها، ونحن نروي قصة الميلاد أيضاً ونغير الكثير فيها فنقول مثلاً إن المجوس كانوا أربعة وليسوا ثلاثة، ونضيف في نهاية قصتنا أن من يريد التأكد عليه أن يقرأ ومن أعجبته قصتنا أكثر فليرويها كما رويناها".