استمرار الضبابية على تشكيل الحكومة دمار للاقتصاد الالماني
إن رسالة قطاعات الاقتصاد الألماني إلى الأحزاب السياسية بعد يومين من الإعلان عن نتائج الانتخابات التشريعية المبكرة واضحة: عليكم تشكيل حكومة مستقرة، وذلك بأسرع وقت ممكن، أو كما قال رئيس اتحاد تجارة التجزئة هيرمان فرانسن :" هيا إلى العمل." ووفقا للمراقبين الاقتصاديين، فإن ممثلي الشركات الألمانية الكبرى ومطالبتهم الأحزاب بضرورة تشكيل حكومة مستقرة وقادرة على اتخاذ القرارات يصب في مصلحة ألمانيا وقطاعاتها الاقتصادية وكذلك في مصلحة مواصلة الإصلاحات الاقتصادية التي بدأت حكومة المستشار شرودر بتنفيذها. إلى ذلك، جاءت كلمات رئيس اتحاد الشركات متوسطة الحجم ماريو أوهوفن التي دعا الأحزاب السياسية من خلالها إلى ترك الخلافات الحزبية جانبا والسعي بكل قوة إلى تشكيل الحكومة، جاءت لتشير إلى حساسية الوضع الذي تعيشه قطاعات الاقتصاد الألماني. أما مدير الاتحاد الألماني للصناعة لودولف فون فارتنبيرغ فقد كانت كلماته أكثر وضوحا عندما حذر من استمرار هذه الحالة لفترة طويلة، قائلا إن عدم التسريع في تشكيل الحكومة هو أسوأ شيء يمكن أن يحدث للاقتصاد الألماني.
أسواق العملات
من المعروف أن أسواق العملات تعتبر من أسرع القطاعات الاقتصادية تأثرا بالتغيرات السياسية. وهذا ما لاحظه الخبراء المراقبون لأسواق العملات الألمانية وخاصة حركة مؤشر الأسهم الألمانية الرئيسي "داكس" في فرانكفورت عاصمة المال في ألمانيا. ووفقا لحركة مؤشر "داكس"، فإن المراقبين ذهبوا إلى القول إن تقدم زعيمة الاتحاد المسيحي الديمقراطي أنغيلا ميركل بثلاثة مقاعد برلمانية فقط على الحزب الاشتراكي الديمقراطي بزعامة شرودر أفزع الأسواق المالية التي تخشى مأزقا سياسيا يعرقل الإصلاح الاقتصادي. وكان انخفاض اليورو بنحو واحد في المائة إلى أقل مستوى في سبعة أسابيع أمام الدولار أول المؤشرات على هذا الفزع الذي رافق سعر صرف العملة الأوروبية الموحدة في اليومين الماضيين.
الـ "داكس" يتأرجح
وقال المتعاملون في بورصة فرانكفورت إن الأسهم الألمانية انخفضت نحو 2.3 % في المعاملات الإلكترونية. كما أن الصفقات السياسية الحالية ستكون على حساب الإصلاحات الضرائبية الطموحة والتي قد تضحي بها ميركل في صفقاتها السياسية والمشاريع الائتلافية التي تحتاجها إليها من أجل الوصول إلى منصب المستشارية. ومن الواضح أن عملية الغموض السياسي الحالي تعرض عملية الإصلاح الاقتصادي للخطر، فقد سجلت أسهم المصرف الألماني "دويتشه بنك" والعملاقة "إيون" للطاقة وشركة البريد الألماني "دويتشه بوست"، على سبيل المثال وليس على سبيل الحصر، انخفاضا حادا بعد الإعلان عن نتيجة الانتخابات. ونظرا إلى إمكانية تشكيل ائتلاف كبير بين الاتحاد المسيحي الديموقراطي والحزب الاشتراكي الديموقراطي، فإن الخبراء الاقتصاديون يؤكدون أن ذلك لن تكون فاعليته كبيرة على الصعيد الاقتصادي. ويعلق رئيس اتحاد الصناعات الألمانية على نتائج الانتخابات بالقول إنه "أصيب بخيبة أمل مريرة،" معللا ذلك بالقول إن ألمانيا "أصبح من الصعب حكمها". ويجمع كبار رجال الأعمال والاقتصاد على أن أي ائتلاف مهما كان شكله لن يساهم في تغيير جذري للأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تمر بها ألمانيا.
الخوف من الإصلاحات
"الناس متخوفون من التغيير الجذري." هذا ما أظهرته استطلاعات الرأي التي أكدت انخفاض تأييد الناخبين لبرامج ميركل وحزبها الاقتصادية وخاصة بعد أن علقت آمالها على الخبير الاقتصادي باول كيرشهوف. وكانت ميركل تظن أن كيرشهوف ورقة رابحة في معركتها الانتخابية. إلا أن تقديمه لمقترحات ضرائبية جذرية أتت بنتائج عكسية ولدت لدى المواطن مشاعر الخوف. هذا جعل الناخب قلق من تغيير جديد في السياسة الضرائبية. وكان ترشيح ميركل لكيرشهوف وزيرا للمالية هدية من السماء لشرودر الذي كان وفقا للاستطلاعات الأخيرة في موقف لا يحسد عليه. ولكنه تمكن في مناظرة التليفزيونية أمام ميركل من انتقاد السياسة المالية التي ينوي كيرشهوف إتباعها، معللا ذلك بأن هذه السياسة المالية ستدفع البلاد إلى حالة من التصلب والركود.
قطاع صناعة السيارات
وبما أن قطاع صناعة السيارات يعتبر من أهم قطاعات الاقتصاد الألماني، فإن مطالبة الأحزاب السياسية بالمضي قدما على طريق تشكيل حكومة مشتقرة جاءت بالدرجة الأولى على لسان مدراء شركات صناعة السيارات. وفي هذا الخصوص قال رئيس اتحاد صناعة السيارات بيرنت كوتشالك في تصريحات لوسائل الإعلام اليوم في فرانكفورت إن الأحزاب يجب عليها بأسرع وقت ممكن نهج سياسة واقعية بعيدة عن الخلافات الحزبية وترمي إلى تشكيل حكومة مستقرة. تجدر الإشارة إلى أن معظم الاتحادت الاقتصادية ترجح كفة تشكيل حكومة وحدة وطنية تجمع الحزبين الكبيرين المسيحي الديمقراطي والاشتراكي الديمقراطي.
ما العمل؟
السؤال الذي سيبقى عالقا في فكر الناخب الألماني بغض النظر عن الحزب الذي سيتولى منصب الاستشارية الألمانية هو: هل سيتمكن الحزب الحاكم من إخراج ألمانيا من حالة الركود الاقتصادي الذي تعاني منه منذ فترة طويلة؟ وهل سينجح في إصلاح الأوضاع الاقتصادية وخفض نسبة البطالة؟
هبة الله إسماعيل ـ دويتشه فيله