الإيطاليون يعيدون برلسكوني إلى السلطة للمرة الثالثة
١٥ أبريل ٢٠٠٨فاز سيلفيو برلسكوني أمس الاثنين للمرة الثالثة في الانتخابات الإيطالية، وهي خامس انتخابات يخوضها منذ دخل عالم السياسة، متحديا أولئك الذين اعتبروا أن الملياردير الذي تحول إلى سياسي وقد بلغ من الكبر عتيا ( 71 عاما) أصبح بلا شعبية. ويعني فوز برلسكوني في الانتخابات عودته كرئيس للوزراء بعد مضي عامين على تركه للمنصب، وهو ما سيعني أيضا عودة واحد من أقدم زعماء أوروبا وأكثرهم حيوية وإثارة للجدل إلى المسرح العالمي مرة أخرى. ويقول برلسكوني الذي قارن نفسه ذات يوم بيسوع المسيح إن "الناس تحبني كما أنا وأنا لست سياسيا".
وتجدر الإشارة إلى أن برلسكوني فاز بأغلبية مريحة على منافسه الذي ينتمي إلى تيار يسار الوسط، وولتر فلتروني، في كل من مجلسي البرلمان. ولم يجر بعد فرز بعض الأصوات التي أدلى بها الإيطاليون الذين يعيشون في الخارج، غير أنه تأكد فوز برلسكوني بعد الإعلان عن معظم نتائج التصويت، الذي جرى يومي الأحد والاثنين، الليلة الماضية.
أولويات برلسكوني: تنظيف القمامة وتخفيض الضرائب
ومنذ دخول برلسكوني عالم السياسة لأول مرة عام 1994 عقب فوزه بأول انتخابات، فإن شعاره الانتخابي لم يتغير: إنه هو وحده القادر على علاج إيطاليا مما أصابها من أمراض جراء تلك التوليفة من "البيروقراطيين" و "الشيوعيين". وتعهد الرجل قبل الانتخابات الأخيرة بأن يكون رفع القمامة من شوارع نابولي سيكون على رأس قائمة أولوياته ثم سيوجه اهتمامه لخفض الضرائب. كما شملت قائمة تعهداته الاحتفاظ بشركة الطيران الايطالية الوطنية اليتاليا في أيدي الإيطاليين وبناء جسر يربط جزيرة صقلية بالبر الرئيسي.
وتحول الإيطاليون مجددا إلى برلسكوني حتى وإن ظل من غير الواضح كيف يخطط الرجل الذي يلقبونه بـ "الفارس" لحل مشكلات البلاد الاقتصادية والاجتماعية المتشعبة. وتشمل قائمة هذه المشاكل نسبة النمو التي تقترب من الصفر وارتفاع معدلات التضخم والعجز الكبير في الميزانية وتراجع القدرة على المنافسة وانخفاض مؤشر ثقة المستهلك. ولم يكن لدى برلسكوني خلال الحملة الانتخابية الكثير ليقوله عن تخليص ايطاليا من بلاء عصابات الجريمة المنظمة ومنها المافيا التي لا تزال مزدهرة في الجنوب الايطالي الفقير. وبدلا من ذلك أشاد برلسكوني بشخص مدان من هذه العصابات رفض الزج باسمه في تحقيق يعود إلى الأيام التي كان لا يزال فيها مجرد رجل أعمال.
معركة قديمة جديدة مع القضاء
واشتكى برلسكوني خلال فترة ولايته الأخيرة التي استمرت خمس سنوات من 2001 إلى 2006 وهي فترة قياسية من حيث طولها في التاريخ الايطالي الحديث مرارا من أن قدرته على الحكم مكبلة بفعل قضاة يساريين مصممين على الثأر السياسي منه. ومن بين الانتقادات المتكررة لرئيس الوزراء المنتخب أنه أهدر وقتا طويلا في محاولة استصدار قوانين لحماية إمبراطوريته الإعلامية الواسعة والحيلولة دون إدانته.
وخلال الحملة الانتخابية الأخيرة أظهر برلسكوني أنه لا يزال يسعى لمواجهة القضاة وذلك بتلميحه إلى أن ثمة حاجة للكشف على سلامتهم العقلية. وتنبأ المؤرخ والمحلل السياسي بوب جينسبورج، المقيم في فلورنسا، بأن ثمة أشياء من المرجح أن يفعلها برلسكوني عندما يفوز منها استكمال مهمته في إخضاع القضاء للسلطة التنفيذية، وهو بهذا سيدمر توازن السلطات في الدولة الايطالية الديمقراطية، حسب تعبير جينسبورج.
من إمبراطور عقارات إلى إمبراطور إعلام
ومن الشكاوى أيضا التي دأب برلسكوني على ترديدها إبان فترة حكمه السابقة إن يداه مكبلتان بسبب شركائه في التحالف أصحاب الذهنيات الأقل ميلا للإصلاح. وهاهو برلسكوني يجد نفسه هذه المرة يعود إلى السلطة مع حزب "الرابطة الشمالية" حليفه القديم، وهو حزب معروف بكراهيته للأجانب وحقق نتيجة طيبة في الانتخابات تؤهله لزيادة تأثيره على توجيه سياسات الحكومة القادمة.
ولد برلسكوني في ميلانو لأب كان موظفا في أحد المصارف وأم تعمل سكرتيرة عام 1936. وقد برز كإمبراطور عقارات مطلع السبعينيات من القرن الماضي. وبحلول نهاية العقد صار مالكا لعدد من قنوات التليفزيون المحلية أيضا. وتهيأت الساحة أمام برلسكوني لتوسيع إمبراطوريته الإعلامية منتصف الثمانينات عندما فتح بتينو كراكسي رئيس الوزراء وقتها، وهو صديق مقرب لبرلسكوني فر من البلاد لاحقا لتفادي مواجهة اتهامات بالفساد، موجات الأثير الوطني أمام محطات الإذاعة والتليفزيون الخاص.