العنف في العراق وحلم إقامة الدولة السنية
١٤ أغسطس ٢٠١٣ضاق أبو سامر ذرعاً بالوضع في بلاده، إذ يقول العراقي البالغ من العمر 64 عاماً بيأس: "الوضع في العراق لن يتحسن". ويعيش أبو سامر في منطقة الشعب، الحي الشيعي الواقع شمالي العاصمة بغداد، حيث قُتل هناك ثمانية أشخاص السبت الماضي (10 آب/ أغسطس 2013) في انفجار سيارتين مفخختين. ويضيف المواطن العراقي: "لا أثق بأي من السياسيين، فقد قدموا الكثير من الوعود، لكن الإرهاب كان نتيجة سياساتهم".
منذ مطلع العام الجاري ارتفعت معدلات العنف في العراق من جديد بشكل واضح، ففي شهر تموز/ يوليو الماضي وحده حصدت الهجمات أرواح أكثر من ألف مواطن عراقي، بينهم الكثير من النساء والأطفال. والجناة يزرعون قنابلهم أمام الأسواق والمطاعم ودور العبادة أو يفجرون أنفسهم في المتنزهات وأماكن اللعب. خلال الاحتفال بعيد الفطر السبت الماضي انفجرت في بغداد 16 سيارة مفخخة في يوم واحد. وهنا أيضاً كان معظم الضحايا من الشيعة الذين يمثلون الأغلبية في العراق.
حرب بين المسلمين
ويقف خلف أغلب الهجمات المتمردون السنة، وبعض المجموعات منهم تهاجم قوات الأمن في المقام الأول، بينما لا تفرق الأخرى بين المدنيين وقوات الأمن. وأكثر الهجمات دموية هي تلك التي تشنها "الدولة الإسلامية في العراق والشام"، وهي الجناح العراقي لتنظيم القاعدة. والهدف من هذه الهجمات هو إرهاب الناس وتخويفهم. ويجب "أن يعيش الشيعة في خوف دائم في الليل أو النهار"، كما جاء في بيان للتنظيم بعد سلسلة الهجمات الدامية مؤخراً.
يقول الخبير الألماني في الشؤون العراقية غيدو شتاينبيرغ من معهد الدراسات الدولية والأمنية في برلين: "القاعدة هي رأس الحربة للمقاومة العنيفة للسنة". وبحسب الخبير الألماني فإن التنظيم نجح خلال الأشهر الأخيرة في تجنيد الكثير من المقاتلين الجدد. ويتمثل هدف القاعدة في "نشوب حرب أهلية بين السنة والشيعة"، تتوج نهايتها بدولة يهيمن عليها السنة، كما يؤكد الخبير الألماني، الذي يستدرك بالقول إن القاعدة لا تمثل جميع المكون السني. إذ يوجد أيضاً الكثير من السنة، الذين ينهجون طرقاً سلمية للاحتجاج على سياسات رئيس الحكومة الشيعي نوري المالكي.
صراع على السلطة في بغداد
وخلفيات تصعيد العنف في العراق مرتبطة منذ أعوام بالصراع المتزايد على السلطة بين الشيعة والسنة. ويوضح الخبير الألماني أن المالكي يحاول إقامة دكتاتورية على حساب السنة. "السنة يدافعون عن عدم تهميشهم". ولا تتجاوز نسبة السنة العرب في العراق 20 بالمائة من سكان العراق. أما الشيعة فيشكلون 60 بالمائة تقريباً.
وحين تولى نوري المالكي رئاسة الحكومة العراقية عام 2006، أعلن عن حكومة عابرة للطوائف: "الوزارات ليست ملكاً لرئيس الحكومة، هذا يعني أنه لا يُسمح له باستغلالها على أساس انتمائه الديني والإثني". لكن خلال السنوات اللاحقة اتجه المالكي بشكل متزايد نحو التفرد بالحكم.
عنف وعنف مضاد
جابه المالكي احتجاجات السنة بعنف، ففي نيسان/ أبريل 2013 أمر بالهجوم على الحويجة، التي كانت مركزاً للمقاومة السنية. وسقط أكثر من أربعين قتيلاً نتيجة للهجوم. وانتقدت منظمة هيومن رايتس ووتش الإجراء "شديد القسوة" لقوات الأمن العراقية، فقد تم تعذيب المشتبه فيهم لانتزاع الاعترافات. وتبع ذلك الإدانات على أساس مبدأ "المخبر السري" المعمول به منذ زمن الرئيس السابق صدام حسين. ويُزعم أن الإرهابيين السنة تم إعدامهم من دون الإعلان عن أسمائهم وتفاصيل جرائمهم.
وسواء كان الأمر يتعلق بالمتمردين السنة أو الميلشيات الشيعية أو قوات الأمن الحكومية، فإن جميع الجهات ترتكب خروقات لحقوق الإنسان في ظل مناخ العنف الحالي، كما يقول جو شتورك، خبير الشؤون العراقية في منظمة هيومن رايتس ووتش. ويضيف شتورك: "لذلك يجب على الحكومة التحرك من أجل إنهاء دوامة العنف".
مستقبل غامض
لكن غيدو شتاينبيرغ يتوقع عكس ذلك، إذ يعتقد أن الحكومة ستحاول إنهاء العنف "بالوسائل المتعارف عليها هناك، أي باستخدام العنف. لذلك لا يمكن الحديث عن إحلال الأمن في العراق خلال السنوات القادمة". ويشير الخبير الألماني إلى أن رئيس الوزراء نوري المالكي والأحزاب الشيعية الداعمة له ليسوا على استعداد لمشاركة السنة والقوى المدنية في دفة الحكم.
وحتى الولايات المتحدة ليس لديها سوى عدد محدود من الخيارات للتأثير على المالكي. "التأثير الأمريكي تراجع خلال السنوات الماضية بشكل كبير أمام التأثير الإيراني الذي ازداد قوة"، كما يقول شتاينبيرغ، الذي يضيف: "إذا ما أراد المرء التأثير في العراق، فعليه أن يسلك طريق طهران على ما يبدو، وهو ما يعد مستحيلاً بالنسبة للفاعلين السياسيين الغربيين في الوقت الراهن".
وحتى العراقي أبو سامر هو الآخر ينظر بتشاؤم إلى مستقبل بلده، إذ لا يعتقد أن هناك نهاية قريبة للعنف بين طوائف سكان العراق. وفي ضوء العنف اليومي تقريباً في مدينته بغداد، فإن المواطن العراقي يشعر بالخوف على عائلته، لذلك يتمنى أن يرسل أطفاله إلى خارج العراق، "بعيداً عن كل ما يحدث هنا". لكن هذا أصعب من أن يتحقق.