انتقادات حادة للسياسة الأوروبية حيال اللاجئين
١٩ يونيو ٢٠٠٦في إطار مساعي المنظمات الإنسانية لحماية حقوق اللاجئين تقوم ألمانيا أيضا ًبمحاولات لتغيير قوانين اللجوء بها، وستكون مناقشة الخطط الأوروبية المستقبلية لحماية حقوق اللاجئين على رأس اهتمامات المؤتمر السادس لحماية اللاجئين الذي انطلق اليوم في برلين. يحمل المؤتمر شعار: "اللجوء إلى أوروبا - فرص ومخاطر. آفاق جديدة للسياسة الأوروبية بخصوص منح حق اللجوء على أراضيها"، ويقام في الأكاديمية الإنجيلية في برلين بحضور سياسيين ورجال قانون وممثلين من الكنيسة بالإضافة إلى العديد من المنظمات غير الحكومية، ومن بين هؤلاء وزير الداخلية الألماني فولفجانج شويبله. شاركت في الإعداد للمؤتمر منظمة آمنستي العالمية ومنظمة "برو آزيل" الألمانية.
مئات الآلاف يسعون للخروج من بلدانهم بحثاً عن فرصة لحياة أفضل، أو فراراً من خطر القمع وتهديد الفقر في بلادهم، فيدفعهم الطموح أحياناً حتى إلى المخاطرة بحياتهم والقيام بهجرة سرية يعبرون خلالها البحار فوق مراكب صغيرة، وتكون النتيجة وفاة عشرات من هؤلاء يومياً. وبدلاً من فتح الأبواب لمساعدتهم، أبدى الكثير من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي استعدادهم لإرسال البواخر والطائرات إلى منطقة جزر الكاناريا- أكثر المناطق التي يسعى إليها المهاجرون- للكشف عن المهاجرين غير الشرعيين والقبض عليهم. أما أسبانيا فقد قررت بناء مراكز إيواء مؤقتة في موريتانيا والسنغال سعياً للبدء في عملية واسعة للبحث عن اللاجئين غير الشرعيين وترحيلهم. إلا أن ما يحدث في الحدود الأوروبية الجنوبية، تعتبره منظمة "برو آزيل"، المدافعة عن حقوق اللاجئين، دليلاً على الإفلاس الأخلاقي للاتحاد الأوروبي. وعن هذه السياسة الطاردة للاجئين، يقول كارل كوب ممثل منظمة "برو آزيل" في الاتحاد الأوروبي:"من يتعامل فيما يخص المهاجرين واللاجئين القادمين من الدول الأفريقية بطريقة عسكرية، يشجع العنصرية ويقوم بانتهاك لحقوق الإنسان". من قبل، انتقدت منظمة "أطباء بلا حدود" أعمال العنف التي تمارسها الشرطة المغربية والأسبانية مع المهاجرين الذين كانوا يحاولون التسلل عبر جزيرتي سبتة ومليلة إلى أسبانيا، وهو ما أدى إلى تغيير نقطة بداية الرحلة إلى أوروبا ونقلها إلى موريتانيا والصحراء الغربية، وهو ما أدى إلى أن يكون الطريق أكثر طولاً وبالتالي أكثر خطورة.
فتح الأبواب لحماية اللاجئين هو الحل
السبب في بعض هذه القوانين الصارمة التي يتخذها الاتحاد الأوروبي لتضييق الفرصة أمام الهجرة غير الشرعية هو سوء استغلال حق اللجوء من قبل البعض. أما جماعة شباب أوروبا الفيدراليين، والتي تسعى إلى تحقيق المزيد من الديمقراطية والحرية واحترام حقوق الإنسان داخل أوروبا، فهي ترى أن طرد هؤلاء اللاجئين ليس الحل، لكن الحل هو مساعدة هؤلاء الهاربين من بلادهم على إيجاد المزيد من الفرص لحياة أفضل عن طريق الإعانات وتحسين سياسة التنمية المشتركة. وهو ما تراه أيضاً منظمة "برو آزيل" والتي طالبت الاتحاد الأوروبي بالسماح لهؤلاء المهاجرين بالدخول إلى داخل الحدود بأمان، ثم دراسة حالة كل منهم على حدة. كما أكدت على أهمية عمل المنظمات الإنسانية لتوفير الفرص للأفارقة في بلدانهم، حيث أن أفريقيا ليست بحاجة إلى مراكز إيواء جديدة ولكن الكثيرين من أفريقيا بحاجة إلى الحماية، وهو ما يجب على دول الاتحاد الأوروبي توفيره لهم، كذلك على دول الاتحاد الأوروبي الاهتمام بسياسة التنمية والتجارة الشريفة التي لا تعتمد على استغلال العمال والفلاحين في الدول الفقيرة. فأوروبا تدمر الأسواق الأفريقية وتخلق المزيد من الفقر والجوع والأسباب التي تدفع إلى الهروب واللجوء السياسي.
ألمانيا وطرد اللاجئين
في العام الماضي تقدم نحو 29 ألف شخص يطلب اللجوء في ألمانيا، حصل أقل من 1 بالمئة منهم على حق اللجوء، بينما حصل 4.3 بالمئة على حق الحماية كلاجئ و2.3 لم يطردوا بسبب المخاطر التي قد يتعرضوا لها في بلادهم الأصلية إذا ما اضطروا للعودة إليها. وهو ما يعني أن معظم المتقدمين للحصول على حق اللجوء لا يجدون لهم مكاناً في ألمانيا، بالرغم من أن عدد المتقدمين يقل بشكل واضح، فالمتقدمون في النصف الأول من هذا العام أقل بنسبة 20 بالمئة تقريباً من المتقدمين في نفس المدة في العام الماضي، أكثر المتقدمين من صربيا مونتنجرو يليهم الأتراك والعراقيون. وبعض من يطردون يضطرون إلى العودة إلى بلاد غير آمنة، مثل أفغانستان أو كوسوفو أو العراق. ولم يقل عدد اللاجئين بسبب ضعف جاذبية أوروبا بالنسبة لهم، بل بسبب صعوبة الإجراءات وقلة عدد المقبولين، فهذه القوانين الصارمة قللت عدد المتقدمين إلى أوروبا بشكل واضح كما أنها كسرت الحلم الأوروبي بالنسبة للكثيرين وانغلقت الحدود التي كانت تخبئ خلفها الديمقراطية والرخاء وكرامة الإنسان وضاع حلم الحياة الأفضل. ولا ينطبق هذا الأمر فقط على هؤلاء الذين لم يتمكنوا من الدخول إلى أوروبا، لكن أيضاً بالنسبة لكثير ممن دخلوا إليها ولم يتمكنوا من الحصول على حق اللجوء.
من بين هؤلاء، يوليوس دينيس أحد المهاجرين السريين الذي دخل أوروبا من بوابة أسبانيا والذي ينتظر قرار ترحيله إلى بلده في سجن في شرق برلين. يوليوس تمكن من دخول ألمانيا وكان ينام في إحدى الكنائس ويعمل في أحد المطاعم، حتى تم القبض عليه. يوليوس هرب من ليبيريا لأنه كان يرفض المشاركة في أعمال العنف هناك، وهروباًَ من الحرب الأهلية لكن أوراقه لم تكن كافية بالنسبة للحكومة الألمانية لقبول طلب اللجوء: "السفارة في ألمانيا لا يمكنها التعرف على كل مواطني ليبيريا، ففي أفريقيا لا يسجل كل طفل يولد على نظام كمبيوتر، وبالتالي لا يمكن إثبات أنني ليبيري. أوراقي كانت هناك في منزلي في ليبيريا لكن الحرب دمرت كل شيء"
أوروبا تحتاج إلى سياسة لجوء جديدة
حالة يوليوس ليست الحالة الوحيدة، فسهيلة جعجع، لبنانية الأصل تسعى إلى الحصول على حق اللجوء، لكن الأمر استغرق كثيراً حتى أثبتت الأم التي تربي خمسة أبناء وغير المتعلمة أنها تتعرض للعنف والملاحقة في بلدها، وأنها تحتاج للحماية. وإن كانت سهيلة لم تحصل على حق اللجوء السياسي، إلا أنها أخيراً حصلت على إقامة دائمة وقد أراحها هذا القرار: "إنني أشعر أن ألمانيا هي وطني وليس لبنان، ألمانيا هي وطن أبنائي، وقد ولد اثنان منهم هنا". لكن الأمر قد يكون صعباً بالنسبة للأبناء كما يؤكد محاميها، إذ أنهم لن يتمكنوا من الحصول على الجنسية، طالما أن الأبوين ليسا ألمانيين، إلا أن سهيلة تجد أن أهم شيء الآن هو السماح لها بالعيش بسلام بعيداً عن التهديد في لبنان. لكن الحصول على حق اللجوء ليس نهاية المطاف، فاللاجئ يظل منعزلاً عن المجتمع لمدة طويلة، لا يحق له العمل، ولا يحصل على مساعدة اجتماعية كافية لمعيشته، بالإضافة إلى أنه لا يحصل على حق تعلم اللغة الألمانية بالمجان. وهو حال التركي مصطفى، الذي سجن عشرة أعوام في تركيا بسبب دفاعه عن حقوق الأكراد. مصطفى حصل على حق اللجوء في ألمانيا ولكنه واجه الكثير من الصعوبات يصفها قائلاً: "كانت برلين كالمحيط الكبير وأنا أشعر أنني لا أستطيع السباحة". تيدا فيدل المتطوعة في منظمة زينيون الخيرية هي التي ساعدته على التأقلم، فالمنظمة أدركت مشكلة اللاجئين وبدأت برنامج لمساعدتهم على الاندماج. لكن الحل الحقيقي لن يتوقف على المبادرات الشخصية وعمل المنظمات غير الحكومية، فالمطلوب إيجاد سياسة أوروبية واضحة تتعامل مع اللاجئين كثروة وفرصة لإثراء البلاد، خاصة مع قلة عدد المواليد في أوروبا كلها. فهجرة اللاجئين قد تفتح أفقاً جديداً أمام أوروبا وأيضاً أمام هؤلاء الذين يعانون في بلادهم.