انتقال السلطة في السودان.. كثر الطُهاة فتأخر إنجاز الطبخة!
٣ مايو ٢٠١٩طرحت قوى "اعلان الحرية والتغيير" والتي تقود المشهد الثوري في السودان ما أسمته بالوثيقة الدستورية قدمت فيها رؤيتها لصلاحيات ومهام المؤسسات في الدولة خلال المرحلة الانتقالية.
ويدور الجدل حالياً بين قوى الثورة والمجلس العسكري الذي يحكم البلاد حول عدة نقاط أهمها طول الفترة الإنتقالية وحجم صلاحيات المجلس الإنتقالي ومن سيكون بيده إدارة الوزارات السيادية إلى جانب حجم التمثيل ما بين مدني وعسكري
خلافات عميقة
ويرغب العسكريون في أن يتألف المجلس الانتقالي من عشرة مقاعد، سبعة منها للممثلين عن الجيش وثلاثة للمدنيين، فيما يريد المحتجون أن يتألف المجلس المشترك من 15 مقعداً يحصل العسكريون منها على 7 مقاعد.
ويرى "تحالف الحرية والتغيير" الذي ينظم للاحتجاجات أنّ الجيش "غير جاد" في تسليم السلطة للمدنيين، ما جعل مئات الآلاف يتجمعون خارج وزارة الدفاع للضغط على المجلس العسكري الحاكم لتسليم السلطة، ما سبب تفاقم التوتر بين الطرفين.
المجلس العسكري بدوره حذّر بأنه لن يسمح "بالفوضى" وحث المتظاهرين على تفكيك الحواجز وفتح الطرق والجسور التي أغلقها المتظاهرون، فيما أكد تحالف الحرية والتغيير أنّ "المجلس العسكري الانتقالي يصر على أن يكون المجلس السيادي المشترك عسكرياً بتمثيل للمدنيين، فيما هو يمدد سلطاته يوميا ".
ويقول توبياس سايمون، المحلل السياسي الألماني والخبير في شؤون القرن الإفريقي إن "قادة الجيش السوداني لا يبدو أنهم سيستسلمون للضغوط قريباً. صحيح أنه يبدو للبعض أنهم يرغبون في مرحلة انتقالية منظمة لكن هناك تهديدات خفية لوحظت في تصريحات من قبيل لن نسمح بالفوضى، ما يثير القلق مما قد يفعله الجيش لمنع هذه الفوضى" بحسب ما قال خلال مقابلة له مع DW عربية.
تدخلات إقليمية
ويشير محللون وخبراء إلى وجود تقاطعات لمصالح إقليمية ودولية في المشهد السياسي السوداني، ما قد يتسبب في اشتعال الأوضاع في أي وقت لتصل الأمور إلى ما لا تحمد عقباه.
ويدور حديث متكرر حول دور المحور المصري ـ الإماراتي ـ السعودي في محاربة فكرة تغيير أنظمة الحكم وإقامة دول ديمقراطية من خلال الثورات. الخوف نفسه تناقله مغردون سودانيون على موقع تويتر.
يقول خالد الشقراوي الخبير في الشأن الإفريقي إن "هذا التحالف يعمل ليس فقط على محاربة فكرة الديمقراطية وإنما على منع حضور أي تواجد إسلامي في المشهد السياسي وخصوصاً مصر التي لن تسمح بذلك في جوارها الاستراتيجي".
ويخشى التحالف المصري الخليجي كذلك من امتداد النفود القطري التركي في السودان خاصة بعد الاتفاقيات الضخمة التي كان قد وقعها الرئيس السوداني المخلوع عمر البشير مع نظيره التركي طيب اردوغان، كما يخشى التحالف من سحب القوات السودانية التي تساهم بأعداد كبيرة في حرب اليمن، ما يربط القادة الأمنيون والعسكريون في السودان بعلاقات قوية مع القاهرة وابو طبي والرياض، بحسب الشقراوي.
ويساور البعض القلق - ومنهم الشقراوي – ألا تتوقف محاولات تكرار النموذج المصري في السودان وليبيا والجزائر "وهو نموذج صعود رجل عسكري قادر على إنفاذ أجندته ورؤيته مهما كلف الأمر ومهما كان الثمن بدعوى حفظ وحدة البلاد، وأن التغيير الحادث تسبب في فوضى وأنه هو من لديه الحل الناجع".
لكن محمد لطيف رئيس تحرير صحيفة الأخبار السودانية بالخرطوم يرى أن التدخل الخليجي المصري "يهدف في الأساس لإقصاء الإسلام السياسي من المشهد وأن ما حدث في السودان اليوم يلبي تطلعات وطموحات هذا الحلف، وبالتالي فلا خوف من تدخله في المشهد بعد أن تحقق ما كان يريده بالفعل".
أزمة الميليشيات المسلحة
تنتشر في السودان الكثير من الفصائل والميليشيات المسلحة يتهم بعضها في فظاعات وجرائم ضد الإنسانية خصوصا في دارفور. ومع سيولة المشهد السياسي الحالي في البلاد يخشى من استخدام هذه الميليشيات كورقة يلعب بها البعض لتحقيق أهدافه.
وتحسباً لأمر كهذا، أكد قادة الاحتجاجات في السودان أن الإدارة المدنية التي يرغبون في تشكيلها يجب أن تشتمل على ممثلين للجماعات المسلحة التي أمضت سنوات في القتال ضد الخرطوم خلال حكم الرئيس المخلوع البشير.
"الأزمة الحقيقية أن السودان أشبه بقنبلة موقوتة قد تنفجر في أي لحظة"، هكذا يرى خالد الشقراوي مدير مركز إفريقيا والشرق الأوسط للدراسات في المغرب مستشهداً على ذلك بانتشار السلاح في أيدي ميليشيات بينها خلافات عرقية وقبلية وسياسية.
يضيف الشقراوي قائلاً إنه "نظراً لغياب الحكم الرشيد في عهد البشير لمدة 30 عاماً والفوضى التي خلقها بتجنيده لمجموعة من الميليشيات ساهمت إلى حد كبير في ضمان استمراره في الحكم، فإن الوضع قابل للاشتعال" مرجحا أن "هذا الأمر قد يكون أحد الأوراق التي قد تلعب بها الدولة العميقة في السودان - والتي يتحكم فيها الأمنيون والعسكريون بشكل واضح – في محاولة لخلق حالة من الفوضى تعطيه ذريعة للتدخل الخشن في المشهد بدعوى حفظ الأمن واستقرار البلاد".
لكن الخطورة تكمن أيضاً في صعوبة السيطرة على هذا الوضع الذي قد يخرج عن إطار السيطرة ويتعدى حدود ما هو مطلوب أن يصل اليه المشهد السياسي فاللعب بهذه الورقة فعليا " ليس في صالح السودان ولا في صالح من يتحكمون في القرار في الخلفية".
الدين.. اللعب على الوتر الحساس!
خلال الأسبوع الماضي تصاعدت اتهامات للمشاركين في الحراك بالشارع السوداني بأنهم مجموعة من العلمانيين والاشتراكيين الذين يريدون تغيير وجه السودان البلد العربي ذو الحضور الإسلامي القوي في كافة المجالات، وهي الاتهامات التي انتقلت إلى شبكات التواصل الاجتماعي:
ويؤكد محمد لطيف رئيس تحرير صحيفة الأخبار السودانية على أن فكرة وجود نزاع بين العلمانيين والإسلاميين ووجود محاولات لإقصاء الشريعة هي فكرة لخلاف مصطنع لا حقيقة له على الأرض، "فالقوى التي تسيطر على المشهد السياسي لم يتحدث أي منها عن هذا الأمر والقضية الأساسية هي فصل الدين عن الممارسة السياسية وقطع الطريق على استغلال الدين في السياسة. وهناك من يحاول تشويه هذه المعركة وتلوين المسالة وطرح شعارات لا تمت للحقيقة بصلة".
وكان تيار "نصرة الشريعة ودولة القانون" قد تقدم بمذكرة للمجلس العسكري حذر فيها من "الانصياع أمام الضغوط السياسية لتيارات متطرفة تعمل على اقصاء ثوابت المجتمع السوداني، ما يشكل استفزازاً يضرب وحدة الوطن وسلامة المجتمع في المرحلة المقبلة من تاريخ البلاد".
عماد حسن