انشقاق داخل جماعة الإخوان في مصر – صراع أجيال أم اختلافات إيديولوجية؟
٥ أغسطس ٢٠١١حركة وديناميكية كبيرة في المقر الرئيسي لجماعة الإخوان المسلمين في القاهرة. محمد بديع، المرشد العام للجماعة يتنقل بين الجموع الغفيرة ويحي الحاضرين تارة بابتسامة وتارة بمصافحة الأيادي ويرحب بالضيوف الأجانب قائلاً: "مرحبا بكم في مصر الحرة". ويذهب بديع مسرعاً إلى موعد مهم في الطابق الأول من البناية، حيث يلتقي مع مجلس الشورى العام، وهو الهيئة التشريعية لجماعة الإخوان المسلمين. موضوع مهم يتصدر أجندة هذا الاجتماع المهم، ذلك أن مجموعة من شباب الإخوان المسلمين أعلنت قبل عدة أسابيع انشقاقها وتأسيس حزب جديد باسم "التيار المصري". قرار قوبل بالرفض من قبل محمد بديع واللجنة القيادية للجماعة، مشددين على ضرورة توحيد صفوف الجماعة.
"ضغوط الماضي حالت دون انفتاح الإخوان"
تأسيس حزب التيار المصري لم يكن بالأمر المفاجئ، فمع اندلاع الثورة المصرية اندلعت معها النقاشات والجدل بين مجموعة من شباب الإخوان وبين قياداتها. البعض من شباب الإخوان أعرب عن عدم رضاه بمجلس الشورى العام مطالباً بانفتاح أكبر وبإشراك أكبر لهم. لكن أغلبية شباب الإخوان راضية عن قيادتهم، وكأن انشقاقا ينذر بتفرقة صفوف شباب الإخوان.
جماعة الإخوان المسلمين تقدم نفسها للخارج على أنها متماسكة ومتحدة، ولكن داخلها يشهد تصدعاًً، خاصة وأنها حركة تضم داخل صفوفها تيارات إسلامية مختلفة، من راديكاليين وسلفيين وليبراليين. وخلال فترة حكم الرئيس السابق حسني مبارك كان المجال للجدل الإيديولوجي ضيقاً جداً، ذلك أن نضال الجماعة من أجل البقاء جعل هذا الأمر ثانوياً. "الضغط الذي مارسه النظام السابق جعل الجماعة متكاتفة"، وفق ما يقول حسام تمام، خبير في الحركات الإسلامية في مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية في القاهرة. ويضيف تمام قائلاً: "بدون هذا الضغط المسلط من الخارج تطفو الآن الايديولوجيات المختلفة على السطح".
الشريعة – محل خلاف بين جيلين
أحمد أبو الفضل معجب بأفكار التيار المصري رغم أنه لم ينضم إليه بعد. ففي بيان "التيار المصري" ليس للشريعة إلا دوراً ثانوياً، بعكس "حزب العدالة والحرية" ، وهو حزب أسسته الجماعة بعد اندلاع ثورة 25 يناير وهو ذو مرجعية إسلامية. سباب الإخوان المنشقين يريدون إتباع سياسية منفتحة حتى على المسيحيين. ويقول أحمد، وهو شاب في نهاية عقده الثاني: "ما ينقصنا هو الانفتاح على النقد"، لافتاً إلى أن الإخوان تعودوا جراء القمع الذي سُلّط عليهم لعقود طويلة، على عدم انتقاد جماعتهم علانية. "يجب أن يبدأ الجيل القديم من الإخوان في تعلم ذلك"، على حد تعبير أحمد أبو الفضل.
لكنهم قلة في صفوف شباب الإخوان أولئك الذين يفكرون مثل أحمد أبو الفضل، فقط نحو 20 بالمائة على حد تعبيره. وأغلبية شباب الإخوان تفكر مثل عبد الرحمن حسام (23 عاماً)، الذي يرفض تأسيس التيار المصري ولا يوجه أي كلمة نقد لقيادة الإخوان، مؤكداً ثقته في الجيل القديم للحركة. ويضيف حسام قائلاً: "نريد جميعاً، شيباً وشباباً، نساء ورجالاً، الكفاح من أجل عالم أفضل... إن شاء الله."
منذ بداية الثورة وما انفكت صراعات بين شباب الإخوان المتمرد وبين قيادة الحركة تطفو على السطح، حيث حظرت هذه الأخيرة على شباب الإخوان المشاركة في مظاهرات "يوم الغضب الثاني" في نهاية أيار/ مايو الماضي والتي طالب فيها المتظاهرون بمحاكمة النظام القديم وبالمصادقة على الدستور قبل الانتخابات البرلمانية. البعض من شباب الإخوان مثل أحمد شارك رغم ذلك في المظاهرات في ميدان التحرير، فيما فضل عبد الرحمن البقاء في البيت.
هل تتعارض الحرية مع فكر الإخوان؟
وعندما أسست جماعة الإخوان حزبها "الحرية والعدالة" في منتصف أيار/ مايو الماضي عين مجلس الشورى العام أعضاء قيادته، الأمر الذي أثار غضب أحمد ومن يشاركه فكره السياسي. ويعلق الشاب المصري على ذلك قائلاً: "لم يتم إشراكنا في هذا القرار، أصواتنا لم تُسمع".
"من يرفض قرارات مجلس الشورى العام فعليه أن يترك سفينة الإخوان، وفق ما يقول محمد سعد، وهو من جيل الإخوان القديم وينشط في صفوف الحركة منذ 32 عاماً. ويضيف سعد قائلاً: "ولكن عليه أن يركب على قارب آخر حتى نتمكن من إنشاء أسطول"، مؤكداً على أنه حريص على السلام والمصالحة مع الجميع. ويقول سعد إن "لا أحد ينفصل عن الإخوان بسبب خلاف"، لافتاً إلى أن ذلك يتعارض مع مبادئ الإسلام.
لا أحد بإمكانه أن يتوقع عدد الذين سيلحقون بأولئك الذين تركوا سفينة الإخوان لينضموا إلى التيار المصري، وهذا الأمر يشكل محور نقاشات مجلس الشورى العام. أما أحمد فيؤكد أنه لا يخشى أي عواقب، حتى وإن كان إقصاؤه من الجماعة، بحيث يقول: "لقد ناضلت من أجل الحرية وسأواصل النضال"، داخل جماعة الإخوان أو خارجها.
فيكتوريا كليبر / شمس العياري
مراجعة: عماد غانم