تحقيق لـDW: أعضاء باللجنة العسكرية الصينية درسوا في ألمانيا
٢١ مايو ٢٠٢٢هذه ليست قصة تجسس، لذلك نتعمد الامتناع عن كشف أسماء الأشخاص المذكورين فيها. إليكم قصة تدور أحداثها في المنطقة الأخلاقية الرمادية للتعاون العلمي بين ألمانيا والصين.
باحثة مختصة بفيزياء الجسيمات النظرية، بعد حصولها على الدكتوراه في الصين انتقلت إلى أوروبا. أولاً، أجرت أبحاثًا لمدة عامين في معهد مشهور للفيزياء النووية في إيطاليا. ثم أمضت السنوات الثلاث التالية في جامعتين ألمانيتين في هامبورغ وماينز. التعاون العلمي مع الصين مرغوب سياسيًا في ألمانيا. في رأي الحكومة الألمانية، "التعاون له أهمية خاصة بالنسبة للعلاقات الثنائية المستقرة وطويلة الأجل". ولكن ماذا لو ساعد التعاون العلمي الصين على التسلح؟
تعمل الباحثة اليوم في صناعة الأسلحة النووية الصينية. يتذكر باحث عمل معها ومع زملائها الصينيين الآخرين في ألمانيا بعض الأحداث، ويقول: "كانوا يركزون بشدة على العمل التقني. في الغالب ليسوا أصحاب رؤية كبيرة، ولكنهم تم تدريسهم بعناية تقنياً. وكل ذلك مع الكثير من الزخم". لم تتم مناقشة السياسة معهم مطلقًا، بل تم إجراء البحث الأساسي معاً، والذي لا يمكن التعرف على استخدامه العملي دائمًا على الفور. "أنت بحاجة إلى الجزء الأساسي للعديد من الأشياء. وبعد ذلك يكون دائمًا السؤال عن الاستخدام الذي تختاره لاحقًا".
قام الباحث أيضًا بزيارة الجامعات الصينية، حيث تطور مستوى الباحثين هناك بسرعة خلال العقدين الماضيين. "لا أعرف بالضبط ما هي الأهداف التي حددتها الصين لنفسها، ولكن يُنظر إلى البحث الأساسي على أنه مهم جدًا من الناحية الاستراتيجية. ويلاحظ المرء ذلك في كل مكان".
صناعة الأسلحة النووية الصينية
يتم إجراء الكثير من الأبحاث الأساسية أيضًا في الأكاديمية الصينية للفيزياء الهندسية (CAEP)، حيث تعمل الباحثة في الفيزياء الآن. والأهم من ذلك، أن هذه الأكاديمية هي المكان الوحيد الذي تطور فيه الصين رؤوسها الحربية النووية. يعتبر الخبير الأسترالي في شؤون الصين أليكس جوسكي، الذي يبحث في مجال نقل التكنولوجيا، أن الأكاديمية الصينية للفيزياء الهندسية هي "واحدة من أكثر الكيانات المخيفة والمثيرة للقلق في نظام الأبحاث للصين".
البحث عن منشورات علمية حديثة للباحثة عديم الجدوى، إذ لن تعثر لها على أي بحث علمي راهن. ما يمكن قوله هو إنه بعد ما مجموعه خمس سنوات في أوروبا، تم وضعها في الأكاديمية الصينية للفيزياء الهندسية من خلال برنامج التمويل الحكومي الأكثر شهرة واسمه "1000 موهبة". هناك المئات من برامج التمويل هذه في الصين. يستهدف ما يسمى ببرنامج 1000 موهبة على وجه التحديد كبار العلماء في الخارج أو الذين يتمتعون بخبرة كبيرة في الخارج، يجتذبهم البرنامج بميزانيات جيدة ومختبرات حديثة. وقد شارك فيه بعض الباحثين الألمان أيضا.
البحث العلمي في خدمة الحزب الشيوعي
في عهد الرئيس الصيني الحالي شي جين بينغ، يستثمر الحزب الشيوعي بكثافة في العلوم حتى تصبح الصين قوة عالمية بحلول عام 2050. "الاندماج العسكري - المدني" هدف وطني معلن. وفقًا لذلك، يجب أن يخدم البحث المدني أيضًا الجيش الصيني. حب الوطن هو واجب على الباحثين.
"العلم ليس له حدود، لكن العلماء لهم وطن"، هكذا أكد شي جين بينغ على ذلك في وقت مبكر من يوليو/ تموز عام 2013. في ذلك الوقت، كان قد أمضى بضعة أشهر فقط في منصبه. وفي مايو/ أيار 2018، ألقى كلمة أمام الأكاديمية الصينية للعلوم، قال فيها: "فقط إذا قبضنا على التقنيات الرئيسية في أيدينا، يمكننا ضمان الأمن القومي الاقتصادي وأمن الدفاع الوطني".
يوثق التحقيق المشترك الذي أجرته 11 وسيلة إعلام أوروبية، بقيادة المنصة الاستقصائية الهولندية "Follow the Money" (اتبع المال)، ومركز الأبحاث الألماني غير الربحي "كوريكتيف"، مدى أهمية التعاون البحثي مع الجامعات الأوروبية لخطط التقدم في الصين. إلى جانب DW، شاركت صحيفة "زود دويتشه تسايتونغ" وإذاعة "دويتشلاند فونك"، أيضاً في الجزء الخاص بألمانيا من التحقيق. وقد اكتشفنا أن علماء ألمان ما زالوا يتعاونون مع باحثين من الجيش الصيني حتى يومنا هذا، وما يقرب من 350 دراسة مشتركة تثبت ذلك.
ملفات شخصية للباحثين
في خطوة تحقيقية ثانية، فحصت DW وشركاؤها بشكل عشوائي السيرة الذاتية لكبار الباحثين الصينيين الذين، مثل الباحثة في الفيزياء، أقاموا في ألمانيا لفترة طويلة في السنوات العشر الماضية ويقومون بإجراء أبحاث في مجالات الرياضيات، وعلوم الكمبيوتر والعلوم الطبيعية والتكنولوجيا. بمساعدة مركز الأمن والتكنولوجيا الناشئة بجامعة جورجتاون الأمريكية (CSET)، تعرفنا على 80 شخصاً.
فمنا بتحليل مفصل لـ 26 سيرة ذاتية ملفتة، فتبين أن جميع أصحابها يعملون الآن في جامعات النخبة التي تتعاون بشكل وثيق مع الجيش الصيني. وكالباحثة المذكورة أعلاه، 22 من الذين تم اختيارهم أعيدوا إلى الصين عبر برنامج 1000 موهبة، حيث حصل 12 منهم على منحة دراسية من مؤسسة هومبولت الألمانية الشهيرة.
حصلوا على منحة هومبولت ثم ذهبوا إلى اللجنة العسكرية المركزية
أحد الحاصلين على منحة هومبولت كيميائي، أجرى أبحاثا في ثلاثة معاهد بحثية كبرى في برلين من عام 2011 إلى عام 2014. في عام 2015، ذهب إلى ليفربول في إنجلترا لمدة عام آخر في الخارج بمنحة ماري كوري من الاتحاد الأوروبي. اليوم هو عضو في قسم تطوير العتاد في اللجنة العسكرية المركزية الصينية - أعلى منظمة دفاع وطني، التي يترأسها الرئيس الصيني بنفسه. وتقنية الليزر هي إحدى أولويات البحث الحالية لهذا العالم في الكيمياء.
عالم آخر حصل على منحة هومبولت مختص في فيزياء البلازما وقضى ثلاث سنوات في جامعة بوخوم، في عام 2018، بعد عام واحد بالضبط من عودته، حصل على جائزة تشجيعية من اللجنة العسكرية المركزية. تشمل مجالات بحوثه اليوم الذكاء الاصطناعي وأنظمة الدفع في الفضاء. كان يعمل أيضًا في مؤسسة علوم وتكنولوجيا الفضاء الصينية منذ عام 2020. والمختبر 514 الذي يعمل فيه يقول إنه يتعامل مع "مترولوجيا الفضاء والدفاع الوطني". والمترولوجيا هي علم القياس وتتعلق بالدقة والمعايرة.
بالطبع، مثل هذه الحالات الخاصة ليست في مصلحة ألمانيا، كما يعترف أنو أوديرهايده الأمين العام لمؤسسة هومبولت. ومع ذلك، فهو يعتقد أن ألمانيا تخسر أكثر من الصين إذا لم تتعاون معها. ويقول عليك أن تبقى على اتصال مع ألمع العقول في العالم. ويضيف "الصينيون يفهمون أوروبا جيدًا، لكننا لا نجيد فهم الصينيين. لهذا السبب نحتاج إلى هذا التبادل". كما يرى أنه من الخطأ اختزال العلوم الصينية على المجال العسكري فقط، إذ "توجد في الصين أيضًا، أبحاث أساسية جيدة وحقيقية".
المواهب الشابة لصناعة الدفاع
حالة أخرى من جامعة ميونيخ التقنية، حيث كان مهندس صيني موهوب يجري أبحاثا من أجل أطروحته للدكتوراه. بعد عودته، تمت مكافأته من قبل اللجنة العسكرية المركزية في عام 2019 بجائزة ابتكار، وبعد ذلك بعام ببرنامج دعم. أحد مجالات بحثه الرئيسية: الحماية الحرارية للطائرات التي تفوق سرعتها سرعة الصوت.
يدير المهندس الموهوب الآن ما لا يقل عن ثلاثة مشاريع كبرى تمولها مباشرة اللجنة العسكرية. اثنان منها بعنوان "مشاريع الدفاع الوطني الهامة". كأستاذ جامعي، يساعد طلاب الدكتوراه الذين يرغبون بالدراسة في ألمانيا. ويقول في مقابلة مع إحدى الصحف الإقليمية الصينية في صيف 2019: "في السابق، كنت أتمنى تنفيذ مشاريع البحث العلمي التي أحببتها. الآن أتمنى تأهيل المزيد من الأشخاص لصناعة الدفاع".
أخبرنا أستاذ في جامعة ميونيخ التقنية، والذي لا يزال على اتصال به حتى يومنا هذا، أنه لا يعرف شيئًا عن صلاته العسكرية. "حيث كانت موضوعات التعاون مع زملائي الصينيين تطبيقات مدنية لأبحاث الاحتراق". اتصلت دويتشه فيله وشركاؤها مرارًا وتكرارًا بالعلماء الصينيين الأربعة المذكورين دون أن تتلقي أي رد، واثنان منهم حذفوا من سيرتهم الذاتية كل ما يشير إلى علاقتهم بالجيش.
"لا تطعم اليد التي تعضك"
وفقًا لمؤسسة معهد ماكس بلانك، "حوالي ثلث" جميع المناصب الإدارية العلمية في الصين، يشغلها الآن أشخاص تم تدريبهم وتأهيلهم في ألمانيا. بما في ذلك الكيميائي الذي يقود أبحاث المواد العسكرية، والمهندس الذي يؤهل الشباب لصناعات العسكرية.
ديدي كيرستن تاتلوف، شاركت في تأليف كتاب يتناول بحث الصين عن التكنولوجيا الأجنبية، تعتبر انفتاح ألمانيا الكبير على العلماء الصينيين الزائرين يمثل خطرًا أمنيًا كبيرا؛ وتقول "هناك قول مأثور باللغة الإنجليزية: لا تعض اليد التي تطعمك. أود أن أقلبها هنا وأقول: لا تطعم اليد التي تعضك".
لذلك تسأل تاتلوف سؤال نظامي. يجب على ألمانيا أن تسأل نفسها "ما إذا كان هذا هو النظام الذي يتم التعامل معه، الذي يهدف إلى إزاحتنا والسيطرة على صناعاتنا بطريقة تنطوي على مخاطر سياسية ومشكوك فيها ديمقراطيًا".
احترام حرية البحث
في ألمانيا، يحمي الدستور حرية البحث من تدخلات الدولة، فتختار الجامعات شركاءها والمشاريع بنفسها. ويوضح يينس براندنبورغ ذلك بقوله: "لا يمكننا ولا نريد أن نفعل كل شيء مركزيًا من برلين". يشغل براندنبورغ منصب وزير دولة في وزارة التعليم والبحث. هدف ألمانيا في التعاون العلمي مع الصين هو أن تكون "منفتحة قدر الإمكان ومنغلقة بالقدر المطلوب". خاصة عندما يتعلق الأمر بالمشاريع ذات الاستخدام المزدوج التي يمكن أيضًا استخدامها عسكريًا.
ويقول براندنبورغ: "التحدي الرئيسي هو أن حرية البحث مقيدة بشدة في الصين. نحن نشهد أيضًا تركيزا شديدا على الاستخدام العسكري أو المدني العسكري". ومع ذلك، فإن وزير الدولة لا يؤمن بالخطوط الحمراء. "فقبل كل شيء، من المهم جدًا بالنسبة لي أن نضمن حرية البحث في ألمانيا". ويرى براندنبورغ أن دور وزارته استشاري فقط.
قطاع العلوم الألماني مستعد بصورة جيدة
لكن الصين ليست حليفًا، بل هي "منافس منهجي". هكذا يراها الاتحاد الأوروبي، وهكذا تنظر إليها الحكومة الألمانية أيضًا. وتشعر الدوائر الأمنية بالقلق من أن العلماء يعيشون في "فقاعتهم الخاصة" لأن التعاون الدولي هو "العملة النهائية" بالنسبة لهم. ويتعلق الأمر بالكثير من المال أيضا، والصين على استعداد للاستثمار في مشاريع البحث العلمية والبرامج الدراسية. لذلك فإن العديد من الجامعات "خاضعة قليلاً" و "ساذجة بعض الشيء".
لكن البروفسورة كاتيا بيكر، رئيسة مؤسسة الأبحاث الألمانية (DFG)، لا توافق على ذلك، وتقول "السذاجة ليست في الحقيقة أمر مطروح اليوم، لأننا نفكر دائمًا في هذه القضايا". ومن خلال التشاور الداخلي بين الجامعات مكثف ولجنة الأخلاق العلمية والمكتب الاتحادي المسؤول عن الرقابة على الصادرات يتم بفحص دقيق لأوجه التعاون المثيرة للتساؤل.
"البحوث العسكرية مستبعدة من تمويل مؤسسة الأبحاث الألمانية"، تؤكد بيكر. ومع ذلك، فقد ذهبت أموال من المؤسسة إلى المختبر التقني لباحث ألماني بارز يعمل مع زملائه في الجامعة الوطنية لتكنولوجيا الدفاع الصينية (NUDT). وهذه الجامعة تتبع مباشرة اللجنة العسكرية المركزية.
مسألة سياسية وأخلاقية
تشير البروفسورة بيكر إلى مدى سرعة رد فعل القطاع العلمي الألماني على الحرب العدوانية ضد أوكرانيا. حيث تم تعليق جميع عمليات التعاون العلمي مع روسيا فورا. "تعلمنا من هذا أن الثقة والأمل ليسا مبررين دائمًا. للأسف". لكن الثقة مطلوبة "إذا أردنا معالجة المسائل العلمية الكبرى التي تواجه البشرية". لكن الصين لم تدن الغزو الروسي وتعتبر الولايات المتحدة هي المعتدي الحقيقي. وتقول بيكر "لا يوجد مبرر لقطع الاتصال مع الصين في الوقت الحالي بسبب هذا".
لا جدال في أن الغالبية العظمى من الباحثين الصينيين البالغ عددهم حوالي 60 ألف باحث في ألمانيا يريدون التعلم. لكن المثير للقلق هو النظام الذي يُخضع أبحاثهم للخطط العسكرية للحزب الشيوعي. تعامل ألمانيا مع هذا هو قبل كل شيء مسألة سياسية وأخلاقية.
إيستر فيلدن، ناومي كونراد، ساندرا بيترسمان
ترجمة: زمن البدري
زميلة من دويتشه فيله مشاركة في التحقيق طلبت عدم الكشف عن هويتها لأسباب أمنية.