عندما يزور ساكن قصر الإليزيه الجديد- القديم الرئيس إيمانويل ماكرون، برلين ويلتقي المستشار أولاف شولتس، تتزاحم الملفات في سلّم الأولويات بالنسبة للبلدين اللذين لا تشكل شراكتهما التاريخية والإستراتيجية قاطرة للإتحاد الأوروبي وحسب، بل أيضا بوصلة لسياستهما على الأصعدة الثنائية والإقليمية والدولية.
حرب أوكرانيا وتداعياتها الثقيلة على أوروبا، تحتل دون شك أولوية قصوى بالنسبة لباريس وبرلين، لكن التطورات الدراماتيكية في منطقة الساحل الأفريقية والتعقيدات المتزايدة في إدارة سياسة فرنسا المغاربية تثقل كاهل ماكرون وتطرح تحديات كبيرة في فترة ولايته الرئاسية الثانية.
غرفة الانتظار
لم يبق سوى شهرين تقريبا من فترة رئاسة ماكرون للإتحاد الأوروبي، ويعكف في أكثر من نصفها على مواجهة استحقاق الانتخابات التشريعية وتشكيل حكومة جديدة. وهي فترة قد تكون حبلى بالمفاجآت في ظل سباق انتخابي محموم يخوضه تكتل ماكرون الوسطي لكسب الأغلبية النيابية في مواجهة جبهات معارضة شعبوية يسارية ويمينية.
ويحتفظ الرئيس بحسب دستور الجمهورية الخامسة، بنفوذه في مجالي السياسة الخارجية والدفاع، حتى في حالة فوز تكتل معارض بالأغلبية النيابية، لكن دوره وسلطاته ستكون معرّضة للتحجيم إذا ما فاز حزب "التجمع الوطني" بزعامة غريمته اليمينية المتطرفة مارين لوبان أو حزب "فرنسا الأبية" وحلفائه، بزعامة اليساري الراديكالي جان لوك ميلونشون. وتختلف توجهات الرئيس ماكرون بشكل جذري مع التكتلين اليميني واليساري في كبريات ملفات السياسة الخارجية سواء الأوروبية أو الأفريقية والمغاربية.
وفي غضون ذلك يبدو وضع وزير خارجيته جان إيف لودريان في مهب الريح. فالسياسي ذو التوجه الإشتراكي الذي كلفه ماكرون سنة 2017 بإدارة الديبلوماسية، جاء إليها من وزارة الدفاع في ولاية الرئيس السابق فرانسوا أولاند، وتولى إدارة ملفات حسّاسة في سياسة بلاده الخارجية، ويعتبره عدد من المحللين الفرنسيين مسؤولا عن إخفاقات كبيرة في عدد من ملفات مناطق نفوذ تقليدية بشمال أفريقيا وجنوب الصحراء، تأتي في مقدمتها العلاقة المتأزمة مع مالي والأزمة الليبية، وعقدة العلاقات مع الجزائر والمغرب، إضافة للحالة في تونس.
عقدة العلاقات مع الجزائر
بعد أكثر من ستة عقود من استقلال الدول المغاربية الثلاث (المغرب وتونس والجزائر)، تجتاز علاقاتها مع مستعمَرِها السابق فرنسا مرحلة حسّاسة، وتشكل الجزائر إحدى أهم عُقدها.
ومنذ وصوله في سنة 2017 إلى قصر االإليزيه أعطى ماكرون اهتماما ملحوظا لتطوير علاقات بلاده مع الجزائر وبذل جهودا من أجل إحياء "معاهدة الصداقة" بين البلدين، وتدارك التراجع المسجل في موقع فرنسا كشريك إقتصادي للجزائر في مواجهة منافسة شرسة مع شركاء أوروبيين(إيطاليا وإسبانيا وألمانيا) وأمريكا والصين وروسيا.
واعتبارا لأهمية ملف الذاكرة والماضي الإستعماري الأليم، فقد حَظي هذا االملف بحيز أساسي في مبادرات الرئيس ماكرون نحو الجزائر بدءا باعترافه سنة 2017 بـ"جرائم ضد الإنسانية" خلال الحقبة الاستمعارية. وواصل جهوده حتى سنة 2021 في سبيل تطبيع العلاقات اعتمادا على التقرير الذي انجزه المؤرخ بنجامين ستورا، لكن هذه الخطوات قوبلت بردود فعل باردة من طرف الجزائر التي تطالب باعتذار رسمي وتسليم الأرشيف واسترجاع جماجم قادة الثورة الشعبية وتعويض ضحايا التجارب النووية. ووصف المستشار لدى الرئاسة الجزائرية المكلف بالأرشيف والذاكرة عبد المجيد بنشيخي، معلقا على حصيلة تقرير ستورا بأن هذا الملف لم يعالج القضايا المختلف عليها لأن "المشكل فرنسي فرنسي". وجاءت هذه التصريحات في أجواء انتخابية محمومة بفرنسا، أقدم خلالها الرئيس ماكرون على خطوات اٌعتبرت في الجزائر "مستفزة"، ضمنها تكريمه للحركيين وأصحاب الأقدام السوداء وانكاره لوجود أمة جزائرية، كما انتقد النظام الجزائري ووصفه بأنه يعتاش من "ريع الذاكرة".
بيد أن علاقات البلدين شهدت في بداية السنة الحالية تهدئة ولاحت بوادر وإشارات متبادلة على رغبة الطرفين في تأجيل مسألة تطبيع العلاقات ومعالجة الملفات العالقة إلى ما بعد الانتخابات.
وكان لافتا أن الرئيس ماكرون تلقى بعد انتخابه رسالة تهنئة حارة من نظيره الجزائري عبد المجيد تبون، الذي وصفه فيها بـ"الصديق العزيز" مبدئيا استعداده لبدء انطلاقة جديدة في العلاقات تقوم على "توازن المصالح وتقاسم الرؤى في الذاكرة والعلاقات الانسانية والاستراتيجية والاقتصادية"، كما دعاه لزيارة الجزائر.
ويبدو أن حرارة رسالة تبون، تشي بتفاهمات مع ماكرون حول المرحلة المقبلة، كما تأتي على أرضية "دعم انتخابي" حصل عليه الرئيس ماكرون في الانتخابات من الناخبين الجزائريين. إذ يشكل مجموع الجزائريين المهاجرين والذين يحملون الجنسية الفرنسية، حوالي 10 في المائة من سكان فرنسا.
وسيكون الرئيسان ماكرون وتبون في سباق مع الزمن من أجل إحداث إختراق في العلاقات مع الجزائر هذا العام الذي تحيي فيه الجزائر مرور ذكرى ستين عاما على إستقلالها، بيد أن هذا الهدف لن يكون مهمة سهلة على الطرفين، بسبب طبيعة الملفات الشائكة والعالقة والتداخل الشديد بين اعتبارات الماضي والمستقبل، كما يقول الديبلوماسي الفرنسي المخضرم كزافيي دريانكور، السفير الفرنسي السابق في الجزائر، الذي قال في حوار لصحيفة "لوفيغارو" الفرنسية بعد أيام قليلة من فوز الرئيس ماكرون، بأن سياسة فرنسا إزاء الجزائر هي "أيضا قضية سياسة داخلية".
وفي تحليله لأبعاد أخرى من صعوبة إدارة ملفات العلاقات مع الجزائر كتب دريانكور في كتابه الذي صدر مؤخرا بعنوان: "اللغز الجزائري..سجلات سفارة بالجزائر"، عن مهمته السابقة في الجزائر قائلا: "الجزائر هي البلد الوحيد، حيث يتعين على السفير ليس فقط التفكير في المستقبل، بل ايضا تدبير ملفات الماضي".
وبرأي محللين، فان العُقد في طريق تحقيق انطلاقة تاريخية للعلاقات الفرنسية الجزائرية، لا تقتصر على الأبعاد الثنائية والداخلية بالبلدين، بل أيضا بارتباط البلدين بسياقات ومعادلات إقليمية وتاريخية شائكة، وفي مقدمتها ملف الصحراء الغربية وعلاقات الجوار الشائك مع كل من المغرب وإسبانيا.
معادلة إقليمية صعبة
يبدو أن حجم المصالح الاقتصادية والاستراتيجية والآفاق الواعدة في العلاقات الجزائرية الفرنسية، ما تزال تواجهها معادلة صعبة بالنسبة للطرفين وتتمثل أولا في الخلافات حول ملف الصحراء الغربية والعلاقات مع المغرب، وثانيا في مستوى التصورات الاستراتيجية للأمن في القارة الأفريقية ومنطقة البحر الأبيض المتوسط.
على إمتداد عقود من التقلبات التي شهدتها سياسة فرنسا المغاربية والأفريقية، تعتبر علاقاتها مع المغرب الحليف الاستراتيجي(غير العضو) في حلف الناتو، ثابتا أساسيا. ويستند هذا الاستقرار إلى علاقات تقليدية بين الرباط والنخب الفرنسية الحاكمة وخصوصا المحافظة، وتراكم رصيد الشراكة في الإقتصاد والهجرة والأمن وتقاسم الرؤى الاستراتيجية في قضايا السياسة الإقليمية والدولية.
ومنذ اندلاع نزاع الصحراء في منتصف السبعينيات، كانت فرنسا تشكل الداعم التقليدي للمغرب سواء على مستوى عسكري أو ديبلوماسي، وهو الأمر الذي يثير خلافات من حين لآخر بين الجزائر وباريس.
بيد أن التطورات التي شهدها ملف الصحراء في السنتين الأخيرتين، ستحمل معها غيوما في أجواء العلاقات بين الرباط وباريس. فبعد إعلان إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب إعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بسيادة المغرب على الصحراء، بتزامن مع توقيع معاهدة "أبراهام" واستئناف العلاقات الديبلوماسية بين اسرائيل والمغرب. أعقبها فتح أكثر من عشرين دولة من الشرق الأوسط وأفريقيا قنصليات لها في مدن الصحراء. وجاء التحول في الموقفين الإسباني والألماني باتجاه تأييد مقترح المغرب بإقامة حكم ذاتي موسع، ليضع الموقف الفرنسي المؤيد أصلا للمقترح المغربي، تحت ضغط غير مسبوق. إذ باتت الرباط تتطلع إلى دور أكبر من فرنسا التي ترأس الإتحاد الأوروبي، باتجاه بلورة موقف أوروبي داعم لخطة الحكم الذاتي كسبيل لإنهاء النزاع الذي عمّر خمسة عقود.
وهنا تكمن العقدة التي ستواجه ماكرون في ولايته الثانية، ذلك أن ثقل ملف الصحراء يزداد تأثيره في السياسة الخارجية لكلا البلدين، المغرب والجزائر، والتي تشهد علاقاتهما قطيعة شبه تامة وخصوصا منذ إقدام الجزائر في أغسطس آب العام الماضي على قطع العلاقات الديبلوماسية.
وقد بات المغرب يربط بين تطوير شراكاته الاقتصادية والاستراتيجية مع الدول والتكتلات إنطلاقا من مواقفها من "وحدته الترابية التي تشكل قضية المغرب الأولى" كما قال العاهل المغربي الملك محمد السادس في خطابه بمناسبة عيد العرش العام الماضي. وبالمقابل فإن سياسة الجزائر الخارجية وتعاونها في مجالات الطاقة وصفقات السلاح والبنيات التحية، باتت أكثر من أي وقت مضى رهينة بالموقف من نزاع الصحراء.
وتكشف التوترات والتقلبات التي شهدتها علاقات إسبانيا المستعمِر السابق للصحراء الغربية، في الأشهر القليلة الأخيرة مع كلا البلدين، وتداعياتها على ملفات الهجرة والتعاون الإقتصادي بالنسبة للمغرب وصادرات الغاز الجزائري، طبيعة المعادلة الجديدة التي تضع الشركاء الأوروبيين أمام ضغوط متزايدة ولا سيما في ظل تداعيات حرب أوكرانيا والصراع المفتوح مع روسيا حول إمدادات الغاز والنفط.
ورغم أن فرنسا تعتبر، بفضل سياستها في تنويع مصادر الطاقة، أقل تأثرا بمعضلة توفير إمدادات الطاقة مقارنة مع عدد من الدول الأوروبية الأخرى مثل إيطاليا وإسبانيا إضافة لألمانيا، إلا أن إغراء المصالح الاقتصادية ومتطلبات دورها التاريخي ونفوذها التقليدي في المنطقة المغاربية يجعل باريس في وضع حرج، وتبدو سياستها المغاربية والأفريقية معرضة لمخاطر تحت وطأة منافسة شرسة في المنطقة وعمقها الأفريقي، ولاسيما بمنطقة الساحل وجنوب الصحراء.
إرث ثقيل في دول الربيع العربي
واجهت سياسة فرنسا في كل من ليبيا وتونس منذ إندلاع ثورات الربيع العربي سنة 2011، تقلبات ملحوظة. ففي ليبيا تحولت فرنسا في عهد الرئيس الأسبق نيكولا ساركوزي من شريك أساسي لليبيا في ظل العقيد الراحل معمر القذافي، إلى رأس حربة قوات حلف الناتو التي دعمت انتفاضة 17 فبراير التي أطاحت بنظامه.
وفي خضم الحرب الأهلية التي شهدتها البلاد وتنازع الشرعية بين سلطتين في طرابلس غرب البلاد وبنغازي شرقا، أيدت باريس الجنرال المتقاعد خليفة حفتر الذي شن هجوما على العاصمة. ووجدت فرنسا نفسها في وضع صعب عندما خسرت مواقع نفوذ أساسية بليبيا، إثر تدخل تركيا ودعمها لحكومة طرابلس المعترف بها من قبل المجتمع الدولي.
وفي تونس، سُجل على فرنسا أنها آخر قوة غربية دعمت نظام الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي حتى آخر أيامه قبل الإطاحة به. ورغم أن باريس حافظت على جانب أساسي من مصالحها الاقتصادية والاستراتيجية في تونس، إلا أن نفوذها التقليدي إهتز بشكل ملحوظ، وفي ظل الديمقراطية الناشئة باتت تتعرض لانتقادات شديدة وتراجعت مكانتها كشريك تجاري وإقتصادي مفضل لتونس.
وإثر أزمة صحية واقتصادية خانقة وحالة شبه شلل سياسي في البلاد، أقدم الرئيس قيس سعيّد، في 25 يوليو تموز من العام الماضي، على إقالة الحكومة المنتخبة وتجميد البرلمان وحله في مرحلة لاحقة، وجمع السلطات التنفيذية والتشريعية بيديه وحل المجلس الأعلى للقضاء ثم اللجنة المستقلة للإنتخابات وتعليق معظم بنود الدستور، وقد ارتفعت الانتقادات في أوساط عديدة من الطبقة السياسية والمجتمع المدني وإسلاميي حزب النهضة الكتلة الأكبر في البرلمان، لدور فرنسا ودول عربية حليفة لها بإجهاض الديمقراطية الناشئة.
وفي الوقت التي بادرت فيه واشنطن وعواصم أوروبية بالضغط على الرئيس سعيد للعودة بالبلاد إلى المسار الديمقراطي، أظهرت باريس موقفا رماديا، إذ حافظ الرئيس ماكرون على علاقات خاصة مع نظيره التونسي، ولم يتصدر دوره الدول الغربية بالدفاع عن القيم الديمقراطية التي طالما اعتبرت النخب التونسية فرنسا مرجعية أساسية لها.
"فخ ماكرون الأفريقي"
بعد حوالي عشر سنوات من تدخل الجيش الفرنسي ضمن قوات حفظ السلام الأممية في مالي ومنطقة الساحل لمكافحة التنظيمات الإرهابية. أعلنت فرنسا بداية العام الحالي عن انسحابها من مالي وإعادة نشر قواتها بدول مجاورة. وجاء قرار سلطات مالي بوقف اتفاقيات التعاون العسكري مع فرنسا، كحلقة متطورة في مسلسل تراجع النفوذ الفرنسي في واحدة من معاقله بمنطقة الساحل والصحراء. ولا تبدو هذه التطورات فقط نتيجة للانقلاب العسكري الذي وقع في مالي ودخول مرتزقة "فاغنر" الروسية للبلاد، بل مؤشرا على تحديات للنفوذ الفرنسي في القارة الأفريقية تحت وطأة منافسة شرسة مع الصين وروسيا وتركيا وحتى بعض القوى الغربية، في ميادين اقتصادية واستراتيجية كانت تشكل فرنسا عبر التاريخ القوة الأكثر نفوذا عليها.
ويشكل النفوذ التقليدي الروسي في الجزائر والاختراق الجديد عبر قوات فاغنر وصفقات السلاح ، من ليبيا إلى وسط وغرب أفريقيا، تحديا حقيقيا للنفوذ الفرنسي والغربي بشكل عام. إذ توجد مالي في قلب منطقة الساحل والصحراء، التي تكتسي أهمية استراتيجية بالغة لكسب موطئ نفوذ في القارة السمراء، وفي هذه المنطقة تتداخل معطيات وعوامل قل نظيرها في العالم: فهي إلى جانب كونها منطقة غنية بالمواد الأولية والثروات المعدنية والأراضي البكر للاستثمار في المستقبل، تشكل في نفس الوقت، بحكم وجود أكبر صحراء في العالم بها، مجالا فسيحا لشبكات تهريب عالمية ومخدرات وجماعات إرهابية وتجارة السلاح وعبور المهاجرين.
وتحولت في سنوات قليلة من منطقة سلام ومصالح تقليدية لفرنسا، إلى منطقة توترات ومخاطر عالية على الأمن الأوروبي والعالمي، إذ اتجهت إليها الأنظار منذ سنوات كثاني بؤرة للإرهاب بعد أفغانستان. ورغم حصول فرنسا على دعم أوروبي وبشكل خاص من ألمانيا، على المستويات المالية واللوجستية، إلا أنها اضطرت للانسحاب من مالي، وشبه بعض المحللين الانسحاب الفرنسي من مالي بالإنسحاب الأمريكي المذل من أفغانستان. وذهب الكاتب الصحفي الفرنسي انطوان كلاسر لوصف الأزمة بين فرنسا ومالي في كتاب صدر له مؤخرا بباريس بعنوان "فخ ماكرون الأفريقي". وبدورها اضطرت ألمانيا لايقاف الدعم اللوجستي والمالي الذي تقدمه للجيش المالي.
من ينقذ ماكرون؟
يبدو الرئيس ماكرون في ولايته الثانية، بحاجة كبيرة إلى إعطاء سياسته الخارجية إنطلاقة جديدة، وخصوصا في القارة الأفريقية. والطريق ستكون سالكة له فقط إذا تمكن من النجاة من فخ الانتخابات التشريعية الشهر المقبل بتحقيق أغلبية نيابية. وآنذاك سيكون بإمكانه الإعتماد على الشراكة التقليدية مع ألمانيا وإعطاء مضمون أكثر فعالية لمعاهدة "آخن" للصداقة بين البلدين، سواء على طريق المضي في إصلاح المؤسسات الأوروبية وبناء استراتيجية أوروبية مستقلة، أو في بناء شراكات أكثر متانة مع دول شمال أفريقيا وجنوب الصحراء، وتفعيل الدور الأوروبي في إنهاء نزاع الصحراء الغربية. هذا الدور الذي تعثر لأسباب تتعلق بالمسؤولية التاريخية للقوى الاستعمارية في المنطقة، ولتنامي أدوار قوى أخرى مثل الصين وروسيا وتركيا وأيضا إسرائيل.
وبرأي عدد من المحللين، فإن فرنسا كقوة تقليدية ورغم دورها المحوري والمؤسس في الاتحاد الأوروبي وكعضو دائم في مجلس الأمن الدولي وكقوة نووية، لم يعد بإمكانها أن تكون بمفردها لاعبا كبيرا في القارة الأفريقية وحتى المنطقة المغاربية، دون الانطلاق من أرضية أوروبية مشتركة. ويبدو الرئيس ماكرون في وضع مناسب للحصول من ألمانيا حاليا على ما لم يحصل عليه من المستشارة السابقة أنغيلا ميركل، بفضل التحول الذي أقدم عليه المستشار أولاف شولتس، عبر إحداث تغيير استراتيجي وتاريخي في سياسة ألمانيا الخارجية والدفاعية وحتى في مجال الطاقة، وذلك تحت وطأة تداعيات حرب أوكرانيا.
منصف السليمي