تطبيع العلاقات مع سوريا.. مخاوف من "تقارب أوروبي" مع الأسد
٢٩ يوليو ٢٠٢٤قال وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني، الجمعة (26 يوليو/ تموز 2024)، إن روما قررت تعيين سفير في سوريا "لتسليط الضوء" عليها مما يجعلها أول دولة من مجموعة الدول السبع الصناعية الكبرى تستأنف عمل بعثتها الدبلوماسية في دمشق منذ عام 2011.
وسبق ذلك دعوة ثماني دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي إلى إعادة النظر في استراتيجيتها وعلاقاتها مع سوريا. وفي بيان، أعرب وزراء خارجية إيطاليا والنمسا وكرواتيا وجمهورية التشيك وقبرص واليونان وسلوفينيا وسلوفاكيا، عن استعدادهم لفتح قنوات اتصال مع الرئيس السوري بشار الأسد.
وفي البيان المشترك، اقترحت الدول الثماني تعيين مبعوث أوروبي خاص إلى سوريا سيكون منوطا به إعادة التواصل مع السفير السوري في بروكسل بهدف إنشاء ما يُطلق عليه "مناطق آمنة" داخل الأراضي الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية تمهيداً لعودة اللاجئين السوريين في أوروبا إلى ديارهم.
وجاء في البيان: "لا يزال السوريون يغادرون بأعداد كبيرة، مما يزيد من الضغوط على الدول المجاورة في فترة يتصاعد فيها التوتر في المنطقة، ما ينذر بخطر موجات جديدة من اللاجئين".
ورغم أن ألمانيا لم تكن من الدول الموقعة على البيان، إلا المحكمة الإدارية العليا في مدينة مونستر بولاية شمال الراين ويستفاليا قضت الاثنين الماضي (22 تموز/ يوليو 2024) بـ "عدم وجود خطر عام على المدنيين من الصراع الطويل الأمد في سوريا".
بيد أن منظمات حقوقية وشخصيات دولية من بينهم غير بيدرسون، المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا، شددت على أن سوريا "ليست آمنة لسكان البلاد ولا حتى للاجئين العائدين".
وفي إحاطة أمام مجلس الأمن قبل أيام، قال بيدرسون إن سوريا "مليئة بالجهات المسلحة والجماعات الإرهابية المدرجة على قوائم مجلس الأمن وجيوش أجنبية وخطوط مواجهة"، مضيفاً أن "المدنيين لا يزالون ضحايا للعنف ويتعرضون لانتهاكات واسعة النطاق لحقوق الإنسان ويعانون من حالة نزوح ممتدة وأوضاع إنسانية مزرية".
التقارب مع الأسد
ويرى مراقبون أن بيان الدول الأوروبية الثمانية يأتي في إطار سلسلة من عمليات التقارب الدولية مع الأسد. وكان الاتحاد الأوروبي قد قطع العلاقات الرسمية مع سوريا بعد حملة القمع الوحشية التي قامت بها الحكومة ضد المتظاهرين عام 2011 وهو ما أدى إلى اندلاع حرب ومعارك ما زالت تعصف بسوريا حتى الآن.
وفي مايو/ أيار من العام الماضي، وافقت الجامعة العربية على استعادة الحكومة السورية مقعد البلاد الشاغر منذ نوفمبر/ تشرين الثاني 2011. وقبل يومين، قال الكرملين إن روسيا تعمل على تنسيق اجتماع بين الأسد والرئيس التركي رجب طيب اردوغان.
وسبق ذلك، تصريح أردوغان بأن أنقرة ستوجه دعوة لبشار الأسد "في أي وقت" لإجراء محادثات لاستعادة العلاقات بين البلدين الجارين في تطور غير مسبوق في ضوء دعم أنقرة للمعارضة التي تقاتل القوات الحكومية في شمال غرب سوريا من سنوات.
وفي مقابلة مع DW، قالت كيلي بيتيلو، منسقة برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، إن "عودة العلاقات (السورية) مع أوروبا من شأنها أن تعزز شرعية الأسد كحاكم ما يصب في صالح مزاعمه بأن سوريا بلد آمن".
وأضافت بالقول: "الأسد بعيد كل البعد من أن يكون فائزا (في الحرب) لأن سوريا مازالت منقسمة سواء من الناحية السياسية أو حتى من حيث السيطرة الفعلية على كامل البلاد. ومن غير المرجح الذهاب إلى القول بأن نظام الأسد بإمكانه السيطرة على كافة مناطق البلاد".
وبمساعدة روسيا وإيران، استطاعت القوات الحكومية استعادة السيطرة على قرابة 60 بالمئة من المناطق التي خرجت عن سيطرتها في أعقاب 2011. ورغم ذلك، فإن شمال شرق البلاد مازال خاضعا لسيطرة الأكراد فيما ما تزال المعارضة تسيطر على الشمال الغربي الذي بات معقلها الأخير في سوريا.
وترى بعض الدول أن التطبيع مع الأسد يجب ألا يُنظر إليه فقط باعتباره تحولا سياسيا.
وفي ذلك، قالت بيتيلو إن هذا "الأمر يتطلب أيضاً التزامات دبلوماسية من قبل الأسد بسبب أنه يخشى عودة كبيرة للاجئين الذين ربما يعارضونه. ونظرا لتردي الوضع الاقتصادي في البلاد، فسيكون من الصعب قيام الدولة بتلبية احتياجات العائدين".
"منفعة اقتصادية"
بيد أنه في المقابل، يرى خبراء أن تطبيع العلاقات بين الأسد وأوروبا بما في ذلك تحديد مناطق آمنة للاجئين العائدين، سوف يمهد الطريق أمام إنهاء العقوبات الأوروبية على سوريا التي أدت إلى تفاقم الوضع الاقتصادي في البلاد لسنوات.
وفي هذا السياق، أشار البنك الدولي في تقرير تحت عنوان "المرصد الاقتصادي لسوريا"، إلى أن "استمرار النقص في التمويل ومحدودية المساعدات الإنسانية إلى زيادة استنزاف قدرة الأسر على تأمين احتياجاتها الأساسية وسط ارتفاع الأسعار، وتراجع الخدمات الأساسية، وزيادة معدلات البطالة."
وفي مقابلة مع DW، قال نانار هواش، كبير محللي الشأن السوري في "مجموعة الأزمات الدولية"، إن "أي مبادرة لتحسين الوضع الاقتصادي للسكان السوريين تجنب الانهيار الاقتصادي والاجتماعي المستمر".
وأشار الباحث إلى أن تحسن الاقتصاد من شأنه أن يقلل من اعتماد السكان على الكيانات السياسية أو الانضمام إلى جماعات مسلحة للبقاء على قيد الحياة، لكنه شدد على أن فوائد تخفيف العقوبات، لن تكون ملموسة في كافة مناطق سوريا.
وفي ذلك، قال: "إذا تم تطبيع العلاقات مع نظام الأسد، فإن المساعدات سوف تمر عبر قنواته فقط. وهذا من شأنه أن يؤدي إلى تفاقم الوضع في المناطق الخارجة عن سيطرته".
وفي مقابلة مع DW، قال مدير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، إيان ريدلي: "نحن بالفعل نعاني من نقص كبير في التمويل. رأيت عواقب ذلك قبل يومين عندما زرت شمال حلب وتحدثت إلى النازحين الذين يعانون من انقطاع في الخدمات".
الحاجة إلى نهج جديد؟
بدوره، يرى جوليان بارنز ديسي، مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، إن فكرة إنشاء مناطق آمنة "من دون ضمانات أمنية مجدية وعملية، لا يجب أن يحظى بالقبول".
وفي مقابلة مع DW، أضاف ديسي: "النظام (السوري) لم يكن في الماضي على استعداد لتقديم مثل هذه الضمانات. وسمعنا قصصا عن اختفاء أو قتل سوريين بعد عودتهم".
ورغم مخاوفه، قال بارنز ديسي إن هناك حاجة إلى إعادة ضبط السياسة الأوروبية في التعامل مع سوريا، مضيفاً بالقول: "السياسة الأوروبية في الوقت الحالي يعتريها الغموض مع عدم إدراك البعد الاستراتيجي أو غياب القدرة على تحسين الوضع".
وشدد الباحث على أن الأسد "لن يقدم تنازلات قوية، لذا فإن الأمر يتعلق برمته بالبحث عن حلول بديلة. يتعلق الأمر باستخدام الأوراق التي لدينا لإفساح المجال أمام تحسن الوضع الأمني والاقتصادي للسوريين الذين يعيشون في بلادهم بدلا من فرض تغيير سياسي جذري...ربما لن يحدث".
يُشار إلى أن هناك ست سفارات لدول في الاتحاد الأوروبي مفتوحة في الوقت الحالي بدمشق، وهي سفارات رومانيا وبلغاريا واليونان وقبرص وجمهورية التشيك والمجر فيما لم تقدم باقي دول مجموعة السبع بعد، وهي الولايات المتحدة واليابان وبريطانيا وكندا وفرنسا وألمانيا، على خطوة إعادة تعيين سفراء لها في سوريا.
أعده للعربية: محمد فرحان