جامعة لبنانية تدرّب طلابها على تقنيات مكافحة العنف الطائفي
٢٣ مايو ٢٠١٠يرهق عاتق السيدة عِفت أبو حمدان الكثير من المتاعب مهنيا وشخصيا، فهي أم لأربعة أطفال وتعمل ستة أيام في الأسبوع كمدرسّة للفن. ومع ذلك، فقد قررت هذه السيدة، وهي في نهاية الأربعينيات من العمر، أن تسجل نفسها في "جامعة اللاعنف" الجديدة التي أنشئت مؤخراً في بيروت، وذلك لعدة أسباب. فقد لاحظت أن العديد من الأطفال في لبنان يكبرون في جو من التحريض الطائفي وقالت بهذا الصدد "يغرس الأهل والمدرسة في نفوس الأطفال الخوف من الآخر، فضلاً عن أن المناهج الدراسية لا تفسح مجالاً للطفل لتطوير شخصيته، وتابعت "لا يمكن للطفل أن يصيغ ما يدور في خلده وأن يعبر عما يريده، فشخصيته مقموعة. وهذا يزرع فيه بذرة العنف".
العنف قابل للتعلم
وتقول عفت أبو حمدان إنه قد تم استبعاد ابنها مثلاً البالغ من العمر 13 عاما من درس التربية الرياضية، لمجرد أنه لم يحفظ أحد النصوص عن ظهر قلب تماماً، ولمجرد أنه وقع في بعض الأخطاء أثناء تسميعه للنص. كما أن حرمان الأطفال من التحرك الضروري ومنعهم من الذهاب والمجيء بحريّة، أصبح عقاباً شائعاً في لبنان. علاوة على أن الضرب عقاب منتشر في المدارس اللبنانية، وكثير من الآباء والأمهات يقبلون بذلك. السيدة عفت أبو حمدان مقتنعة بأن الأطفال في لبنان أكثر استعداداً للمساهمة في "حملات الكراهية العنيفة" التي يتبناها السياسيون، وبالتالي أكثر استعداداً ليكونوا ضمن "وقود المَدافع" الذي غذى العديد من الحروب في لبنان.
السيدة اللبنانية تنصح بقية أبناء بلدها بانفعال وتقول "ما دام كل واحد منا يقول بأنه لا علاقة له بهذه الأمور، فإنه يجعل من نفسه شخصاً غير مذنب. علينا أن نوقف هذا الأمر". وبرأي عفت أبو حمدان فإن أعمال العنف تبدأ بالتربية والتعليم.
إنها معلمة شغوفة بعملها ومتفانية فيه، وترغب في أن تتعلم طرقاً بديلة للتربية والتعليم في هذه الجامعة. ولذلك فإنها تدرُس في هذه الجامعة الفلسفة وأساليب الوقاية من العنف، فضلاً عن تقنية حسن التصرف والتعامل في مناطق الصراعات. وقد تمكنت السيدة أبو حمدان بالفعل من توظيف هذه التقنيات في دروسها التي تعطيها في المدرسة، فتضع مثلاً على الطاولة بعضاً من الأشياء وتطلب من كل طفل أن يصفها من موقعه "إنه تمرين رائع لإظهار أن الحقيقة يمكن أن تكون لها أوجه متعددة".
آثار ماض مليء بالحروب
يتسم لبنان بماضٍ من العنف، فمنذ عشرين عاما انتهت الحرب الأهلية إلا أنه لم يتم التخلص بشكل كامل حتى الآن من آثار الأحداث التي جرت، فالعديد من المباني في بيروت لا تزال تحمل آثار الرصاص والقذائف. وليس هناك إلى الآن كتاب تاريخ مشترك وموحد بين كل اللبنانيين يشرح لتلاميذ المدارس الأحداث التي جرت في العقود الماضية، وحتى بعد انتهاء الحرب لم تدخل البلاد في تصالح مع ذاتها، فإضافة إلى الحرب مع إسرائيل، فقد أشعل اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري قبل خمس سنوات فتيلاً من الصراعات جعل لبنان على حافة حرب أهلية جديدة، إضافة إلى الحرب الضروس في صيف عام 2006 بين حزب الله والجيش الإسرائيلي.
ونظرا لهذا الوضع فقد بدأت مبادرات نشر ثقافة اللاعنف التي تعرف بتقنيات حل النزاعات بأساليب التربية والتعليم، ويعتبر الفيزيائي والخبير الاقتصادي وليد صليبي من الذين ساهموا في تأسيس "جامعة اللاعنف". لقد رفض مغادرة بلاده خلال الحرب الأهلية، وقرر بدلا من ذلك أن يفعل شيئا إزاء جنون الحرب، بالتعاون مع آخرين ممن يوافقونه الرأي. ويقول "إننا نوجه جهودنا لدعم أفكار اللاعنف، لقد قمنا بمسيرات ومظاهرات في جميع أنحاء البلاد وذات مرة خططنا لمظاهرة جماهيرية كبيرة، غير أن الميليشيات هاجمت مكان اجتماعنا قبل ليلة من المظاهرة، لقد كانوا خائفين منا".
الاعتراف بالطائفية كمشكل جزء من الحل
يسعى وليد صليبي قبل كل شيء إلى إصلاح الدولة والهياكل الاجتماعية في البلاد، وهو مقتنع بأن العنف ينشأ عن الطائفية التي تغلغلت في المجتمع اللبناني. فيتم توزيع كل المناصب العامة بحسب نسبة كل طائفة دينية، سواء كان ذلك في البرلمان أو في الحكومة أو في النقابات أوفي الجامعات. يقول صليبي منتقداً "إن هذا النظام يعزز العداء بين الطوائف المختلفة".
وهكذا يدرب وليد صليبي طلابه على التغلب على المخاوف العميقة الجذور بين الطوائف الدينية، فعلى سبيل المثال، يقوم بتقسيم المشاركين في حلقاته الدراسية كل بحسب طائفته، ويطلب من كل مجموعة أن تقارن بين ما يقال في بيئتها الطائفية الأصلية و بين ما يقال في الطوائف الأخرى. وقد جذبت ردود فعل المجموعات المختلفة اهتمام الأستاذ الجامعي وليد صليبي بشكل كبير حيث قال بهذا الصدد "الكثيرون في لبنان يشعرون بالضيق تجاه الآخر، ويشعرون بالانفعال والكراهية تجاه أتباع الديانات الأخرى. وعندما يستمع المرء لما يقال يعتقد أن حربا أهلية جديدة في طريقها للاندلاع". لقد نشأت هذه الأحقاد والصور النمطية خلال مرحلة الطفولة في العقول، كما يقول وليد صليبي. وهذا التدريب للفوح والتعبير عن المخفي المسكوت عنه، يجعل المتدربين أكثر مقدرة على عكس مشاعرهم وآرائهم وأكثر قدرة على التغلب على ما زُرع فيهم منذ الصغر.
الكاتب: منى نجار/ علي المخلافي
مراجعة.: حسن زنيند