جولة في أسواق أعياد الميلاد في المانيا
١٥ ديسمبر ٢٠٠٨الأسواق التي تصاحب احتفالات عيد الميلاد المجيد في ألمانيا هي تقليد راسخ لا تكاد مدينة ألمانية تخلو منه، تبدأ الأسواق عادة في نهاية شهر نوفمبر/ تشرين الثاني و بداية ديسمبر/ كانون الاول وتستمر من ثلاثة الى أربعة أسابيع، وتنتهي عادة قبل حلول الليلة المقدسة (24 ديسمبر/ كانون الاول) وقد تمتد حتى قبيل ليلة رأس السنة الميلادية. ولا تقتصر هذه الأسواق على بيع وشراء البضائع الخاصة بهذه المناسبة والتي يغلب عليها طابع الصناعات التقليدية والحرفية، بل إنها تتحول إلى مهرجانات للاحتفال والأكل والشرب وقضاء أمتع الأوقات. وقد شهدت أسواق هذا العام، ربما بسبب اعتدال الطقس نسبيا مقارنة مع نفس الوقت من السنوات السابقة، شهدت اقبالا كبيرا من قبل أبناء الشعب الالماني نفسه ومن السياح أيضا.
وبطبيعة الحال لا تخلو هذه الحفلات من احتساء النبيذ الساخن الذي تفوح رائحته العطرة من كل زاوية، والذي يعد خصيصا لأعياد الميلاد ويشكل جزءا لا يتجزأ من عاداتها وتقاليدها. ولا تكتمل مظاهر العيد دون وجود شجرة عيد الميلاد التي يتفنن الناس في تزينها بالأضواء والزخارف الأخاذة. كما لا تكتمل الطقوس دون وجود الشموع ذات الأشكال البديعة والأحجام المختلفة والتي تعج بها الأسواق والمتاجر هذه الأيام. وتظل الشيكولاتة ذات الأذواق والأشكال والأحجام المتعددة سيدة الموقف وتضفي على المناسبة مذاقا خاصا. ومن المظاهر المصاحبة أيضا الألعاب الخاصة بالأطفال والمهرج والحكواتي الذي يسرد للأطفال قصصا تدخل السعادة والسرور إلى نفوسهم. هذا طبعا إضافة إلى الهدايا التي يقوم بابا نويل بتوزيعها عليهم أينما وجدهم.
مباهج للكبار والصغار
في مدينة ايرفورت تبدو المدينة التاريخية القديمة وساحة الكنيسة وكأنها عروس في ليلة زفافها، حيث تنتشر أكشاك سوق عيد الميلاد التي زينت بحلل زاهية من الأضواء والزخارف، وتقدم لزبائنها الذي يغص المكان بهم، الأكالات التقليدية الألمانية والشكولاتة ومختلف أنواع الهدايا وطبعا النبيذ المعتق. ويتوسط المكان تمثال ضخم موشى بالشموع والأضواء والزخارف. وإذا ما انتقل الزائر الى مدينة هايدلبيرج فسيجد ان المدينة تعج بالزوار والمحتفلين حتى ساعات متأخرة من الليل. ويمتد سوق عيد الميلاد من المدينة القديمة ليشمل ساحة البلدية والشوارع المجاورة مما يضفى أجواء عيد الميلاد على جزء كبير من المدينة الصغيرة بطبيعتها.
في مدينة لوبيك يتميز سوق عيد الميلاد بما يعرف تقليديا بـ "الغابة الأسطورية" التي تقام في ساحة كنيسة "سانت مارين"، والتي يتنزه عبرها الزوار مصحوبين بأصوات الحكواتي الذي يسرد قصصا من مجوعة "الأخوان جريم" الشهيرة. اما في مدينة كوبلينز التي تقع عند نقطة تلاقي نهري الراين والموزل، فتعيش هي الأخرى مباهج العيد التي لاتقل بهجة عن غيرها من المدن. وما على الزائر إلا التوجه إلى قلب المدينة القديمة ليعايش تلك البهجة عن كثب.
برامج احتفالية و تنوع ثقافي
وفي مدينة مونستر، التي تُقام فيها ست أسواق متجاورة خاصة بعيد الميلاد، يلحظ المرء إيقاع العيد تقريبا في كل زاوية وركن من المدينة. وننتقل إلى مدينة بوتسدام، مدينة القصور والحدائق، التي تستقبل الزائر لها هذه الأيام ببرنامج احتفالي متنوع وبهيج. وينفرد سوق عيد الميلاد هنا بحضور رمزي للثقافة البولندية المجاورة، حيث يشارك في هذه المناسبة بولنديون يقدمون ما لديهم من تقاليد خاصة بمناسبة عيد الميلاد، مما يكسب سوق عيد الميلاد في بوتسدام تنوعا وحيوية. ونأخذك عزيزي القارئ معنا في رحلة إلى شمال ألمانيا وتحديدا إلى مدينة روستوك التي تشهد اكبر سوق عيد ميلاد على مستوى شمال ألمانيا. وتتميز أسواق أعياد الميلاد هنا بأنها تعكس ماضي المدينة العريق. ويلاحظ المرء ذلك جليا من خلال طبيعة الزينة التي تكسو البيوت والكنائس والأماكن العامة.
مدينة ترير الواقعة في الغرب واحدة من أقدم المدن الألمانية وضعتها منظمة اليونيسكو على لائحة مواقع ميراث الإنسانية، يتنفس الزائر فيها عبق الماضي وتحديدا في السوق الرئيسي الذي يعود تاريخه الى العصور الوسطى. ويأخذنا قطار الرحلة الى فيسبادن، عاصمة ولاية هيسن، حيث يفاجأ المرء بوجود لمسات شرقية في تشييد أكشاك سوق عيد الميلاد المطلية باللون الأزرق المذهب، وكذا في تصميم وتلوين مداخل السوق، وهو ما منح السوق نكهة خاصة. ونختتم جولتنا هذه في مدينة فورتسبورج حيث نستقل القطار التقليدي القديم المعروف بـ "قطار نيكولاوس"، الذي ينقل زوار سوق عيد الميلاد من محطة القطارات الرئيسية إلى وسط المدينة والعودة. ويضفي وجود بابا نويل في القطار وكذا توزيعه الهدايا والمرح مع الأطفال مزيدا من البهجة والفرح.