د منذر الفضل:حقوق العراق الضائعة في مياه دجلة والفرات
٢٦ يوليو ٢٠١٠
مشكلة مياه نهري دجلة والفرات
برزت أزمة المياه في العراق لأول مرة في منتصف السبعينات من القرن الماضي إبان حكم البكر -صدام إثر إنجاز بناء أحد السدود الضخمة في تركيا وتخزين المياه فيه ,كما رافقه توتر سياسي في العلاقات بين العراق وسوريا , وقد بلغ نقص المياه في نهر الفرات حدا كبيرا بسبب العجز في الميزان المائي والخلل بين العرض والطلب المتزايد على المياه وحدثت فجوة مائية حادة وصلت حد الأزمة .وأتذكر أنني وقفت في تلك الفترة وفي أحد الايام عند ضفاف نهر الفرات في مدينة الكوفة وفوجئت بأن العديد من الصبية يعبرون النهر بين الضفتين ويلعبون على الارض اليابسة التي برزت وسط النهر بشكل واضح للعيان بسبب نقص حاد في منسوب المياه بعد أن كانت مياه نهر الفرات تفيض بالخير العميم وتنعش مناطق العراق من البساتين والمزارع والنخيل والاهوار في الوسط والجنوب .
وبدون شك , فأن العراق ورث منذ سقوط حكم صدام وحزبه الفاشي مشكلات عويصة ليس من السهل حلها أو التخفيف من آثارها .فقد خاض النظام السابق حروبا عبثية كارثية ضد الشعب الكوردي وضد ايران وضد دولة الكويت ونتج عن ذلك حملات دولية لاسقاط النظام في 9نيسان 2003.وهذا الانشغال في صنع الاعداء والحروب الداخلية والخارجية أدى الى ضياع حقوق العراق بفعل تجاوزات دول الجوار عليه , وبسبب صرف مبالغ خيالية من جانب ذلك النظام على التسليح بدلا من بناء السدود والمستشفيات وصناعة الكهرباء والزراعة والاستثمارات والتنمية الاقتصادية .
يضاف الى ذلك إن الوضع السياسي العراقي الحالي مضطرب ,مما يؤثر على ايجاد الحلول السريعة لهذه المشكلات الموروثة ,كما إن من المؤسف إن أغلب الشخصيات والاحزاب والحركات السياسية التي ناهضت النظام السابق واستلمت مقاليد السلطة في العراق اليوم لم تكن أهلا لتحمل المسؤولية التاريخية والدستورية والقانونية في الارتفاع الى مستوى الازمات التي يعاني منها العراق , إذ ما تزال الطبقة السياسية تمارس سلوك وعقلية المعارضة والصراع على المواقع والمغانم , حتى بلغ استياء المواطنين العراقيين حده الاقصى بسبب ذلك , ولانتشار مظاهر سلبية وخطيرة أخرى من فساد مالي واداري بلغ رقما قياسيا , وتدني في الخدمات وانتشار في البطالة وتلوث بيئي وتدهور أمني وغيرها من الأزمات الخانقة .
وإذا كان صلب موضوعنا ينصب على قضية المياه فقط , فان الغاية من هذه السطور ليس ايجاد الحلول السحرية لأزمة المياه في العراق بل هو مجرد دق لجرس الانذار للحكومة وللمسؤولين العراقيين لهذه الكارثة التي يواجهها مستقبل العراق وأجياله المغلوبة على أمرها , ولضياع حقوق العراق في مياه نهري دجلة والفرات التي تشاركه فيهما كل من تركيا وسوريا ,و لممارسات ايران غير القانونية في التجاوز على حقوق العراق في المياه في الحدود الشرقية .
-2-
أزمة المياه قضية قانونية وفنية أم وسيلة للضغط السياسي ؟
يمكن القول بأن أزمة المياه في العراق هي قضية قانونية أولا . وقد استعملت كوسيلة للضغط السياسي ضد العراق في مناسبات متعددة .ففي عام 1969قام نظام شاه ايران باغراق مساحات واسعة من مدينة البصرة ومنها جامعة البصرة التي أغرقها بالكامل حين أطلق مياه نهر الكارون وتسبب في اضرار بليغة وخسائر مالية وتعطيل للدراسة . وكان الهدف من ذلك الضغط على حكم البعث وايجاد الفرص لالغاء معاهدة عام 1937 التي نظمت حقوق الطرفين في شط العرب . وفعلا فقد ألغيت تلك المعاهدةمن جانب واحد وهو الطرف الايراني , ونجح النظام في ايران في الابتزاز السياسي ,وترتب على ذلك توقيع اتفاقية الجزائر سيئة الصيت التي وقعها صدام وفرط فيها بالسيادة الوطنية وخرق الدستور حين تنازل عن نصف شط العرب بموجب هذه المعاهدة الموقعة في 6 اذار من عام 1975 .
ولم تتردد تركيا ولا سوريا في استعمال قضية المياه من خلال التجاوز على حقوق العراق الدولية في المياه كوسيلة للضغط السياسي حين تتوتر العلاقات بين الانظمة الحاكمة , والعراقيون هم دائما الضحية الاولى لهكذا ممارسات وكذلك مزارعهم وبساتينهم ,ووضع العراق الاقتصادي عموما . فمن المعروف إن موضوع المياه له صلة وطيدة بالكهرباء والزراعة والطقس والثروة الحيوانية ,بل إن المياه تشكل الحياة للبشر والشجر والارض ولكل شئ ,وبدونها تتصحر الحياة .
أما من الناحية القانونية ,فالسؤال المطروح هو :هل إن دجلة والفرات هما من الانهار الوطنية أم ينطبق على كل منهما وصف النهر الدولي ؟
وما الفرق بين الوصفين ؟
وهل يجوز لكل دولة تمر فيها مياه دجلة والفرات أن تتصرف أو تستحوذ على المياه وتحبسها حسب مصالحها ؟
تشير العديد من الدراسات الى إن طول نهر الفرات يبلغ 2330 كم , موزع كالاتي : 442 كم منه في تركيا , 675 كم في سوريا , و1213 كم في العراق . وأما نهر دجلة فيبلغ طوله 1718 كم ويتوزع بين تركيا وسوريا والعراق . وهذا يعني أن النهرين المذكورين ينطبق عليهما وصف الانهار الدولية وليس الانهار الوطنية .
فالنهر الدولي لا يجوز أن تنفرد دولة ما لوحدها باستغلال مياهه دون مراعاة حقوق الدول الاخرى التي يمر بها , لأن النهر الوطني ينبع وينتهي في حدود الدولة الواحدة ويسمى بالنهر الداخلي ويخضع للسيادة الكاملة للدولة من حيث الاستغلال والصيد والملاحة واقامة المنشآت عليه وغيرها , بينما النهر الدولي ينبع في دولة ويمر في دولة أخرى أو دول متعددة مما توجب قواعد القانون الدولي تنظيم أحكام استغلال مياهه بصورة عادلة ووفقا للقانون والاتفاقيات ذات الشأن , وهو ما ينطبق على نهري دجلة والفرات .
لذلك لا يجوز لتركيا ولا لسوريا ممارسة السيادة المطلقة على مياه دجلة والفرات وانما يجب أن تكون السيادة مشتركة تستفيد منها جميع الدول التي يمر بها هذان النهران ,كما لا يجوز لأية دولة تبديل الطبيعة الجغرافية لمجرى النهر ,كأن تقوم بالتحويل الكلي أو الجزئي لمجرى النهر لأن لهذه الدول حقوقا مشتركة في الانتفاع من المياه , وهذا ماينطبق على الانهار الدولية الاخرى مثل نهر النيل ونهر الراين ونهر الدانوب وغيرها.
ولكن وكما هو معروف فأن تركيا انشأت العديد من السدود على هذين النهرين وكذلك سوريا,وانفردت كل دولة في استغلال المياه دون مراعاة لحقوق العراق الذي صار هو الضحية لأنه يأتي في التسلسل الثالث لمرور هذين النهرين , مما أدى الى الجفاف ونقص حاد في حصص العراق من المياه .
-3-
مقترحات لحل الأزمة المائية في العراق
ترتبط قضية المياه بالأمن الغذائي وبالمصالح الدولية والاوضاع السياسية بين الانظمة السياسية المختلفة ,كما تؤثر على جميع مناحي الحياة الاقتصادية والزراعية والصناعية والتجارية ,وعلى مستوى النزوح والهجرة من الريف الى المدينة .
نعتقد بضرورة قيام الحكومة العراقية ببناء السدود وخزن المياه لصيانة حقوق العراق المائية , ولكي لا تتفاقم الازمة والتي تشير الدلائل الى انها في طريقها الى ان تتحول الى كارثة حقيقية , ومما يساهم في تفاقم هذه الازمة هو الجهل في الثقافة الصحية والبيئية في العراق ورمي النفايات ومخلفات المعامل في هذين النهرين .
ومن الضروري تشكيل لجنة عليا دائمة في مجلس الوزراء من الخبراء العراقيين ومن مختلف التخصصات ( اقتصاد , قانون , زراعة , مياه ) تسمى لجنة المياه , تقدم الخبرة والمشورة وتتابع بدقة حقوق العراق في المياه ,وتكون داعمة لوزارة الموارد المائية ,على أن تكون بعيدة عن المحاصصة الطائفية والحزبية .
ونشير بهذه المناسبة الى إنه وفي اثناء اجتماع الجمعية الوطنية العراقية في عام 2005 , والتي حضرها رئيس الوزراء وعدد من المسؤولين , أشرنا الى خطورة الوضع , والى ضرورة الاهتمام بحل أزمة المياه في العراق بالحوار وطبقا للقانون الدولي والمعاهدات المبرمة بين تركيا وسوريا والعراق ,غير إن هذا التنبيه لم يلق آذانا صاغية بسبب أولويات السياسيين في الصراع على السلطة .
إن على هذه الدول التي تشترك في الانتفاع بمياه هذين النهرين أن تسهم في صنع السلام بين شعوبها من خلال التمسك باحترام الحقوق وعدم السماح للتوترات السياسية أن تنعكس على حقوق ومصالح هذه الشعوب لأنها هي التي ستكون الضحية , مما يؤثر على التعايش السلمي ويؤدي الى توفير المناخ المناسب للحروب والنزاعات التي لن تسبب إلا المزيد من الآلام والكوارث.
كما إن هذا الوضع الخطير يستوجب من الحكومة العراقية بحث الموضوع على مستوى القيادات السياسية وباشتراك الخبراء الفنيين بصورة متواصلة ودائمة وتفعيل الاتفاقات التى تضمن الحقوق المشتركة .
ومن المهم أن تقوم الجهات المختصة في الحكومة العراقية بتنظيم حملات اعلامية واسعة ومستمرة للتوعية بمخاطر تلوث المياه على النواحي الصحية والبيئية , وضرورة ترشيد الاستهلاك والاستعمال للموارد المائية , وتغيير انماط السقي الى الاساليب الحديثة مثل السقي بالتنقيط .
إن أزمة المياه سوف تتفاقم في ضوء الأوضاع الحالية بسبب اتجاه سوريا وتركيا لبناء المزيد من السدود ,والمشروع الجديد لسوريا بتحويل مجرى نهر دجلة مع انشاء سد مشترك عليه مع تركيا وبتمويل كويتي .