رشا حلوة: تحديات العزباوات في ظل اللجوء والهجرة
٢٥ أبريل ٢٠١٨منذ أن انتقلت إلى برلين وحدي؛ امرأة في بداية الثلاثينات من عمرها، تحمل حقائبها وتنقلها إلى مكان آخر وجديد للاستقرار، أصطدم أحيانًا بأسئلة مثل: "كيف يعني انتقلتِ لحالك؟"، ""كيف بدك تدبري حالك بالغربة!؟"، شو جابك ع برلين؟ عريسك؟"، وهي أسئلة بالتأكيد تمرّ على نساء كثيرات قررن الاستقرار في مكان آخر بعيد عن "البيت"، وهنّ غير متزوجات أو مرتبطات، أو بالعموم، الأسئلة حول "العريس" بإمكانها أن تكون معاناة فتيات عديدات منذ أول أيام فترة المراهقة.
بداية، من المهم الإشارة إلى أنني أقصد بالحديث عن الاستقرار "بعيدًا عن البيت" نوعين، الأول اختياري مثل حالتي، وبالتأكيد له خصوصية مختلفة، بصرف النظر عن الأسباب التي أتت بالقرار، لها سياقها كما أن الإمكانية المتوفرة للعودة إلى "البيت"، مقابل النوع الثاني، والذي هو ربما أكثر قسوة وصعوبة، الاستقرار في مكان آخر بسبب اللجوء القسري إليه، نتاج ظروف متنوعة سواء سياسية و/أو اجتماعية، وفي كثير من الأحيان، استحالة العودة إلى "البيت"، وعلى الرغم من ثقل هذا على الأفراد، سواء كانوا رجالًا أم نساءً، إلا أن له ثقلًا مضاعفًا على النساء عامة، والعزباوات خاصة، وللأسف تتعامل معهن بعض المجتمعات، في كثير من الأحيان، على أن "حظهن ناقص" إلى أن يتزوجن.
في حديث مع صديقة، لاجئة من سوريا، ومقيمة في برلين، قالت: "قلق العائلة أو المحيط الأول نابع من عقلية مفادها بأن المرأة تعتمد على الرجل، وأن المجتمع سيبقى متحملا لمسؤولية المرأة إلى أن تتزوج، وعندما يحصل ذلك، تصبح ضمن مسؤولية زوجها، كأنها عبء دائم. هذا العبء تضاعف مع الغربة واللجوء، بحضور المسافات أيضًا، وقلق المجتمع المرتبط بعدم الأطمئنان لما ستفعله المرأة! الجميع ينتظر أن تتزوج المرأة، كي يرتاح".
بالطبع هنالك تحديات عديدة ويومية يعيشها الأفراد عندما ينتقلون للحياة في أماكن جديدة، كم بالحري لو كانت هذه الأماكن بمثابة منافي اختيارية أو قسرية؟ التحديات تأتي على مستويات عديدة، متعلقة بالبيئة الجديدة واللغة غير المألوفة والثقافة التي علينا اكتشافها والتأقلم معها، كما وتلك الذاتية تمامًا، وتأثيرها مختلف من شخص إلى آخر، سواء كان رجلًا أم امرأة، متزوج/ة أو لا، فالقلق على من نحب هو طبيعي بالضرورة أينما كان، لكن الأزمة تكمن عندما تبدأ التحديات تأخذ الشكل النابع من النوع الاجتماعي (الجندر) ومن ثم الوضع الاجتماعي للفرد، أي امرأة وعزباء، وهذا متعب وثقيل، ونابع من عقلية ترى بأن كيان المرأة تابع لرجل ما دائمًا، و/أو أنها غير قادرة على تدبير أمورها وحدها.
وامتداداً لهذه النقطة، تقول (م.)، وهي لاجئة من سورية ومقيمة في برلين: "أنا شخصيًا أريد شريكًا لحياتي، يفهمني ويدعمني، لكن بالمقابل، لن أقبل بأي شخص لمجرد بأن فرصي للزواج تضيع مع مرور الجيل، حسبما يعتبر المجتمع. الضغط المجتمعي للزواج، ما زال حاضرًا هنا، حتى لو كان المحيط الأول بعيدًا، وليس سهلًا للتخلص من هذا الضغط، لكن هنا أرى بأني مفتوحة على الاحتمالات، وأستطيع التركيز على حياتي أكثر، كما أنني أرى الكثير من النساء من حولي تشبهني، فأنا لستُ وحدي. هُناك، كنت أشعر أحيانًا أنني وحدي، كيف يمكن أن أكون في الثلاثينات من عمري بلا زوج؟ وكأني مثيرة للشفقة".
لربما هذا الموضوع من القضايا التي تخصني على مستوى شخصي، هي أفكار تدور في رأسي وتعيش معي ومع الكثير من النساء حولي، صديقات أعرفهن أو نساء أتحدث معهن من وقت إلى آخر. هنالك من قررن أن حياة ما يُسمى "بالعزوبية" هي خيار، وهنالك من يعشن هذه الحياة بسبب المصادفات والظروف، وبالطبع، هنالك من تعيش هذه الحياة وترغب بالمقابل أن تجد حبيبًا/ شريكًا للحياة، بعيدًا عن الضغوطات المجتمعية التي تمارس عليها. عن هذا تقول صديقة تعيش في باريس: "لأنني لوحدي، أذهب لخيار التنازل في أحيان كثيرة، خاصة لأنني بلا عائلة هنا، فنظام المقايضة الاجتماعية في الغربة، هو الذي يعطي بديلًا للعائلة البعيدة، سواء خلال المرض، الأزمات، وحتى خلال الفرح، لأنني معزولة بخياري. يسألونني أصدقاء عن شعوري بالوحدة في أوروبا، بلا شريك أو عائلة، لكن بنفس الوقت، ولأنني أحمل كل شيء وحدي، أرمي عن ظهري ثقل المجتمع، وهذا مريح. الأزمة هي بأن الغربة جاءت مع حرب، وهذا ألم مضاعف، لكن بشكل عام، أحب حياتي في الخارج، نضجت كثيرًا بسببها".
من تجربة متواضعة، جاءت بقرار ذاتي بالاستقرار بمكان آخر بعيدًا عن بلدي، أتواصل كثيرًا مع استنتاج صديقتي التي تعيش في باريس بأن تجربة الحياة لوحدي مليئة بالاكتشافات والنضوج، حيث أن عامودها الأساسي هو الاعتماد على الذات في كل شيء، خاصة الحياة داخل مدينة جديدة وكبيرة، لا تشبه المدن التي عشتها من قبل، حيث تتوفر فيها دوائر الأمان، إن صح التعبير، بشكل طبيعي. لكن هذه التحديات والصعوبات اليومية، التي تفتح شبابيك على الاكتشاف الذاتي، هي بالضرورة أيضًا تمنح مساحات لاختبارات سعادة من نوع آخر، بعيدًا عن الإطار الذي غالبًا ما يرى المجتمع فيه المرأة سعيدة، النابع من الصورة النمطية عنها وعن أدوارها المجتمعية.
قلائل جدًا من لا يبحثن عن الحب والارتباط العاطفي الحقيقي، الذي لربما يضمن محفزًا إضافيًا للحياة وعيش تفاصيلها، الجميلة والصعبة في آنٍ، منها الحياة التي اخترن أو اضطررن أن نعيشها في أي مكان آخر، بما في ذلك المنفى، أيًا كان شكله، لكن المنفى ليس بالضرورة أن يكون دائمًا هو الفضاء البعيد عن ما نشعر أو نسميه بالبيت/ البلد الأول، فالمنفى بإمكانه أن يكون أيضًا في أقرب البيوت إلى قلوبنا، المحيط الذي وُلدنا وترعرعنا وسطه، نحكي لغته ونعرف شوارعه، لكنه لا يرى بنا كيانات مستقلة، وبأنه بإمكاننا أن نكون سعيدات أيضًا، نسافر ونعيش بلاد لوحدنا، "بلا عريس".
* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبته وليس بالضرورة عن رأي مؤسسة DW