رشا حلوة: هل يختلف التحرّش بمراسلات الرياضة عن المراسلين؟
٤ يوليو ٢٠١٨منذ الأيام الأولى لمباريات كأس العالم لكرة القدم – مونديال 2018، انتشر فيديو تحرّش بالمراسلة الرياضية الكولومبية، جولييت غونزاليس ثيران، والتي تعمل مراسلة لقناة DW، حيث خلال بثّ مباشر، أقدم رجل، وهو مشجع لكرة القدم، على تقبيلها غصبًا ووضع يده على صدرها. وبعد أن نشرت المراسلة الفيديو، قالت في جزء من تعليقها عليه: "نحن لا نستحق هذا التصرف، أنا أشارك الناس فرحة كرة القدم، لكن يجب أن نفرض الحدود بين المودة والمضايقة".
بعدها بأيام، حصل حادث تحرّش إضافي مشابه؛ رجل مشجع كرة قدم يتحرّش بمراسلة الرياضة البرازيلية جوليا غيمارابيس، حيث أقدم على تقبيلها، إلّا أنها قطعت حديثها مع الكاميرا ووجهته إلى الرجل مباشرة، قائلة له: "لا تفعل هذا مرة أخرى! لا أسمح لك بذلك! هذا ليس مهذبًا وغير صحيح! لا تفعل هذا مع أي امرأة مرة أخرى! التزم الاحترام!".
على ما يبدو، فإن حالات التحرّش العلنية هذه لمشجعي كرة قدم بمراسلات نساء ليست نادرة، سواء بهذا الشكل المشابه من التحرّش أو بحالات أخرى ضمن سياق المونديال تحديدًا؛ محاولات تقبيل مراسلات صحافيّات، هجوم جماعي على مراسلات. بموازاة ذلك، بإمكاننا أن نسأل: في ظل حدوث هذا في العلن، هل يمكن أن نتخيّل ماذا يحدث في الفضاءات العامّة الأخرى التي لا تُوثّق فيها انتهاكات ضد النساء خلال فترة المونديال؟ أو ماذا يحدث في البيوت على سبيل المثال؟
مؤخرًا، شاهدت على موقع فيسبوك ملصق بالإنجليزية، يبدو أنه جزء من حملة إعلامية، كُتب فيه: "لا أحد يريد أن تفوز انجلترا أكثر من النساء"، وفي أسفل الملصق كُتب "بأن العنف المنزلي يزداد بـ 38 بالمائة عندما تخسر انجلترا"، والمقصود هو بأن "الغضب" الذي يحمله الجمهور إثر خسارة منتخب انجلترا، يُمارس رد فعله بالأغلب ضد النساء.
في حديث مع آية زيناتي، ناشطة فلسطينية نسوية وسياسية، قالت: "بشكل عامّ كرة القدم تجسّد الذكورية، ومن المتطلبات من اللاعبين في المونديال نلمس هذا بشكل مكثّف، حتى بين بعضهم البعض. إن لم يلعب لاعب ما "كما يجب"، يتعرض للبهدلة والسخرية. كما وأن وجود النساء ضمن هذا السياق، فيه دائمًا إيحاءات جنسية. أي عندما يتكلمون عن المشجعات، لا يذكرون أنهن أقوياء أو أنهن يعرفن كرة القدم وماهية اللعبة، إنما يتكلمون عن أجسادهن وأشكالهن وحركاتهن".
وتضيف آية: "حتى عبر دوائرنا من أصدقاء نعرفهم، بإمكاننا اعتبار تدويناتهم عبر الفيسبوك بمثابة تحرشات جنسية. أي، ليس شرطًا أن يتواجد بعض الرجال هناك كي يتحرشوا جنسيًا بالنساء، بإمكانهم أن يكونوا متحرّشين عن بعد أيضًا، بالوصف وأسلوب الحديث والعقلية الذكورية العلنية، والمقبولة للأسف".
مؤخرًا، قمتُ بمشاركة فيديو من برنامج "شباب توك" من DW عربية، يرصد حالات التحرّش ضد مراسلات رياضة، أرفقت له تعليق خاصّ عبر صفحتي في فيسبوك، متسائلة حول نوع الوقاحة التي تجعل رجل يُقبّل امرأة على الهواء مباشرة، بلا إرادتها، ويشعر أن "هذا من حقه"؟
بالإضافة إلى التعليقات المناهضة للتحرّش بالنساء والرافضة لها التي وصلت، كانت هنالك تعليقات تضمّ مشاركة لفيديو يرصد مقاطع تقبيل نساء لمراسلين رياضة رجال، وتساءل البعض لماذا لا تحظى هذه الأحداث على نفس الضجة المناهضة؟
أوّلًا، من المهم الإشارة إلى أن الحالتيْن مرفوضتيْن تمامًا، سواء تقبيل الرجال للنساء غصبًا وتقبيل النساء للرجال بلا إرادتهم، وأن كلاهما تقعان في خانة التحرّش الجسدي. لكن هنالك ملاحظات من المهم الإشارة لها؛ الفيديو الذي وصلني ويرصد "تقبيل" نساء لمراسلين رياضة، يحمل العنوان "المراسلين هايصين في روسيا"، و"هايصين" تعني "سعداء" (وهي تسمية الصفحة التي شاركت الفيديو).
الأمر الثاني هو أن الإطار العامّ للفيديو هو "احتفالي" نوعًا ما، فيه من أداء "بطولة" رجال لحصولهم على قُبلة من نساء، كما أنه بالإمكان ملاحظة الابتسامات على وجوههم. ملاحظاتي هذه ليست للدفاع عن ما فعلنه النساء أمام الكاميرات، سواء بإرادتهن أو بتوجيهات ما لأسباب مختلفة، لكن هي دعوة للتساؤل حول التعامل العامّ مع الحالتيْن، لكن بنفس الوقت، محاولة لأن نرى الاختلاف بين كلاهما، الاختلاف ليس بفعل الانتهاك المباشر، إنما بالقاعدة غير المشتركة له، وبتأثيره المختلف على النساء مقارنة بالرجال، امتدادًا لتاريخ متواصل من العنف التي تعاني منه المرأة في كل مكان، والخوف أيضًا.
في حديث عن هذا الجانب مع فرح برقاوي، ناشطة نسوية، كاتبة ومترجمة ومحررة مشروع "ويكي الجندر"، قالت: "الرجال لا يقولون عن هذا تحرّش، أكيد يشعر بعضهم بالانتهاك، ومن المهم أن يُقال عن هذا انتهاك، لأنه صادم، بالمقابل هنالك من يعتبره من الرجال على أنّه حظ جميل! أي، نيالك باستك والله يا عمي.. ما حدث للمراسلين الرجال هو انتهاك، لكن ليس بقصد الإذلال الجنسي، حسب رأيي. ممكن أن تُقبّل امرأة مراسلًا بصورة خاطئة، لكن المراسلة ممكن أن تتعرض لاعتداء جماعي على جسدها، وهذا شعور تراكمي وتاريخي بالتهديد وليس وليد اللحظة فقط. أي ندرة فعل التحرّش تجاه الرجال لا تحمل سوابق تروما/ صدمة ولا تكرار ولا تحفيل عليه من مجموعة نساء، هي تقبّله على خده ولا تلمس جسمه ومواقع حساسة منه"، وتتابع: "لكن من المهم أن يكون هنالك وعي تجاه ضرورة الفكرة الرضائية أو القبول لدى الجميع، نساء ورجال، وحتى تلك اللحظة، لا يُصلح تبرير تحرش الرجال بممارسة فردية مارستها نساء دون قبول الرجال".
مع كل حملة مناهضة للتحرّش، نسمع أصوات تقول بأن هنالك أيضًا حالات تحرّش برجال وتستنكر صمت النساء عليها وما إلى ذلك. إن استنكار الصّمت عمومًا مُحقّ، لكن المشكلة إن كان الاستنكار يأتي على حساب تنصل بعض الرجال من مسؤوليتهم الأخلاقية في وضع حد للعنف التي تعاني منه النساء بأشكال متنوعة. الصمت ضد حالات التحرّش كلها، بكل البشر، هو مرفوض، لكن من المهم ضمن استنكار الصمت، أن نكون على دراية ووعي بأن معاناة النساء من الذكورية والسلطوية؛ الفكرية والفعلية، بالكلام وبالجسد، وكل الممارسات المفروضة عليها بلا إرادتها ولا رضائها، بالطبع كافية لأن تجعلنا نستنكر أكثر حالات التحرّش ضد النساء، العلنية والمخفية، في البيوت والفضاءات العامّة، لأنها أكثر بكثير مما يمكن أن نتخيّل.
* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبته وليس بالضرورة عن رأي مؤسسة DW.