رياح السياسة تطيح بمحافظ البنك المركزي العراقي
١٩ أكتوبر ٢٠١٢قرر مجلس الوزراء إقالة محافظ البنك المركزي سنان الشبيبي بعد تحقيق أجرته لجنة برلمانية في اتهامات بالفساد في البنك. كما قررت الحكومة الثلاثاء 16 تشرين أول/ اكتوبر 2012 تعيين عبد الباسط تركي الحديثي رئيس ديوان الرقابة المالية خلفا لمحافظ البنك المركزي السابق الذي صدرت بحقه مذكرة توقيف للاشتباه في تورطه بجرائم احتيال حسب الإعلان الرسمي.
الحديث في كواليس الأخبار والسياسة يجري عن أسباب سياسية وراء الإقالة، فيما تتحدث مصادر صحفية غربية عن مواقف إقليمية تتعلق بتحالفات مع بعض الأطراف قادت إلى التضحية بطاقم البنك المركزي العراقي.
مصادر أخرى تتحدث عن اتهام المحافظ لعناصر في أحزاب تشارك في السلطة بالفساد، ما قاد إلى التضحية به للتغطية على عمليات الفساد الضخمة.
رأي آخر يتحدث عن مساعي العراق للخروج من تحت مظلة التحالف مع الولايات المتحدة الأمريكية بحثا عن حلفاء دوليين وإقليميين آخرين.
"نوع جديد من الديكتاتورية"
الكاتب السياسي داوود البصري في حديث لمايكروفون برنامج العراق اليوم من DW عربية أعتبر أن محاولة ضم البنك المركزي العراقي جاءت في إطار محاولات رئيس الحكومة " للسيطرة على كل مقاليد السلطة لفرض نوع جديد من الديكتاتورية" على حد تعبيره، وذكّر أن هذه المحاولات لا يمكن فصلها"عن الصراع الإقليمي الشرس الدائر حاليا... وخصوصا الثورة السورية وطبيعة التحالفات الإقليمية القائمة ، ودخول النظام الإيراني بقوة على الخط".
وذهب البصري إلى أن سنان الشبيبي هو رجل محترف مهني، والاتهامات التي أطلقت عليه أطلقت جزافا "فالقضاء العراقي مسيّس لا علاقة له بالقانون، والفساد ممتد في كل زاوية من زوايا البلد". واعتبر البصري استبعاد الشبيبي محاولة تسقيط يقف خلفها فساد كبير يقصد منه "إعداد الساحة العراقية للتلاؤم مع مخططات النظام الإيراني، وهي محاولة لإخراج هذا النظام من حالة الحصار التي يعيشها "حسب تعبير البصري.
واعتبر البصري ان محاولات المالكي للسيطرة على البنك المركزي تأتي لتسهيل تحويل العملات الصعبة إلى النظام الإيراني في مساع لكسر الحصار الدولي المفروض عليه.
وذهب البصري إلى أن تعيين عبد الباسط تركي الحديثي وهو ليس من الكتلة الشيعية في منصب محافظ البنك المركزي يأتي بشكل مقصود للتمويه على الصبغة السياسية لعملية تغيير المناصب، مشيرا إلى أن الحديثي كان وزيرا في حكومة الجعفري وفي حكومة المالكي، وبالتالي فهو جزء من المشهد السياسي بغض النظر عن انتمائه الطائفي.
" أين هي خريطة الوطن، وأين هي المصلحة الوطنية؟"
ويعتبر سنان الشبيبي مهندس مشروع إصدار العملة العراقية الجديدة في 15 تشرين أول/ أكتوبر سنة 2003 ، وهو المسؤول عن تثبيت قيمة الدينار واستقرار سعر صرفه على مدى نحو عقد من الزمن . كما يعد البنك المركزي العراقي المؤسسة المصرفية العراقية الوحيدة التي تحظى بقبول دولي. الشبيبي يواجه اليوم تهما تتعلق بصرف ملايين الدولارات من رصيد البنك المركزي العراقي من العملات الصعبة في عمليات تبييض أموال وعمليات غامضة تناولتها بيانات الحكومة العراقية وتصريحات النواب الذين يتابعون هذا الملف.
وفي معرض شرحه لطبيعة الاتهامات الموجهة للشبيبي، أشار الكاتب والمحلل السياسي كريم بدر في حديث لمايكروفون برنامج العراق اليوم من DW عربية إلى أن على من يريد الدخول في مثل هذا الحديث إن يتجه إلى الجانب السياسي للملف، وهذا يعني أن الحوار سيكون في محور يدافع عن الحكومة ومحور آخر ينتقدها. وبيّن بدر أن هناك منطقا عقليا قد يُظهر لنا " أين هي خريطة الوطن، وأين هي المصلحة الوطنية، وهنا أرى الصورة مشوشة وقد اختلط فيها الحابل بالنابل".
واختلف بدر مع البصري بشأن وصفه الوضع العراقي بأنه منهار، معتبرا أن الوضع قد وصل إلى مرحلة الوضوح السياسي، "فهناك تدخلات خارجية واضحة، ولكن لا يمكن القول إن كل ما تفعله الحكومة هو شيطاني، وكل ما يفعل الآخر هو شريف ومظلوم".
الكاتب كريم بدر عاد ليشير إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية هي التي عيّنت محافظ البنك المركزي وهي التي حمته بقوانينها ، ثم استدرك بالقول" لا أحد معصوم من الخطأ ، ولا أريد أن أؤكد أو أنفي التهم التي صدرت بحق محافظ البنك المركزي".
"تجربة تتكرر بصدور مذكرة اعتقال بحق المتهم أثناء سفره"
صدرت مذكرة إلقاء القبض بحق سنان الشبيبي أثناء زيارته لطوكيو في مهمة رسمية، وهذا يذكّر بأمثلة أخرى في هذا السياق، ومنها مذكرة اعتقال حازم الشعلان وزير الدفاع الأسبق المتهم باختلاس مليار دولار والتي صدرت بعد ساعة من مغادرته لمطار بغداد، ومذكرة التوقيف بحق أيهم السامرائي وزير الكهرباء الأسبق، والمذكرة الصادرة بحق وزير الصحة الأسبق علاء العلوان، ومذكرة الاعتقال بحق فلاح السوداني وزير التجارة السابق، ومذكرة الاعتقال بحق طارق الهاشمي التي لم تصدر إلا بعد أن غادر بغداد إلى إقليم كردستان.
ويرى بعض المختصين في الشأن العراقي أن قرار فصل واعتقال محافظ البنك المركزي جاء عمدا أثناء وجوده في اليابان بمهمة رسمية ليكون بمثابة مانع له من العودة إلى العراق، والى مثل ذلك ذهب الكاتب كريم بدر مشيرا إلى أنه يرى في ذلك محاولة من ائتلاف دولة القانون لتجنب الدخول في مواجهة مع الكتل الأخرى.
"نواب مقربون من المالكي أشادوا بنزاهة الشبيبي"
على صعيد متصل، وفي معرض دفاعه عن نفسه، نقل القول عن محافظ البنك المركزي إنه قد كشف عن فساد إداري واختلاسات قام بها منتسبون لأحزاب السلطة، فكان ثمن ذلك أن فقد منصبه.د محمد الشطب الناشط في التيار الديمقراطي شارك في حوار برنامج العراق اليوم من DW عربية واستعرض صفات ومؤهلات محافظ البنك المركزي مشيرا إلى أنه وإضافة لخبراته الأكاديمية " يتمتع بخبرات دولية كثيرة اكتسبها خلال مسيرة عمله".
الشطب أكّد أن قضية الشبيبي سياسية بامتياز، مذكرا أن المطالب بالتحقيق مع الشبيبي قد بدأت منذ عام، ومبينا أن النائب أمير الكناني عن كتلة الأحرار المتحالفة مع المالكي قد قال بنفسه أمام وسائل الإعلام "إن محافظ البنك المركزي سنان الشبيبي هو شخصية وطنية ومهنية ويتمتع بالنزاهة".الشطب تساءل في المقابل: "من اليوم ، في مجمل الرئاسات العراقية، يتمتع بهذه المواصفات؟" .
وكشف د. الشطب أن الشبيبي سبق أن رفع مذكرة إلى رئيس الحكومة طالبه فيها بإقالة 4 مدراء عامين في البنك المركزي الأمر الذي رفضه رئيس الوزراء، وكان من تداعياته إقالته من منصبه.